أثار رحيل المفكر سمير أمين جدلا على وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يكن غريبا أنه حرّك الكثير من المياه الراكدة، بسبب الموقع الذي احتله الرجل، والدور الذي لعبه، وخصوصا إسهامه النظري في حقل اليسار العالمي منذ أكثر من نصف قرن. ولأن النقاشات ذهبت مذاهب شتّى، فإنها تقاطعت عند عدة محطات أساسية، في مقدمتها أن هذا المفكر الذي ناضل من أجل القضايا الكونية الكبرى وقف ضد الثورة السورية منذ انطلاقتها، ونقل أصدقاء مقربون منه، وعلى تماسّ به منذ عشرين عاما، أنه رفض ربط الثورة السورية بالسياق الثوري في تونس ومصر، على حد وصف الكاتب زياد ماجد الذي سجّل عنه شهادة معبرة على صفحته في “فيسبوك”، تعود إلى الفترة الأولى للثورة، قبل ظهور ذريعة “داعش” وجبهة النصرة التي تلطى وراءها كثيرون.
وبغض النظر عن موقف أمين السلبي من الثورة السورية، إلا أن هذا المفكر لم يعد موجودا على الساحة منذ زمن طويل، وعاش عدة عقود على أمجاد تنظيراته حول الاقتصاد العالمي في السبعينيات، وخصوصا نظرية المركز والأطراف. ومنذ ذلك الوقت توقف عن مواكبة تطورات الحياة التي حفلت بمتغيرات كبيرة، منها انهيار جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفييتي والنظام الاشتراكي، وحصول هجمات “11 سبتمبر” الإرهابية التي مهّدت لاحتلال العراق الذي كان بمثابة زلزال كبير ضرب المنطقة العربية.
لم يحرّك ذلك كله المفكر العالمي، ويحرّضه على رؤية ما يحصل من تجلياتٍ جديدة، أدت إلى ولادة مراكز وأطراف من نمط جديد، بل بقي عند السبعينات ولم يغادرها، وكان في العقود الأخيرة منطويا على نفسه، ولم ينتج نصا يليق بماضيه النظري من جهة، ويسهم في تفكيك ما حصل، أو يقدم رأيا يستحق النقاش، من جهة ثانية.
ليست الشيخوخة وحدها التي أكلت سمير أمين وهمّشته، فهناك أقرانٌ له من الشباب اليساري المعادي للإمبريالية وقفوا على أرضية موقفه من الثورة السورية. وعلى الرغم من مضي أكثر من سبعة أعوام لم يتحرّكوا لاتخاذ موقفٍ من الوحشية الأسدية والروسية والإيرانية، ووصل هؤلاء إلى مستوىً من انعدام الأخلاق حدّا يبرّرون استمرار قتل السوريين وتهجيرهم.
قد تكون هذه المواقف بسبب حول فكري، لكنها مهما بحثت عن ذرائع، فهي في جوهرها تعبّر عن سقوط أخلاقي، فالذي لا يستطيع أن يرى القتل في سورية، ولا يقف ضده ويدينه، شخص ليس بلا موقف سياسي، بل هو بلا أخلاق، مهما كان موقعه السياسي رفيعا وإنتاجه الفكري ذا قيمة، ولن يعصمه شيءٌ، حين تأتي الساعة التي يقف فيها التاريخ تجاه المذبحة السورية الرهيبة.
سمير أمين وغير سمير أمين من الكتّاب الكبار الذين كنا ننتظرهم لمثل هذه الأيام التي قال عنها برتولد بريشت “الحديث عن الأشجار يوشك أن يكون جريمة.. لأنه يعني السكوت عن جرائم أشد هولا”، سيتم وضع كتبهم في المتاحف، ولن يتوقف الناس عندها، لأن أصحابها لم ينطقوا حين تحولت البلدان إلى مسالخ، وسالت دماء الناس في الشوارع، وجرى تهجير الملايين وفقا لمشاريع فرز طائفي.
