منذ إنشاء إسرائيل في العام 1948، كانت الولايات المتحدة هي اللاعب الأساسي الأكثر حسماً في المنطقة. وقد توسط الرؤساء الأميركيون في صفقات السلام، وزودوا إسرائيل بالضمانات الأمنية، وقدموا التطمينات للفلسطينيين بأنه لم يتم التخلي عنهم. ووقفت واشنطن دائماً مستعدة لإخماد الحرائق في حال اندلعت ألسنة النار في المادة الجافة سريعة الاشتعال من الغضب وعدم الرضا في الأراضي المقدسة. ومع ذلك، يبدو الرئيس الأميركي دونالد ترامب مشعلاً للحرائق بدل أن يكون رجل إطفاء.
في الآونة الأخيرة، قطعت إدارة ترامب التمويل عن الفلسطينيين وقلصت بشكل كبير مساهماتها للأونروا -وكالة الأمم المتحدة التي تدعم أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني موزعين في منطقة الشرق الأوسط. وقد ضربت هذه التخفيضات في تمويل الوكالة الآلاف من الناس ضعيفي الحال مسبقاً. ويحذر مسؤولو الأمن الإسرائيليون في القنوات الخاصة من أن هذا التحرك ربما يأتي بنتائج عكسية سيئة -“إشعال النار على الأرض” عن طريق تعميق الأزمة الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
تشير التقارير إلى أن الرئيس ترامب لا يتلفت إلى ذلك. وهو يريد أن يجفف كل التمويل للأونروا، وأن يفرض حظراً يمنع الدول الأخرى من تعويض التخفيضات الأميركية. وهذه وصفة للفوضى: ما الذي سيحدث لنحو 500.000 طفل فلسطيني تتولى الأونروا تدريسهم، وللمعلمين، أو نصف الغزيين الذين يعتمدون على الأونروا في غذائهم؟
تقدم الولايات المتحدة للأونروا نحو 350 مليون دولار سنوياً، وهو ما يشكل أكثر من ربع الميزانية السنوية للوكالة، التي تبلغ 1.2 مليار دولار. وتهدد سياسة الرئيس ترامب أمن واستقرار الدول. والأسوأ قادم على الطريق. وتهدف إدارة ترامب إلى إنهاء سياسة الأونروا القائمة على الاعتراف بأبناء وأحفاد اللاجئين الفلسطينيين كلاجئين أيضاً. وبدلاً من خمسة ملايين لاجئ لهم “حق العودة” إلى ديار أسلافهم، سوف يكون هناك مجرد بضعة مئات من الآلاف. وقد ذهبت سفيرة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة، نيكي هالي، شوطاً أبعد، فقالت أن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة -وهو مطلب حاسم بالنسبة للفلسطينيين ولعنة بالنسبة لإسرائيل- يجب أن يزال عن الطاولة. وهذه تحركات خطيرة في منطقة خطِرة. وكان من المفروض أن يتم التقرير بشأن قضية حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، شأنه شأن وضع مدينة القدس، من خلال المحادثات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
لكن الرئيس ترامب لا يعبأ. وينبغي أن نشعر بقلق عميق إزاء ذلك. فهو يدعي أنه يعرض “صفقة القرن” لحل الصراع. وفي واقع الأمر، لن تكون هناك أي صفقة متفق عليها بشكل متبادل. وقد رفض السيد ترامب الاعتراف بفكرة حل الدولتين. وبدلاً من ذلك، يقوم فريقه بوضع عرض من نوع “خذه كله أو اتركه كله”، والمصمم لإسعاد أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل. وكما غرد المفاوض الأميركي السابق، ديفيد آرون ميلير، فإن هذه الإدارة هي الأولى “في تاريخ (الولايات المتحدة) التي تقدم دعماً غير مشروط لحكومة إسرائيل، بينما تشن حرباً سياسية/ اقتصادية على الفلسطينيين”.
ما هو واضح تمام الوضوح هو أنه لا يمكن إسكات شعب محروم من الحرية والكرامة. وعلى مدى السنوات السبعين الماضية، لم يقبل الفلسطينيون بتسوية يفرضها الخارجيون والتي تعيد رسم الحدود وتعيد تعريف السيادة من دون موافقة شعبية. ولا شك أن السيد ترامب مخطئ في الاعتقاد بأنهم سيقبلون بذلك الآن.