تزامنا مع استفحال الأزمة السياسية في العراق بعجز كل الكيانات والأحزاب في التوصّل إلى اتفاقات بشأن الكتلة البرلمانية الأكبر، يتفاقم الوضع في محافظة البصرة التي أُعلن فيها الخميس عن حظر للتجوّل قبل التراجع عن القرار في مساء ذات اليوم عقب احتجاجات عنيفة. ومؤشرات إلى وجود حلول قد تأتي قريبا خاصة بعدما تدخل الصدر مطالبا بجلسة برلمانية يحضرها رئيس الوزراء ووزراء الداخلية والصحة والموارد المائية والإعمار أو المطالبة برحيلهم إن لم يتحقق مطلبه.
البصرة (العراق) – بعدما تسارعت وتيرة الأحداث في محافظة البصرة عبر احتجاجات عارمة أسفرت عن مقتل محتجين، فرضت السلطات الأمنية بالعراق الخميس، حظر التجول في المحافظة الواقعة أقصى جنوبي البلاد غير أنها تراجعت عن قرار الحظر في مساء نفس اليوم.
وقال مصدر في الشرطة العراقية، إن السلطات الأمنية في محافظة البصرة ألغت قرار فرض حظر التجول في محافظة البصرة (جنوب) قبل سريانه، وذلك خشية وقوع مواجهات بين قوات الأمن ومقاتلي “الحشد الشعبي”.
وأفاد ضابط بشرطة البصرة برتبة ملازم طالبا عدم ذكر اسمه، أن “قيادة عمليات البصرة، تراجعت عن قرار فرض حظر التجول قبل سريانه بدقائق”.
وأوضح المصدر، أن “السلطات الأمنية ألغت القرار جراء اعتراض فصائل الحشد الشعبي عليه، وهو ما كان قد يؤدي إلى مواجهات مسلحة بين الحشد والقوات الأمنية”.
وأضاف أن “قوات الأمن بدأت تفقد السيطرة على المحافظة شيئا فشيئا”. وتأتي هذه التطورات الجديدة بعدما لقي 7 محتجين حتفهم في ثاني كبرى مدن العراق في الأيام الأخيرة.
في سياق متصل بالأزمة، قال موظفون إنه جرى تعليق جميع العمليات في ميناء أم قصر للبضائع قرب البصرة في العراق فيما أغلق محتجون مدخله في وقت سابق.
وامتدت الاحتجاجات التي اجتاحت جنوب العراق في الأشهر الأخيرة إلى الميناء الأمر الذي يزيد المخاوف من الاضطرابات التي تشهدها البلاد.
ويستقبل ميناء أم قصر واردات الحبوب والزيوت النباتية وشحنات السكر إلى البلد الذي يعتمد بنسبة كبيرة على المواد الغذائية المستوردة.
وامتدت المظاهرات إلى الميناء انطلاقا من مساء الأربعاء وجاء التحرك بعد ساعات من إضرام محتجين النار في مبنى الحكومة الرئيسي في مدينة البصرة النفطية، وبعد أن قطع المتظاهرون الطريق السريع من البصرة إلى بغداد.
وقال أحد المسؤولين “أغلق المحتجون المدخل الرئيسي للميناء والشاحنات التي تحمل الإمدادات لا يمكنها دخول المنشأة أو مغادرتها”.
ويحذر بعض الخبراء من أن يكون لتعطل محتمل للإنتاج النفطي تأثير شديد على اقتصاد العراق الضعيف بينما تواجه الدولة العضو في منظمة “أوبك” مهمة إعادة الإعمار الشاقة.
ويقول سكان البصرة إن الملح المتسرب إلى إمدادات المياه يجعلها غير صالحة للشرب وأدى إلى دخول المئات المستشفيات. ويقولون إن هذا دليل على أن السلطات ساهمت في انهيار البنية الأساسية في البصرة التي تنتج معظم ثروته النفطية.
وبعد أن استخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع وأطلقت الأعيرة النارية في الهواء في محاولة لتفريق المحتجين، زاد مقتل خمسة محتجين في اشتباكات مع قوات الأمن الثلاثاء من حالة الغضب في المدينة النفطية.
وقال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيش الأربعاء “وجب على السلطات تجنب الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين وتوفير الحماية اللازمة لأهل البصرة” إلا أن الأزمة استفحلت في المحافظة لعدم ثقة المحتجين في وعود الحكومة وبسبب التعاطي الأمني مع الأزمة.
وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي قد أعلن الثلاثاء قبل سقوط القتلى الستة فتح تحقيق في وفاة أحد المتظاهرين مساء الاثنين، مؤكدا أنه أمر بـ“عدم إطلاق الرصاص الحي باتجاه المتظاهرين أو في الهواء”.
واصطدمت محاولات العبادي لتهدئة الوضع بدعوة حليفه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر -الذي شكل معه أكبر تحالف حكومي-، الخميس، مجلس النواب إلى عقد جلسة استثنائية من أجل التوصل إلى حل جذري للمشاكل الصحية ونقص الخدمات في البصرة.
ودعا الصدر “مجلس النواب الجديد للانعقاد فورا وفي جلسة علنية استثنائية في موعد أقصاه الأحد القادم”.
وأكد على ضرورة حضور “كل من رئيس مجلس الوزراء ووزراء الداخلية والصحة والموارد المائية والإعمار والبلديات والكهرباء ومحافظ البصرة لوضع حلول جذرية، آنية ومستقبلية، في البصرة” التي دخل نحو 30 ألف شخص من سكانها إلى المستشفى بسبب تلوث المياه.
وتابع “وإلا فعلى جميع من تقدم ذكرهم ترك مناصبهم فورا وإن كانت ولايتهم منتهية”.
يشار إلى أن مجلس النواب الجديد كان قد أرجأ جلسته إلى 15 من الشهر الجاري بعد فشله في التوصل إلى اتفاق حول الكتلة الأكبر التي تشكل الحكومة. ويتهم المدافعون عن حقوق الإنسان الشرطة بانتهاك البصرة والمحتجين، فيما توجّه السلطات اتهامات لمن أسمتهم بـ“المخربين” تسللوا بين المتظاهرين.
وتقول الحكومة العراقية إن مندسين بين المحتجين يعملون على تخريب الممتلكات العامة، وإنها لن تسمح بذلك، لكن المتظاهرين لطالما اتهموا قوات الأمن بإطلاق الرصاص عليهم لتفريقهم بالقوة.
وأدى تفاقم الوضع في البصرة إلى تجمع العشرات من المواطنين في قضاء المدينة شمالي المحافظة عند حقل غرب القرنة 2 الذي يعد من أضخم حقول النفط في العراق.يذكر أن التطورات في محافظة البصرة تأتي وسط أزمة سياسية خانقة في العراق، حيث تسود خلافات واسعة بين الكتل الفائزة في الانتخابات البرلمانية بشأن الكتلة البرلمانية التي ستكلف بتشكيل الحكومة الجديدة.ويؤكّد مراقبون للوضع في العراق أن آخر التطورات الحاصلة في احتجاجات البصرة ستجعل الحكومة القادمة تصطدم بلا أي شك بأزمة اجتماعية وصحية كبيرة بدأت منذ حوالي شهرين في جنوب ووسط العراق.
العرب