في الخامس من أيلول/سبتمبر، اجتمع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مع رئيس الوزراء الباكستاني الجديد عمران خان في إسلام أباد [بعد ساعات من تصريح الوزير الأمريكي بأنه يأمل في اصلاح العلاقات المتوترة بين بلاده وباكستان]. وقد أعتُبرت الخطوات الدبلوماسية التي اتخذت قبل عقد الاجتماع أقل من أن تكون دبلوماسية.
وبدأ الأمر بأول مكالمة هاتفية أجراها الوزير بومبيو مع رئيس الوزراء خان الذي ينتمي إلى الحزب الأكبر في باكستان في أعقاب الانتخابات الوطنية التي أجريت الشهر الماضي. وتضمنت فقرة وحيدة مقتضبة من تلك المحادثة التي جرت في 23 آب/أغسطس هذه الجملة: “لفت وزير الخارجية بومبيو إلى ضرورة اتخاذ باكستان إجراءات حاسمة ضد كافة الإرهابيين العاملين في باكستان”، وردّتحكومة إسلام أباد بغضبٍ بنفيها أنه تم ذكر هذه المسألة أساساً، لتعود وتهدأ بعد أن أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن إرسال نسخة مكتوبة عن المحادثة إلى إسلام أباد.
وكانت باكستان قد استقبلت وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في إسلام أباد في 30 آب/أغسطس في إطار محادثات استمرت يومين، أعرب خلالها رئيس الوزراء خان عن دعمه “المطلق” للموقف الإيراني من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 والذي انسحبت منه واشنطن. كما انتهز الفرصة ليتوجه بالشكر إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي على دعمه لأبناء كشمير في نضالهم من أجل تقرير مصيرهم. (ويخضع جزء كبير من منطقة كشمير ذات الأغلبية المسلمة لسيطرة الهند – الدولة المجاورة).
وجاءت الخطوة الأمريكية التالية بإعلان إلغاء المساعدات العسكرية البالغة 300 مليون دولار. وقد اتُخذ القرار في وقت سابق، لكن تم تأكيده علانية في نهاية الأسبوع الماضي، ربما تعبيراً عن الاستياء من زيارة ظريف. إلّا أن هذه الخطوة تخلّف أثراً مباشراً على الجيش الباكستاني الذي يعتبر القوة المهيمنة على الساحة السياسية الداخلية، ويعزى إليه الفضل في دعم عمران خان بهدوء في الانتخابات ودفعه إلى الفوز.
ومن الناحية النظرية، كانت اجتماعات يوم الأربعاء مخصصةً لوزير الخارجية الأمريكي بومبيو، الذي رافقه رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد ونظيريهما الباكستانيين – وزير الخارجية شاه محمود قريشي ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الجنرال قمر جاويد باجوا. وكما ذُكر أعلاه، اجتمع المسؤولان الأمريكيان برئيس الوزراء خان، الذي هو نجم سابق في لعبة الكريكيت وانغمس أيضاً بالملذات سابقاً، لكن منذ ذلك الحين أصبح متديناً للغاية، وسبق أن انتقد الضربات الأمريكية ضد حركة “طالبان” في أفغانستان.
ومن المرجح أن تكون المحادثات قد تمحورت حول أفغانستان، حيث تم الإبلاغ للتو عن مقتل سادس وسابع جنديين أمريكيين هذا العام، فضلاً عن الموقف الباكستاني من الإرهاب – الذي غالباً ما يعتبر غامضاً في أفضل الحالات. (يُذكر أن مؤسس شبكة “حقاني” الإرهابية الأفغانية، التي تدعمها “وكالة الاستخبارات الباكستانية المخيفة” وفقاً لبعض التقارير، قد توفي للتو بعد مرض طويل. ويتولى ابنه حالياً قيادة هذه الجماعة).
ومن شبه المؤكد أن أسامة بن لادن قد شكل سحابةً تاريخيةً مظلمةً ربما أثرت على مجرى الأحداث، فقد عاش لعدة سنوات على بعد ميلٍ واحد من إحدى أعرق الأكاديميات العسكرية في باكستان إلى حين مقتله في غارة شنتها القوات الخاصة للبحرية الأمريكية عام 2011. وتنطوي العلاقات الثنائية على تفصيل حرجٍ آخر، يتعلق بالعالِم النووي الدكتور عبد القدير خان الذي زوّد البرامج النووية لكلٍّ من إيران وكوريا الشمالية بتكنولوجيا تخصيب اليورانيوم – على الأقل بدرجة بسيطة من التواطئ الرسمي. وخان (الذي ليست له علاقة قرابة برئيس الوزراء) هو اليوم في الثانية والثمانين من عمره ويعيش حرّاً طليقاً في إحدى ضواحي إسلام أباد، لكن الإرث الذي تركهيحتل مكانةً محوريةً في لائحة مخاوف السياسة الخارجية الأمريكية الراهنة.
وكان التحدي المطروح اليوم أمام بومبيو ودانفورد هو التوفيق بين استمرار الاعتماد الأمريكي المستمر على الطريق البري الذي يمر بباكستان لإمداد قواتها المعززة مؤخراً في أفغانستان، وبين وجهات النظر المعروفة للرئيس ترامب الذي كتب في تغريدته الأولى لعام 2018 أن المساعدات الأمريكية لباكستان لم تحقق “سوى الأكاذيب والخداع”. [وبعد اللقاء هذا اليوم قال الوزير بومبيو، “لقد عقدنا اجتماعاً ممتازاً، وانا مسرور جداً بهذا الاجتماع“].
وفي حين كان وزير الخارجية الباكستاني قد قال إنه يتوقع حصول “تبادلات” خلال الاجتماعات المذكورة، إلّا أن خان قد يطلب المزيد من الوقت للاستقرار في منصبه الجديد، سعياً منه إلى الحد من المواجهة. وقد استخدم هذا الطلب مع جمهوره المحلي، حين التمس فترة سماح أمدها ثلاثة أشهر قبل أن يتم انتقاد حكومته الجديدة. لكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الخطوة مؤشراً على سذاجته، أو إدراكه للتحديات الضخمة التي تواجه إدارته. فالإدارة السيئة تركت عجزاً هائلاً في الميزانية، ويبدو أن البلاد بحاجة إلى مساعدة “صندوق النقد الدولي” في القريب العاجل.
ومن الممكن أن يدّعي خان وجود خيار التعامل مع الصين للتعويض عن الروابط التي تجمع بلاده بالولايات المتحدة أو حتى لاستبدال هذه الروابط. كما قد يقول إنه يفضل تطوير العلاقات مع إيران بما يشمله ذلك من استيراد الغاز الطبيعي – وهذا مشروع تحاول واشنطن منعه منذ سنوات. بيد أن مستشاره الأكثر نفوذاً – رغم ليس بالضرورة الأفضل – سيكون رئيس هيئة الأركان الجنرال باجوا. فقد التقى الرجلان ثلاث مرات خلال الأسبوع الماضي. ولا يزال يتعين علينا الانتظار لمعرفة ما إذا كان خان سيكون تلميذ باجوا أو بيدقاً بين يديه.
وفي الرابع من أيلول/سبتمبر، صوّت “المجلس الوطني” الباكستاني وأربع مجالس محافظات على اختيار رئيس جديد لباكستان، أي رئيس دولة وليس رئيس حكومة. وسيأتي اختيار الفائز المتوقع عارف ألفي من نفس حزب خان ليعزز بذلك مكانة رئيس الوزراء.
ولا شك في أن الرئيس ترامب يودّ سماع خبر إحراز تقدم في أعقاب محادثات إسلام أباد. لكن حريٌّ به ألا يعلّق الآمال على ذلك.
سايمون هندرسون
معهد واشنطن