إيران تسوق لنفوذ سياسي يوازي حضورها العسكري في سوريا

إيران تسوق لنفوذ سياسي يوازي حضورها العسكري في سوريا

تحاول طهران التسويق إلى أن نفوذها السياسي في سوريا يوازي وجودها العسكري هناك عبر احتضانها لقمة الدول الضامنة لمسار أستانة (روسيا، وتركيا وإيران) والتي يسبقها حراك دبلوماسي حثيث لوزير خارجيتها محمد جواد ظريف، ويرى مراقبون أن القمة المرتقبة بالتأكيد لن تركز فقط على إدلب بل وما بعدها، في ظل رغبة الثالوث الراعي لأستانة احتكار التسوية السياسية للأزمة السورية وسط شكوك في إمكانية أن يؤدي ذلك حقا لاستقرار هذا البلد.

دمشق – تنشط الدبلوماسية الإيرانية بشكل مكثف هذه الأيام تحضيرا للقمة الثلاثية التي تحتضنها طهران في 7 سبتمبر الجاري وتضم الرؤساء الإيراني حسن روحاني والروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، لبحث الأزمة السورية وبالخصوص سيناريو إنهاء معضلة إدلب.

وبعد زيارة مفاجئة قام بها إلى أنقرة الأسبوع الماضي حيث التقى بالرئيس رجب طيب أردوغان، حط وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الرحال الاثنين في العاصمة السورية دمشق حيث التقى بالرئيس بشار الأسد ونظيره وليد المعلم.

وأكد الأسد وظريف، خلال اللقاء أن الضغوط التي تمارسها بعض الدول الغربية على دمشق وطهران لن تثنيهما على التعاون الثنائي والدفاع عن مصالحهما.

وتحاول إيران من خلال تحركاتها السياسية المكثفة التسويق إلى أن حضورها السياسي يوازي نفوذها العسكري في سوريا، في ظل ضغوط دولية متزايدة تطالب بمغادرتها هذه الساحة، باعتبارها عنصر تأزيم وليس حل.

وبعد وصوله إلى دمشق، نقلت الوكالة الإيرانية للأنباء (إرنا) عن ظريف قوله إن “سوريا تقوم حالياً بتطهير جميع أراضيها من الإرهاب. وبقية الإرهابيين، بمن فيهم (هيئة) تحرير الشام، الذين يجب أن يغادروا إدلب”.

وأوضح أنه “في اجتماع القمة الذي سيعقد في طهران الجمعة المقبل واستمراراً للعملية السياسية الثلاثية، سيتم بحث كيفية التصدي للجماعات المتطرفة والإرهابية، بما فيها تحرير الشام”.

وتسيطر جبهة تحرير الشام (النصرة سابقاً) على الجزء الأكبر من محافظة إدلب بينما تتواجد فصائل إسلامية أخرى في بقية المناطق وتنتشر القوات الحكومية في الريف الجنوبي الشرقي.

وفي وقت سابق، أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي في طهران أن بلاده “ستواصل تقديم المساعدة للحكومة السورية في حملتها المقبلة في إدلب”، مشيراً إلى أن “هذه المسائل ستكون من بين تلك التي سيبحثها ظريف خلال محادثاته في سوريا”.

وتُعد محافظة إدلب مع أجزاء من المحافظات المحاذية لها آخر مناطق اتفاقات خفض التوتر التي ترعاها روسيا وإيران وتركيا. ولإدلب خصوصيتها كونها المعقل الأخير لهيئة تحرير الشام. كما تُعد منطقة نفوذ تركي، وتنتشر فيها نقاط مراقبة تركية تطبيقاً لاتفاق خفض التوتر.

ومن المقرر أن يلتقي في السابع من سبتمبر رؤساء الدول الثلاث في طهران حيث من المرجح أن يتم تحديد شكل العملية العسكرية على إدلب.

ويرى محللون أنه لا يمكن التحرك عسكرياً في المحافظة من دون التوافق بين الدول الثلاث، وبينها أنقرة التي تخشى أن يتسبب أي هجوم كبير بموجة جديدة من اللاجئين إليها، كما أنها تخشى فقدان نفوذها في المنطقة بالكامل، في حال رفضت التعاطي مع روسيا المصرة على إعادة إدلب إلى النظام.