سمير أمين قيمة فكرية كبيرة، لكنه لم يعد يمت للناس بصلة، ولا يمسّ مشكلاتهم، مثل كتّاب عرب كبار اختاروا مناصرة القتل أو الصمت. هؤلاء لا يعنون الناس، مهما بلغ نتاجهم الإبداعي من قيمة، ولن يحترمهم أحد، فهم ببساطة سقطوا في امتحان الأخلاق قبل أي شيء آخر، ولن يشفع لأحدٍ منهم التعلل بأسلمة الثورة السورية. والمخرج هنا سهلٌ، يمكن إدانة القتل في المعسكريْن، وهذا أقلّ ما يمكن، فمن لم ير غير سواطير “داعش”، ولم تحرج ضميره براميل بشار الأسد، إنما يحاول أن يجد مبرّرا لتواطئه مع القاتل.
وبغض النظر عن موقف أمين السلبي من الثورة السورية، إلا أن هذا المفكر لم يعد موجودا على الساحة منذ زمن طويل، وعاش عدة عقود على أمجاد تنظيراته حول الاقتصاد العالمي في السبعينيات، وخصوصا نظرية المركز والأطراف. ومنذ ذلك الوقت توقف عن مواكبة تطورات الحياة التي حفلت بمتغيرات كبيرة، منها انهيار جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفييتي والنظام الاشتراكي، وحصول هجمات “11 سبتمبر” الإرهابية التي مهّدت لاحتلال العراق الذي كان بمثابة زلزال كبير ضرب المنطقة العربية.
لم يحرّك ذلك كله المفكر العالمي، ويحرّضه على رؤية ما يحصل من تجلياتٍ جديدة، أدت إلى ولادة مراكز وأطراف من نمط جديد، بل بقي عند السبعينات ولم يغادرها، وكان في العقود الأخيرة منطويا على نفسه، ولم ينتج نصا يليق بماضيه النظري من جهة، ويسهم في تفكيك ما حصل، أو يقدم رأيا يستحق النقاش، من جهة ثانية.
ليست الشيخوخة وحدها التي أكلت سمير أمين وهمّشته، فهناك أقرانٌ له من الشباب اليساري المعادي للإمبريالية وقفوا على أرضية موقفه من الثورة السورية. وعلى الرغم من مضي أكثر من سبعة أعوام لم يتحرّكوا لاتخاذ موقفٍ من الوحشية الأسدية والروسية والإيرانية، ووصل هؤلاء إلى مستوىً من انعدام الأخلاق حدّا يبرّرون استمرار قتل السوريين وتهجيرهم.
قد تكون هذه المواقف بسبب حول فكري، لكنها مهما بحثت عن ذرائع، فهي في جوهرها تعبّر عن سقوط أخلاقي، فالذي لا يستطيع أن يرى القتل في سورية، ولا يقف ضده ويدينه، شخص ليس بلا موقف سياسي، بل هو بلا أخلاق، مهما كان موقعه السياسي رفيعا وإنتاجه الفكري ذا قيمة، ولن يعصمه شيءٌ، حين تأتي الساعة التي يقف فيها التاريخ تجاه المذبحة السورية الرهيبة.
سمير أمين وغير سمير أمين من الكتّاب الكبار الذين كنا ننتظرهم لمثل هذه الأيام التي قال عنها برتولد بريشت “الحديث عن الأشجار يوشك أن يكون جريمة.. لأنه يعني السكوت عن جرائم أشد هولا”، سيتم وضع كتبهم في المتاحف، ولن يتوقف الناس عندها، لأن أصحابها لم ينطقوا حين تحولت البلدان إلى مسالخ، وسالت دماء الناس في الشوارع، وجرى تهجير الملايين وفقا لمشاريع فرز طائفي.
سمير أمين قيمة فكرية كبيرة، لكنه لم يعد يمت للناس بصلة، ولا يمسّ مشكلاتهم، مثل كتّاب عرب كبار اختاروا مناصرة القتل أو الصمت. هؤلاء لا يعنون الناس، مهما بلغ نتاجهم الإبداعي من قيمة، ولن يحترمهم أحد، فهم ببساطة سقطوا في امتحان الأخلاق قبل أي شيء آخر، ولن يشفع لأحدٍ منهم التعلل بأسلمة الثورة السورية. والمخرج هنا سهلٌ، يمكن إدانة القتل في المعسكريْن، وهذا أقلّ ما يمكن، فمن لم ير غير سواطير “داعش”، ولم تحرج ضميره براميل بشار الأسد، إنما يحاول أن يجد مبرّرا لتواطئه مع القاتل.