يُعد انسحاب القوات الحكومية العراقية من الرمادي في 17 أيار/مايو أشد نكسة تعرضت لها المقاومة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» منذ سقوط الموصل قبل قرابة عام. فالرمادي هي عاصمة محافظة الأنبار الصحراوية الضخمة التي تربط بين بغداد وسوريا والأردن والمملكة العربية السعودية، والتي شهدت معارك عديدة في إطار عمليات “الصحوة” القبلية السنية التي حظيت بدعم الولايات المتحدة وهزمت تنظيم «القاعدة في العراق» بين العامين 2006 و2007. ولكن خسارة معركة واحدة لا تعني خسارة الحرب. يجب على الحكومة العراقية إطلاق هجوم مضاد فوري قبل أن يتمكن تنظيم «الدولة الإسلامية» من تعزيز قوته، وذلك لأسباب رمزية وبسبب قرب الرمادي من بغداد.
لماذا سقطت الرمادي
بدأت حملة «داعش» للسيطرة على المدن الرئيسية في الرمادي والفلوجة المجاورة في أواخر كانون الأول/ديسمبر 2013. ورغم سقوط الفلوجة وبقائها تحت سيطرة التنظيم فقد حافظت “قوات الأمن العراقية” على سيطرتها في الرمادي حتى وقت قريب. وخاضت المجموعات المرهقة المكونة من قوات الجيش والشرطة العراقية وقوات الميليشيا القبلية السنية معركة وحشية دون توقف وبقدر ضئيل من التعزيزات. فخلال فترة الأحد عشر شهراً منذ سقوط الموصل لم يتجاوز العدد الضئيل للقوات المحلية المجندة حديثاً في الرمادي أكثر من سريةً ضعيفة مؤلفة من ألفي عنصر من الشرطة الاتحادية ووحدة جديدة قوامها ألف عنصر من القوات شبه العسكرية القبلية. وتعد قوات الجيش المنتشرة في أنحاء المدينة من أكثر الوحدات التي تضررت واستنفدت في العراق.
كما سيكون من الضروري أن تتعامل الحكومة مع السمات الجغرافية للرمادي. فكما هو الحال في مصفاة بيجي – إحدى المناطق الأخرى التي يزداد فيها عدد قوات تنظيم «الدولة الإسلامية» بشكلٍ كبير – تقع الرمادي في منطقة متاخمة لمجموعة من بقاع الريف والضواحي غير الخاضعة للرقابة التي مكّنت التنظيم من تجميع قوى الهجوم على مقربة من المواقع المحاصرة. وفي ظل هذه الظروف، لم يكن من المستغرب انهيار “قوات الأمن العراقية” في الرمادي في نهاية الأمر عندما تعرضت لضربة قاسية تمثلت بثمان وعشرين سيارة مفخخة انتحارية خلال ثلاثة أيام، من بينها ما لا يقل عن ست مدرعات مفخخة هائلة وزنها خمسة عشر طناً محملة بالقنابل قامت بشن عملياتها في هجوم واحد.
نموذج “الأنبار أولاً”
من الناحية التاريخية، لاقت الرمادي والأنبار إهمالاً من جانب الحكومات العراقية المتعاقبة منذ مدة طويلة؛ والمحافظة دائماً ما كانت معقلاً للقبائل السنية القوية، وقد كافحت بغداد للسيطرة عليها حتى في عهد صدام حسين. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، قامت الحكومة العراقية بقيادة الشيعة بتنظيم الدفاعات الغربية في بغداد وكربلاء بشكلٍ خاص لحمايتهما من خطر هجوم متوقع من ناحية الأنبار. وفي الوقت نفسه، ونظراً للغياب شبه الكامل للمواطنين الشيعة في المحافظة، لم تكُن للحكومة الاتحادية إلا مصلحة مباشرة ضئيلة في تأمينها أو حماية مواطنيها. ونتيجة لذلك، تعاملت بغداد مع الشؤون السياسية الخاصة بالأنبار وكأنها تابعة لدولة مجاورة، وكانت تقوم أحياناً بتقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية لكنها كانت في أغلب الأحيان تتلاعب بالتعيينات الأمنية وتتدخل في الصراعات المحلية على السلطة. وكانت القوات الأمريكية – وليس الحكومة العراقية – هي التي تكفّلت بحصول الأنبار على الاهتمام الذي تستحقه ما بين العامين 2006 و2007.
ربما كانت النتيجة الإيجابية الوحيدة لسقوط الرمادي هي التأكيد على الأولوية الواضحة لأمن الأنبار بالنسبة لبغداد وحلفائها الدوليين. ولم يكن ذلك هو الحال في أغلب فترات العام الماضي عندما اختلفت الآراء حول الاختيار بين التركيز على الأنبار أو الموصل؛ وقد تم اختيار الموصل لفترة: ففي تشرين الأول/أكتوبر الماضي على سبيل المثال تم اختيار مرشح من مدينة الموصل خالد العبيدي، على بديل من محافظة الأنبار لكي يشغل منصب وزير الدفاع العراقي الجديد. ومؤخراً في شباط/فبراير، كان رئيس الوزراء حيدر العبادي يقول بأنه “قد تم احتواء” تهديد «داعش» في الأنبار.
