تواصل تهاوي العملة الإيرانية أمس لتصل وفق متعاملين في طهران إلى 140 ألف ريال للدولار مع تزايد ملامح الأزمات المالية والاقتصادية، المرشحة للتفاقم مع اقتراب موعد تقييد صادرات النفط في نوفمبر المقبل.
وكانت الحكومة قد خففت إجراءاتها المالية القمعية في بداية الشهر الماضي وسمحت للسوق الموازية بتداول العملات الأجنبية بحرية بعد أن كانت تفرض التعامل بسعر رسمي لا تدعمه حقائق السوق يبلغ نحو 42 ألف ريال للدولار.
وأدى ذلك إلى استقرار نسبي في أسعار الصرف عند نحو 109 آلاف ريال للدولار، لكنه انحدر في سقوط حر خلال اليومين الماضيين، وأدى إلى تصاعد التذمر بين الإيرانيين الذين يطاردون العملات الأجنبية، خشية تبخر قيمة مدخراتهم.
وأرجح البعض سبب التراجع إلى إعلان البنك المركزي عن توسيع قيود إنفاق احتياطاته المالية، لكن آخرين أشاروا إلى أن التراجع تزامن مع ترجيح تشكيل حكومة عراقية لا تضم أنصار إيران في بغداد.
ويعد العراق أكبر نافذة لاستمرار الحياة الاقتصادية في إيران في ظل العقوبات الأميركية غير المسبوقة التي دخلت مرحلتها الأولى حيز التنفيذ في 7 أغسطس الماضي، ومن المتوقع أن يكتمل اختناق الاقتصاد الإيراني مع دخول المرحلة الثانية حيز التنفيذ في 5 نوفمبر المقبل.
ويرى مراقبون أن انهيار الريال يعكس ترجيح كفة الكتل البرلمانية المناوئة للنفوذ الإيراني في مساعي تشكيل الحكومة الجديدة، والتي يمكن أن تميل للالتزام بالعقوبات الأميركية، الأمر الذي يقلص نوافذ الالتفاف على العقوبات.
وجاءت الشرارة الظاهرة، التي فجرت أسباب القلق الكثيرة من إعلان محافظ المصرف المركزي عبدالناصر همتي بداية الأسبوع عن فرض قيود أشد صرامة على تخصيص احتياطات النقد الأجنبي.
وكانت تلك التصريحات تهدف لتهدئة قلق الأسواق، لكنها أدت إلى نتيجة معاكسة. وأظهرت حجم مخاوف الإيرانيين من الصعوبات التي ستواجهها البلاد في الأسابيع والأشهر المقبلة.
وقال الصحافي الاقتصادي الإيراني مزيار معتمدي إن الأوضاع السياسية والاقتصادية المتوترة في إيران أصبحت تجعل “كل تعليق يخرج من المسؤولين الكبار بهدف تهدئة السوق يثير ردود أفعال سلبية”.
70 بالمئة نسبة خسائر العملة الإيرانية منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو
ويضع المصرف المركزي بالفعل قيودا صارمة على حجم النقد الأجنبي الذي يقوم بضخه في السوق، ويخصص لمستوردي السلع الأساسية عملات أجنبية بسعر صرف حكومي رسمي يبلغ 42 ألف ريال للدولار.
وكانت احتجاجات عارمة قد اندلعت في أكثر من 80 مدينة إيرانية في ديسمبر ويناير الماضيين وتواصلت بشكل متفرق في أنحاء البلاد منذ ذلك الحين بسبب تردي الأوضاع المعيشية.
واتسعت شعارات المتظاهرين لتصل إلى المطالبة بإسقاط النظام وعدم تبديد ثروات البلاد في التدخل في الدول المجاورة، وهو أحد المطالب الرئيسية لدول المنطقة والإدارة الأميركية وكانت سببا رئيسيا في فرض العقوبات.
وشملت تلك الاحتجاجات في الأشهر الماضية سائقي الشاحنات والمزارعين وصولا إلى تجار البازار في إيران، بسبب تأثير الأزمة الاقتصادية على أعمالهم.
ويقول مراقبون إن انهيار الريال الحالي لا يكشف عن حجم الأزمة بسبب ندرة العملات الأجنبية. وأكدوا أن أعدادا كبيرة من الإيرانيين مستعدون لدفع أسعار أعلى للحصول على أي عملة أجنبية لكنهم لا يجدونها في مكاتب الصرافة، التي
أغلقت أبوابها أو كتبت أنها لا تملك عملات أجنبية.
ودخلت المرحلة الأولى من العقوبات الأميركية في 7 أغسطس الماضي والتي فرضت حظرا على تعامل إيران بالدولار والذهب والمعادن ومنعت تجارة الذهب والمعادن النفيسة والصناعية والبرمجيات الصناعية وتجارة السيارات والسجاد.
وسوف تتلقى طهران الضربة الأقسى مع دخول المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية حيز التنفيذ في 5 نوفمبر، والتي ستفرض قيودا على صناعة النفط الإيرانية وتطارد الشركات والدول التي تتعامل مع النفط الإيراني، الذي يمثل شريان الحياة الوحيد للاقتصاد الإيراني.
ويأتي الانحدار السريع في الأوضاع الاقتصادية رغم أن طهران لا تزال تصدر نحو 2.3 مليون برميل يوميا من النفط الخام، وهو ما يشير إلى حجم الكارثة الاقتصادية التي تنتظرها عن إغلاق منافذ تصدير النفط.
وتقول الولايات المتحدة إنها تريد إيصال صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، ورفضت الحديث عن تقديم أي إعفاءات حتى الآن، لكن محللين يقولون إن صادراتها قد تتراجع بما يصل إلى 1.5 مليون برميل يوميا.
ورغم أن الكثير من الدول مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا كانت قد أعلنت في كثير من المرات عن معارضتها للعقوبات الأميركية، لكن شركاتها رفضت استمرار التعامل مع طهران بسبب خشيتها من التعرض لعقوبات واشنطن.
ويرى مراقبون أن الشارع الإيراني يقترب من اليأس التام وأنه لم يعد يفرق بين الإصلاحيين والمتشددين، وأكدوا أن انفجار الاحتجاجات الشاملة أصبح مسألة وقت لا أكثر، مع اتجاه طهران لتلقي الضربة القاضية بتقييد صادرات النفط في نوفمبر المقبل.