وكونها صاحبة النفوذ الأكبر في المحافظة، فقد طلبت روسيا من تركيا إيجاد حل لإنهاء وجود هيئة تحرير الشام المصنفة “إرهابية” لتفادي عملية واسعة.

وأكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الاثنين استحالة الصبر على الوضع القائم في إدلب شمالي سوريا “إلى ما لا نهاية”، مشددا على ضرورة الفصل بين جماعات المعارضة المعتدلة والإرهابيين.

وفي كلمة ألقاها في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، أوضح لافروف “نشهد انتهاكات مستمرة لنظام وقف النار في إدلب.. على مدى أكثر من شهرين، تقصف مواقع للجيش السوري من هذه المنطقة، بل ويحاولون مهاجمة مواقع الجيش من هناك”.وأضاف أنه فضلا عن ذلك “يطلقون أعدادا كبيرة من الطائرات من دون طيار في محاولة لضرب قاعدتنا العسكرية في حميميم”، مشيرا إلى أنه تم إسقاط أكثر من 50 طائرة في هذه الحوادث.

وتابع “لا يمكن الصبر على هذا الوضع إلى ما لا نهاية، ونبذل حاليا جهودا حثيثة مع شركائنا الأتراك والحكومة السورية والإيرانيين، أطراف عملية أستانا، من أجل الفصل ‘على الأرض’ بين المعارضين المسلحين العاديين وبين الإرهابيين، وذلك بطريقة لا تعرّض المدنيين للخطر”.

وأشار لافروف إلى أن هذه المهمة يتولى تنفيذها العسكريون بشكل أساسي. وشدد الوزير الروسي على أنه “لا مكان للإرهابيين في سوريا، وللحكومة السورية كامل الحق في السعي لتصفيتهم على أراضيها”، وأضاف: “من الصعب نفي ذلك”.

وتعتبر إدلب أم المعارك في سوريا باعتبار أن حسمها من قبل النظام سيعني إنهاء الجانب المتعلق بالعمليات العسكرية في سوريا وبالتالي التهيئة لعملية سياسية شكلية تصب في صالح الأخير وحلفائه.

ويرى مراقبون أن القمة التي ستحتضنها طهران لن تناقش فقط عملية إدلب بل وما بعدها، ولا يستبعد مراقبون أن تشهد هذه القمة مفاجأة كحضور وفد سوري رفيع المستوى إلى هناك، وهذا ربما ما يفسر الحراك الدبلوماسي الإيراني بين أنقرة ودمشق.

وللمرة الأولى منذ سنوات لم تتضمن تصريحات وزير الخارجية السوري وليد المعلم أي هجوم على تركيا لا بل أنه وصف دورها ضمنيا بالمؤثر.

وتأتي زيارة ظريف إلى دمشق بعد أسبوع من زيارة وزير الدفاع أمير حاتمي إلى دمشق والتي تم خلالها التوقيع على اتفاقية تعاون عسكري بين البلدين تهدف لإعادة بناء القوات السورية، واستمرار وجود مستشاريها هناك.

ويقابل الحراك الإيراني حراك أميركي يقوده المسؤول عن الملف السوري جيمس جيفري الذي زار الاثنين الأردن قادما من إسرائيل. وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أكدت أن جولة جيفري ستبحث “سبل مواجهة نشاط إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة”.

ويختتم جيفري جولته إلى المنطقة بزيارة تركيا، ويرى مراقبون أن الأخير قد يطرح على المسؤولين الأتراك عروضا لإيقاف مسار التعاون مع الجانبين الروسي والإيراني في إدلب على وجه الخصوص، بيد أن محللين يتشككون في موافقة أنقرة خاصة إذا لم تتضمن هذه العروض فك الارتباط بين واشنطن والأكراد، وهو الذي شكل أحد الأسباب الرئيسية لتركيا للتقرب من محور روسيا.

وكشفت وزارة الخارجية الأميركية إن جيفري وريبورن سيتوجه إلى تركيا حيث سيؤكد موقف الولايات المتحدة المعارض للهجوم العسكري في إدلب.

وتضم إدلب نحو 3 ملايين نسمة، ويخشى من أن يقود هجوم موسع ضدها إلى كارثة إنسانية خاصة وأنه لا أماكن لهؤلاء يمكنهم الانتقال إليها.

العرب