ينذر الوضع في العراق بكثير من المخاطر، بعد يومين من تعثّر مجلس النواب العراقي الجديد في تسمية أحد الطرفين المتنافسين بتشكيل الحكومة، مع فشل انعقاد جلسة أول أمس والإعلان عن تأجيل انعقادها لغاية منتصف شهر أيلول/سبتمبر الحالي، ليظهر العراق عاجزًا بفعل الصراع الأميركي الإيراني على النفوذ فيه، إذ تتمسك طهران بشراسة بإيصال حكومة وليدة من رحم تحالف مليشيات الحشد الشعبي ونوري المالكي، في مقابل إصرار أميركي على كسر الحلفاء المباشرين لإيران في العراق، وتفضيل واشنطن فوز تحالف الصدر ــ العبادي بحق تسمية رئيس الحكومة. ويأتي ذلك على وقع التصعيد الواضح من كلا الفريقين الشيعيين، والمخاوف من أن ينسحب ذلك على الشارع، خصوصاً مع وجود فصائل مسلحة تدعم كلا طرفي النزاع السياسي بالبلاد، ومع استمرار فشل القوى السنية في تسمية مرشحها لرئاسة البرلمان، وطرح كل كتلة مرشّحاً خاصاً بها لشغل المنصب. إلى ذلك، ألمحت تسريبات عن قيادات كردية موجودة حالياً في بغداد إلى أنهم ينتظرون قرار المحكمة الاتحادية في تحديد أي المعسكرين هو الكتلة الأكثر عدداً ولها حقّ تشكيل الحكومة، ليستعيدوا دورهم بعد أن فقدت الكتل الكردية تأثيرها في ما يتعلّق بتشكيل الكتلة الكبرى.
في غضون ذلك، أكد مراقبون للشأن السياسي في العراق عن وجود مبادرة جديدة تهدف لحلحلة الأزمة السياسية من خلال تحقيق تقارب بين زعيم تحالف “الفتح”، الجناح السياسي لفصائل “الحشد الشعبي”، هادي العامري، وزعماء المعسكر المقابل خاصة زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، وزعيم تيار “الحكمة” عمار الحكيم، بهدف ضم الأول للتحالف وتشكيل الحكومة الجديدة مع إقصاء ائتلاف “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي من المشهد للسنوات الأربع المقبلة انسجامًا مع شروط السيد مقتدى الصدر. وأكدوا المراقبين أن مبادرة ترعاها أطراف عدّة لسحب منظمة “بدر” ونواب آخرين في قائمة “الفتح” إلى المعسكر الثاني (الصدر ـ العبادي) لتشكيل الحكومة، بعد الوصول إلى قناعة بأن أي حكومة تُشكّل دون إشراك الصدر فيها أو قائمة “الفتح” لن تصمد طويلاً”.ولفتو إلى أن “هناك أطرافاً عدّة ترعى هذه المبادرة بمن فيهم عمار الحكيم، ومقتدى الصدر، بعد الوصول إلى قناعة من أن عدم التقاء الطرفين أو توافقهم سيكون من الصعب حينها تشكيل حكومة والوصول إلى استقرار سياسي وأمني في البلاد”.
ويتزامن الحديث عن المبادرة مع زيارة يقوم بها المبعوث الأممي إلى العراق يان كوبيتش، إلى طهران، منذ مساء أمس، للقاء مسؤولين إيرانيين وبحث ملف تشكيل الحكومة العراقية، في خطوة اعتبرها سياسيون عراقيون سابقة من نوعها. وذكرت وكالة “أرنا” الإيرانية، أن المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإسلامي حسين أمير عبد اللهيان استقبل كوبيتش في طهران، وبحثا تشكيل الحكومة العراقية.ونقلت الوكالة عن المبعوث الأممي “أمله بأن يتوصل البرلمان العراقي وقادة هذا البلد إلى اتفاق بشأن الحكومة الجديدة، لما يساهم في تعزيز مسار الأمن والاستقرار في العراق”.
ويرى خبراء في العلاقات الدولية أن العراق في الوقت الراهن جوهر الصراع الامريكي الايراني في المنطقة، فهو يتمتع بموقع ستراتيجي بالنسبة للدولتين في ظروف الصراع الحالية، ولو تمكنت أمريكا من سحب يد إيران من العراق، ستنقطع كافة خطوط الشبكة الرابطة بين سوريا ولبنان وبين طهران، وبذلك يسهل توفير الأمن والاستقرار للمناطق الحدودية لإسرائيل، وإذا استطاعت إيران إضعاف الدور الأمريكي في العراق، فإن سطوتها على سوريا ولبنان ستتعزز، وتنقل ساحة الصراع إلى أبواب إسرائيل وتنهي بذلك قصة منع تطوير الصواريخ الإيرانية لكي لا تطال تل أبيب، لأن إيران حينها وبدلاً عن توسيع مديات أسلحتها بعيدة المدى، ستختزل المسافة بين تلك الأسلحة وبين إسرائيل. من منطلق هذه الأهمية يأتي تدخل الدولتين بكثافة في ملف تشكيل الحكومة العراقية لكي يتمكنا من تسخيرها لخدمة أهدافهما، وحل إيران أزماتها عبر البوابة العراقية.
فلا يغيب عن البال. تعاني إيران من أزمة على كلّ المستويات نتيجة فشل نظام يعتقد أن الهرب إلى الخارج يغني عن الالتفات إلى هموم الإيرانيين وطموحاتهم. تختزلُ الأزمة الداخلية الإيرانية في الفشل في تطوير الاقتصاد منذ العام 1979 تاريخ سقوط الشاه. وعد المسؤولون الإيرانيون في مرحلة ما بعد الشاه والإعلان عن قيام “الجمهورية الإسلامية” بألا تعود إيران معتمدة فقط على دخلها من النفط والغاز. إيران اليوم تحت رحمة النفط والغاز أكثر من أيّ وقت. شكّل العراق في مرحلة معيّنة متنفسا لاقتصادها المنهار. عرفت بعد العام 2003 كيف تحلب العراق إلى أن جفّ ضرع البقرة التي اسمها الاقتصاد العراقي. هناك أزمة اقتصادية واجتماعية في إيران والعراق في الوقت ذاته. يأتي ذلك في وقت لا يمكن الاستخفاف بالمواجهة الإيرانية- الأميركية التي تحوّل العراق إلى ساحة من ساحاتها. هناك أيضا تململ شعبي في العراق لن يكون في استطاعة أي حكومة معالجته بسهولة.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية