تبدو الصورة في محافظة إدلب (في سورية) ومحيطها معقدة للغاية، سواء على مستوى العلاقة التي تحكم فصائل المعارضة السورية “والحركات المصنفة بالإرهابية” والنظام من جهة أو على مستوى العلاقة الإقليمية الدولية التي تحكم الثلاثي التركي ـ الإيراني ـ الروسيمن جهة ثانية.
من الناحية الاستراتيجية، اتُّخذ القرار الدولي، أو على الأقل الروسي، بحسم مصير المحافظة لصالح النظام السوري، لكن عملية التنفيذ ليست بالأمر اليسير، على خلاف الجنوب السوري، بسبب وجود أنقرة، الشريك الإقليمي المهم جدا لموسكو في هذه المرحلة، وفي المرحلة المقبلة، لاعتباراتٍ بعضها مرتبط بالملف السوري، وبعضها الآخر مرتبط بالواقع الدولي والعلاقة بين الشرق والغرب.
من هنا تعمل روسيا على إدارة أزمة إدلب وتمرير الحل العسكري / السياسي في آن واحد، لاجمةً الاندفاعة العسكرية لإيران والنظام السوري لإطلاق عملية عسكرية واسعة في إدلب، مع السماح لهما بممارسة ضغوط عسكرية، والاستيلاء على بعض المناطق، بما يدفع الأتراك إلى الإسراع في حل أزمة المحافظة.
لا تريد موسكو عملية عسكرية موسعة، تشكل ضغطا على تركيا، وتدفع مئات الآلاف من النازحين نحو أراضيها، في وقت تشهد الليرة التركية تراجعا حادّا واقتصادا لا يسمح بفتح باب اللجوء مجدّدا، فضلا عن أن هذا الأمر يتعارض مع السياسة الروسية الجديدة حيال اللاجئين.
يبدو صنّاع القرار في الكرملين حريصين على العلاقة مع تركيا، من أجل تحديد مستقبل عموم الشمال الغربي لسورية، ومن أجل الملفات الإنسانية والسياسية التي تعمل موسكو على ترتيبها
برويّة خلال الفترة المقبلة. في المقابل، لن يسمح النظام السوري، ولا روسيا، بإبقاء الوضع على ما هو عليه في محافظة إدلب ومحيطها في اللاذقية وحلب وحماة، ولا بد من إنهاء سيطرة الفصائل الوطنية و”هيئة تحرير الشام” على كامل المحافظة أو على الجزء الأكبر منها.
وإذا كان المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرينييف قد أعلن عدم وجود عملية شاملة قي إدلب في الوقت الحاضر، فإن وزارة الدفاع أشارت إلى ضرورة تطهير منطقة إدلب ومحيطها من الإرهابيين. ووفقا لموسكو، فإن فصائل المعارضة وتركيا حصلتا على حصةٍ جغرافية وازنة (درع الفرات وعفرين)، وهما منطقتان يجب أن تكونا بمثابة المكان الوحيد لفصائل المعارضة، بحسب التفاهمات المضمرة بين أنقرة وموسكو.
المشكلة التي تواجه إدلب تكمن في داخلها، أي في طبيعة العلاقة التي تربط فصائل المعارضة مع “هيئة تحرير الشام”، ففي حين تأمل المعارضة أن تفكّك الهيئة نفسها وتدمج جزءها السوري مع باقي الفصائل، ترفض الهيئة إلى الآن هذا الخيار، لأسباب عقائدية استراتيجية أو لأسباب تكتيكية قابلة للتغيير. كما أنها تدخل بعلاقات متوترة مع قوى أخرى مثل “حراس الدين” الذين يعملون على توفير شروط المعركة مع النظام، من خلال شن هجمات على مواقع تابعة له.
ولا يعرف إلى الآن في أي اتجاه تسير العلاقة بين القوى داخل المحافظة، لكن الأكيد من تطورات الأمور أن ثمّة عملية عسكرية للنظام السوري، ستكون محصورة بأطر جغرافية محدّدة، بحيث تشمل ما تبقى من جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي، وبعض المناطق في ريف حماة الشمالي، والمنطقة الجنوبية من محافظة إدلب.
ولا تشكل هذه المنطقة تهديدا إستراتيجيا لتركيا، ولا يمكن أن تؤدي إلى أزمة لاجئين، ولذلك فإنها ستكون هدف النظام في هذه المرحلة. ومن شأن السيطرة على هذه المناطق أن تمنح النظام والروس عمقا استراتيجيا لمناطق سيطرتهما في اللاذقية وحماة، كما أنها تضيّق الخناق على فصائل المعارضة وعلى “هيئة تحرير الشام”، وبالتالي على تركيا التي ستجد نفسها مضطرّة إلى التحرّك.
السيطرة على المنطقة الجنوبية من إدلب ستضع النظام في وضعٍ مريح، بما يسمح له الانتظار، والاستجابة للمطالب الروسية بتمرير الوقت لتركيا من أجل إيجاد حل للمحافظة، في وقتٍ لا يوجد أي تحرك تركي على الأرض، باستثناء توحيد فصائل المعارضة ضمن تشكيل موحد، أطلق عليه اسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، وليس معروفا إلى الآن ما إذا كان هدف الجبهة مواجهة النظام أم محاربة الحركات الإرهابية.
حسين عبدالعزيز
العربي الجديد