واشنطن – لزم المسؤولون القطريون الصمت تجاه تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون بشأن الدعم الذي قدمته قطر في محاولة لإنقاذ الاقتصاد التركي في مواجهة حزمة العقوبات الأميركية الأخيرة. لكن مصادر خليجية مطّلعة قالت إن الصمت القطري مردّه الخوف من إثارة غضب الولايات المتحدة، خاصة أن تصريحات بولتون حملت رسائل واضحة وحازمة باتجاه قطر ليس فقط بشأن تعهدها بضخ الأموال، ولكن أيضا بمحاولة التوسّط لدى واشنطن لإنهاء الأزمة وتخريب مساعيها للضغط على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وأبدى بولتون تشككا إزاء فاعلية التدخل القطري لفائدة الرئيس التركي. وقال “أعتقد أن ما تعهدوا به غير كاف إطلاقا لإحداث تأثير على اقتصاد تركيا. إنه ليس نافعا بالتأكيد لكن سنرى ما سينتج فعلا عن تعهدهم”.
ووعد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بضخ 15 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة في تركيا خلال زيارته الأخيرة إلى أنقرة.
ومن الواضح أن تصريح بولتون فيه تهديد مبطن للقطريين بأنهم يتدخلون في قضية أكبر من حجمهم، وأن واشنطن لن تسكت لو سعى القطريون لتحدي سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الهادفة إلى “تأديب” نظيره التركي ودفعه إلى مراجعة أسلوبه المتنطّع والذي يراكم الأزمات مع الأصدقاء قبل الأعداء في منطقة لا تحتمل المزيد من التهوّر.
ولم تستبعد المصادر الخليجية أن يكون القطريون قد حاولوا التوسط لإنقاذ أردوغان، وأن الأميركيين ردوا عليهم بأن حلوا مشكلاتكم قبل أن تتوسطوا للغير. ولفتت المصادر إلى أن البرود الذي رافق زيارة وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إلى واشنطن دليل إضافي على غضب واشنطن من وساطة قطرية تهدف إلى إنقاذ أردوغان وإظهاره بموقف الرجل الذي يخرج من الأزمات التي يفتعلها دون أن يدفع الثمن.
ورغم أن تيموثي لندركينغ، نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الخليج، قد نفى الوساطة القطرية، إلا أن التلميح شديد اللهجة الصادر عن بولتون يشير إلى أن الدوحة حاولت ولم تنجح.
وقال لندركينغ في لقاء مع قناة “الحرّة” الأميركية “لقد لعبت قطر دور الوسيط في العديد من النزاعات في بعض الأحيان لمصلحتنا لكن في هذه الحال تحديدا لا أرى ذلك”.
وأضاف الدبلوماسي الأميركي، قبل اجتماع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بعد ظهر الثلاثاء بوزير الخارجية القطري “أعرف أنهم حريصون على الحفاظ على العلاقات القريبة مع الولايات المتحدة وأعتقد أننا سنجد العديد من القضايا الإقليمية المهمة للحديث عنها ومن المحتمل أن تشمل تركيا”.
لكن نفي الوساطة القطرية يسبب أيضا مشكلة مع الأتراك الذين يزيدون من تساؤلاتهم عن “الحليف” القطري الذي راهنوا عليه ولكنه خذلهم سياسيا وماليا، خاصة أن وعوده بالدعم المالي لا تزال مجرد وعود.
ويرى محللون أن قطر تسعى من خلال زيارة وزير خارجيتها إلى واشنطن لتبريد الغضب الأميركي والتهوين من تعهدها بضخ أموال لفائدة تركيا، في تحدّ لإدارة ترامب، وهو أسلوب قطري صار معروفا ويعتمد السير على الحبال المختلفة، لاكتساب ودّ جميع الفرقاء.
وتوقع المحللون أن تؤدي زيارة الشيخ محمد بن عبدالرحمن إلى واشنطن إلى نتائج عكسية وتزيد من توتر العلاقة مع واشنطن، مشيرين إلى أن الدوحة ستفتح على نفسها ملفات الإرهاب وشبكات التمويل القطرية التي دعمت مجموعات متشددة في مختلف مناطق النزاع سواء بشكل مباشر أو في شكل فدى.
وحذروا من أن الولايات المتحدة لن تتردد في اتخاذ إجراءات ضد قطر شبيهة بالتي اتخذتها ضد تركيا، وأن الدوحة التي تعيش صعوبات كثيرة بسبب المقاطعة التي تنفذها السعودية والإمارات ومصر والبحرين قد تتحول إلى وضع تصبح فيه المقاطعة أكثر صرامة إذا انضمت إلى ذلك الولايات المتحدة.
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي قد أبدى حزما كبيرا تجاه أنقرة، مشددا على أن الوسيلة الوحيدة أمامها لوقف سلسلة العقوبات “فورا” تكمن في إطلاق سراح القس الأميركي المحتجز في تركيا أندرو برانسون.
وقال بولتون “ارتكبت الحكومة التركية خطأ كبيرا بعدم إطلاق سراح القس برانسون”، مضيفا أنه “مع كل يوم يمر يستمر هذا الخطأ، يمكن أن تنتهي هذه الأزمة فورا إذا فعلت تركيا الصواب باعتبارها حليفا في حلف شمال الأطلسي وجزءا من الغرب، وأطلقت سراح برانسون دون شروط”.
لكن خبراء اقتصاديين ومحللين يعتقدون أن الرئيس يستثمر الخلاف المرير بين بلاده والولايات المتحدة لإلقاء اللوم في المشكلات الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد التركي على البيت الأبيض.
وقال سونر كاغابتاي مدير برنامج الأبحاث التركي في معهد واشنطن “إن أردوغان رغم أنه لم يكن يريد للأزمة مع الولايات المتحدة أن تصل إلى ما وصلت إليه، إلا أنه قرر كذلك استغلالها”.
وأضاف “أردوغان يستطيع أن يحدّد شكل روايته للأزمة لأنه يسيطر على 90 بالمئة من الإعلام. ويستطيع الآن أن يربط الأزمة الاقتصادية في تركيا والناجمة عن سياساته، بالعقوبات الأميركية فقط”.
وقبل أن يتسبب ترامب في انهيار الليرة من خلال تغريدة في العاشر من أغسطس أعلن فيها عن مضاعفة الرسوم على واردات بلاده من الصلب والألمنيوم التركيين، كانت السحب تتجمع فوق الاقتصاد التركي بعد ارتفاع التضخم ليبلغ 16 بالمئة وتوسع العجز في الحساب الجاري.
كما تسبب أردوغان في تقويض الثقة في العملة من خلال تصريحاته المتكررة التي اعتبرها بعض اللاعبين في السوق بأنها مربكة. فقد وصف معدلات الفائدة بأنها “أب وأم كل الشرور”.
العرب