ضغوط إيران على مملكة البحرين، ليست بالأمر الجديد، وإن كانت تشتدّ وتضعف بحسب الأجندة الإيرانية، لكن العامل الطارئ هو انخراط قطر في تلك الضغوط بشكل علني في إطار تصفية حساباتها مع المنامة وباقي العواصم العربية المنخرطة في مقاطعة الدوحة بسبب دعمها للإرهاب.
لندن – لجأت إيران لتحريك مجموعات تابعة لها لتنظيم تظاهرات واحتجاجات أمام سفارات خليجية في أوروبا، كما ضغطت من أجل تكثيف مجموعات أخرى لأنشطتها في المنطقة، في تكرار لسياسات تتبناها دائما كلما اشتدت ضغوط المجتمع الدولي على أنشطتها المزعزعة للاستقرار الإقليمي.
وتصعّد إيران من ضغوطها السياسية مستخدمة ملف حقوق الإنسان في دول كالبحرين التي عانت طويلا من صراع داخلي بين تنظيمات شيعية مدعومة من إيران، والحكومة التي تحاول تقويض هذه التنظيمات.
وتحاول إيران عبر سياساتها رفع سقف أي تفاوض محتمل حول برنامجها النووي وسياساتها في المنطقة مع الغرب، وفي نفس الوقت تسعى لإظهار أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لم يؤثر على قدرتها على التأثير في دول الجوار.
وعلى رأس التنظيمات المدعومة من قبل طهران في البحرين سرايا الأشتر، التي أعلنت وزارة الخارجية الأميركية وضع زعيمها قاسم عبدالله علي أحمد، والمعروف بقاسم المؤمن، على قوائم الإرهاب.
ويقيم المؤمن في إيران، وجرى تصنيفه من قبل الولايات المتحدة وفقا للقرار رقم 13224، الذي تفرض بموجبه عقوبات على الأشخاص الأجانب الذين ارتكبوا أعمالا إرهابية، أو يشكلون خطرا كبيرا بإمكانية ارتكاب أعمال إرهابية محتملة.
والشهر الماضي صنفت وزارة الخارجية الأميركية تنظيم سرايا الأشتر كمنظمة إرهابية مدعومة من إيران في البحرين، لارتكابها أعمالا إرهابية وتفجيرات دموية.
وقالت الخارجية الأميركية “المؤمن هو أحد قادة كتائب الأشتر التي تتخذ من إيران مقرا لها، وهي منظمة إرهابية أجنبية تم تصنيفها من قبل الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية تسعى للإطاحة بالنظام البحريني، وقام المؤمن بتجنيد إرهابيين في البحرين، وكذلك بتيسير التدريب على الأسلحة والمتفجرات لأعضاء سرايا الأشتر، وزودهم بالتمويل والأسلحة والمتفجرات لتنفيذ هجمات في نوفمبر 2017”.
وعلى الفور دفعت إيران نشطاء في لندن لإقامة اعتصام أمام السفارة البحرينية التي تقع في وسط منطقة بلغرافيا الراقية بالقرب من حي نايتسبريدج الشهير.
وشاهد مراسل “العرب” عددا قليلا من المعتصمين يحتمون من المطر داخل سيارات اصطفت في مواجهة مبنى السفارة، بينما وضعوا بجوار مدخل السفارة لافتات مكتوب عليها بالإنكليزية “الحرية لحسن مشيمع”.
وحسن مشيمع هو الأمين العام لحركة الحريات والديمقراطية “حق”، وهو معتقل في سجن جو البحريني. وتقول الحكومة البحرينية إن حركة “حق” متشددة، كما تتلقى دعما مباشرا من قبل إيران.
ولاحظت “العرب” اهتمام وسائل إعلام إيرانية بقضية مشيمع وتخصيص تغطية واسعة لأخبار نجله المقيم في لندن علي مشيمع، الذي ينظم الاعتصام أمام السفارة البحرينية، ويقود حملة ضد السلطات البحرينية على وسائل التواصل الإجتماعي.
وينشر مشيمع اتهامات تقول منظمات حقوقية في البحرين إنها غير صحيحة. ويقول حقوقيون يقيمون في المنامة إن علي مشيمع مطلوب للعدالة.
وقالت دينا اللظي، رئيس مركز المنامة لحقوق الإنسان، إنه “منذ بدء علي مشميع الاعتصامات أمام السفارة البحرينية في لندن تابعنا مع السلطات المعنية حالة والده في السجن، ووجدنا أنه يتلقى العلاج بشكل دوري، كما لم نجد أي تقصير حياله، بل اكتشفنا أن إدارة السجن ترسل له وجبات خاصة نظرا لحالته الصحية”.
وأضافت لـ“العرب” أن “البحرين تتعرض لضغوط سياسية من خلال توظيف الورقة الحقوقية من أجل النيل من البلد واستقلاله. هذه أمور واضحة للجميع”.
ودفعت تهديدات إيران لاستقرار البحرين دولا خليجية للإسراع بتقديم حزمة مساعدات اقتصادية لها، في إشارة إلى التمسك بأمن الخليج ووحدته.
وقال وزراء مالية السعودية والإمارات والكويت في بيان، الأربعاء، إنهم سيدعمون حاجات البحرين التمويلية، وذلك بعد أن أجروا مراجعة لبرنامجها المقترح لموازنة المالية العامة في اجتماع في المنامة.
وقال البيان “أكد الوزراء مجددا التزام بلدانهم بدعم الحاجات التمويلية لبرنامج الموازنة المالية العامة مع مؤشرات مستهدفة”.
وأبلغ مصرفيون ومصادر خليجية أخرى وكالة أنباء رويترز أن الدول الثلاث الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تناقش مساعدات للمنامة منذ أكثر من عام مع قيام المستثمرين الأجانب ببيع السندات البحرينية.
وتحاول الدول الثلاث طمأنة المستثمرين، في بلد يعاني من تدخلات إيرانية مستمرة في شؤونه، إذ تعتبره طهران “الخاصرة الرخوة في الخليج”.
لكن يبدو أن إيران ليست وحدها من تمارس ضغوطا سياسية على البحرين، كما يقول سياسيون بحرينيون، لكن قطر أيضا تحاول أن تلعب دورا محوريا في تسليط الضوء إعلاميا على ملف السجناء كي تتسبب في حرج للمملكة.
وقالت اللظي إن “قناة الجزيرة القطرية تحاول تضخيم مسألة اعتصامات مشيمع وغيره، ضمن مساعيها لتأجيج ملفات قديمة ضمن صراعها مع البحرين”.
وتعاني قطر تحت وطأة مقاطعة فرضتها السعودية ومصر والإمارات والبحرين عليها في يونيو 2017، بسبب دعمها للإرهاب وتهديدها لاستقرار المنطقة، ومنذ ذلك الحين اتجهت الدوحة لبناء تحالف وثيق مع إيران في المنطقة، كما عملت على توظيف قناة الجزيرة وأذرع إعلامية أخرى لخدمة السياسة الإيرانية في المنطقة.
وتقول تقارير الجزيرة ووسائل إعلام أخرى، إن مشيمع يتعرض لحرمانه من الدواء، كما يحرم أيضا من الزيارات العائلية ومن وصول الكتب إليه في زنزانته.
وقالت اللظي لـ“العرب” “لا يوجد في البحرين أي تقصير في مراكز الإصلاح والتأهيل، ومن خلال زيارتنا لهذه المراكز لم نلحظ أي ملامح لهذا التقصير. أعتقد أن البحرين تجاوزت هذه المرحلة منذ فترة طويلة”.
العرب