تعيش مدينة إدلب وضعاً لا تُحسد عليه، ويخيّم على أهل المدينة وريفها جوٌّ من الرعبوسط حشود عسكرية وتهديدات لا تتوقف. روسيا وإيران والنظام السوري على أهبة الاستعداد، من أجل خوض المعركة التي يريدون لها أن تكون الأخيرة، والفاصلة في الحربالسورية، وهذا ما يمكن أن يلمسه المراقب من ضخامة حجم القوة العسكرية التي جهّزتها روسيا في البحر المتوسط وقاعدة حميميم الجوية.
وسط قعقعة السلاح، وحالة الرعب التي يعيشها قرابة ثلاثة ملايين مدني سوري من أهل المدينة واللاجئين إليها، اقتصر رد الفعل الدولي فقط على تهديد الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا للنظام من عواقب استعمال أسلحة كيماوية، بينما زكّى مندوب الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، العملية العسكرية المرتقبة، وأعطى الضوء الأخضر لها من خلال سلسلة من التصريحات التمهيدية التي تعيد التذكير بمواقفه من معارك حلب والغوطة ودرعا. وفي المحطات الثلاث، أعاد العبارات نفسها، وقدّم الذرائع نفسها للروس، كي يباشروا الحرب داخل مدن مكتظة بالسكان.
حين يأتي الوقت لتسليط الضوء على الدور الذي لعبه دي ميستورا في المسألة السورية، لن يضعه أحد في مصاف المبعوثين اللذين سبقاه في هذه المهمة، كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، ليس لأنه افتقر إلى النزاهة والحياد فقط، ولم يكرّس جهده من أجل الحل، بل سوف يكون مضرب المثل للمبعوث الأممي الذي خان شرف الأمانة التي يجب أن يتحلّى به، بوصفه موظفا في أعلى هيئة دولية أوفدته في مهمة تحقيق السلام، فتحوّل إلى عرّاب للجرائم الروسية الإيرانية في سورية، في ظل سطوةٍ روسيةٍ في مجلس الأمن، وتهاون أميركي غربي حيال جرائم النظام في سورية منذ مجزرة كيماوي الغوطة.
وتؤكّد المؤشرات كافة أن العد العكسي للمعركة قد بدأ، والموعد المفصلي في ذلك هو يوم السابع من الشهر الحالي، حيث تُعقد في طهران القمة الثلاثية الثالثة بشأن سورية بين الرؤساء، الإيراني والروسي والتركي. وعلى الرغم من أن الأوساط المحلية والإقليمية والدولية تعوّل على هذا اللقاء من أجل إيجاد مخرجٍ يجنّب المدنيين كارثة جديدة، ويتلافى دمارا كبيرا يمكن أن يلحق بالبنى التحتية، فإن التصميم الذي تبديه موسكو وطهران على خوض المعركة لا يبشّر بأي بارقة أمل، ولا يترك أمام المساعي التركية أي فرصةٍ للنجاح.
ستكون إدلب المعركة الأخيرة، ولا أحد يعرف كيف ستتم. وربما يشكل الجهل بمجرياتها أحد أساليب خوضها من طرف الروس، وهذا ما حصل في الغوطة ودرعا، حيث لجأ الروس إلى أنماطٍ من التكتيكات انتهت بكسب المعركة. ولكن في المرّات جميعها كان هناك طريق للخروج لمن لا يريد القتال، ومكانٌ لاستقبال النازحين هو مدينة إدلب. وفي هذه المعركة، لا مفرّ ولا ممرّ ولا مستقرّ لمن يستعدّون للهروب. وقد شرعت بعض منصات البروباغندا الروسية في نشر دعاياتٍ بأن هناك ممرّات سيتم فتحها من أجل خروجٍ آمن للمدنيين، وجاء ذلك على لسان دي ميستورا، لكن هذا الأمر صعبٌ من الناحية اللوجستية، وفي ظل انتشار عسكري كبير في المدينة، تشكل فيه جبهة النصرة نسبة محدودة لا تتجاوز 10%، والباقي يعود إلى فصائل جبهة تحرير سورية والجبهة الوطنية للتحرير.
لن تكون المعركة نظيفةً، كما يروّج الروس، وسيدفع المدنيون الفاتورة الأساسية من الدم والممتلكات والتهجير. وكما هو الحال منذ معركة حلب التي كانت جبهة النصرة طرفا رئيسيا فيها، ستجد هذه وسيلة كي تنجو بنفسها، بعد أن تكون قدمت الذريعة للمعركة.
لا يختلف أحدٌ على الدور القذر الذي لعبته المجموعات الإرهابية، ومنها جبهة النصرة، في الإساءة إلى ثورة السوريين، لكن استخدامها ذريعة من أجل اقتحام إدلب لا ينطلي على أحد، ولو أنها لم تكن موجودة لخلقها الروس والإيرانيون.
بشير البكر
العربي الجديد