ومع ذلك، فمنذ ذلك الحين تحول العبادي بشكل تدريجي عن هذا الموقف وبدأ في التركيز بصورة أكبر على الأنبار وتفضيلها على الموصل، كون الأنبار هي محط تركيز الهجوم الرئيسي التالي التي ستشنه الحكومة. ويُعد سقوط الرمادي بمثابة الضربة القاضية في الاندفاع لاستعادة الموصل ويمثل بروز نموذج “الأنبار أولاً”. وقد يكون ذلك تطوراً إيجابياً في نهاية الأمر. وطالما يتم شن عمليات الهجوم المضاد بسرعة وثقة، لن يتمكن تنظيم «الدولة الإسلامية» من تعزيز سيطرته على الرمادي بنفس الدرجة التي تُرك فيها بلا رادع في الفلوجة وتكريت والموصل. ولا تزال لدى القوات الحكومية قواعد قريبة مثل الحبانية (التي تبعد عشرين ميلاً شرق الرمادي) ووحدات أكبر على مسافة ثمانين ميلاً فقط في بغداد.
التداعيات على السياسة الأمريكية
إن تعرض نظام إدارة الحكم لصدمات غالباً ما يكون ضرورياً لإحداث تغيير إيجابي في العراق. وإذا كان سقوط الرمادي يفسح المجال أمام خيارات جديدة ويؤدي إلى تكثيف الدعم الدولي، فإنه قد يؤدي في النهاية إلى اختصار الفترة التي تستغرقها الحرب ضد «داعش». وقد أصبح الآن أمام بغداد وقوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة فرصة لتكييف الحملة بطرق مهمة:
تخصيص الموارد للأنبار: يجب على الحكومة العراقية وضع تنظيم «الدولة الإسلامية» في موقف دفاعي في شرق الأنبار قبل بداية شهر رمضان في منتصف حزيران/يونيو، عندما ستحاول الحركة الإرهابية دون شك زيادة هجماتها ضد أهداف شيعية دينية ومدنية في بغداد وكربلاء حيث المقامات الدينية الشيعية المقدسة. وقد تم إشراك قوات الشرطة الاتحادية من منطقة العاصمة بالفعل، وهي خطوة مُرحّب بها بعد قيام بغداد على مدار شهور عديدة بادخار وحداتها ورفض تعزيز ساحات القتال الرئيسية في الشمال والغرب. وتبقى سبعة عشر ألوية عسكرية ووحدات شرطة اتحادية بحجم لواء (أو ما يقرب من خُمس إجمالي الألوية المقاتلة في العراق) سليمة نسبياً في مدينة بغداد. وإذا اعتمدت الحكومة بعناية على بعض هذه الوحدات ذات الخبرة وقامت بتجميع قوات جديدة، سيكون لديها القوة اللازمة لاستعادة السيطرة على الرمادي في الوقت الذي تواصل معاركها النشطة في شمال محافظة صلاح الدين (بيجي وحمرين).
الشراكة بين القوات شبه العسكرية السنية و”قوات الأمن العراقية”: ينبغي إقامة «وحدات حشد شعبي» جديدة بسرعة بين القبائل السنية في الأنبار وتزويدها بالأسلحة الخفيفة والدروع الواقية ومشاركتها بصورة وثيقة مع وحدات “قوات الأمن العراقية” و «وحدات الحشد الشعبي» الشيعية ضمن تشكيلات مجتمعة، بصورة مماثلة لدمج كتائب “شرطة الطوارئ” في الألوية التابعة للجيش العراقي عدة مرات في الماضي. وببساطة، لن تكون المجموعات القبلية السنية قادرة على العمل بشكل مستقل ضد مدرعات «داعش» الانتحارية المفخخة دون قدرات مضادة للدبابات، وتُعد الطريقة الأسرع والأقل إثارة للجدل لحمايتها هي دمجها في الوحدات القائمة. ويمكن تحقيق ذلك بصورة أكبر مما تبدو عليه: فالدرس المستفاد من أحداث العامين الماضيين هو إمكانية عمل القوات التي يهيمن عليها الشيعة بنجاح في الأنبار عندما تتصرف بحساسية تجاه السكان المحليين. وقد وقعت وحدات الجيش من جنوب البلاد في خطأ عندما أظهرت أعلام الشيعة على سياراتها بشكل مفرط عند وصولها للمرة الأولى إلى محافظة الأنبار الغربية في شتاء عام 2013، لكنها تعلمت التوقف عن هذه الممارسة. وعلاوة على ذلك، قامت فرق التدخل السريع الشيعية بالعمل بنجاح في الرمادي منذ كانون الثاني/يناير 2014، بينما قامت «وحدات الحشد الشعبي» الشيعية بالعمل في مناطق عربية سنية عديدة في الأنبار بناءً على طلب القبائل المحلية اليائسة.
تكثيف القوى القتالية الأمريكية التي تقدم المشورة: يجب على الولايات المتحدة وشركائها تكريس المزيد من القوة الجوية للمعركة، لمضاهاة التزام العراق الإضافي تجاه الأنبار والإشارة إلى اعتراف التحالف بخطورة المرحلة. كما قد يكون من الضروري دمج القوات الخاصة الأمريكية على مستوى منخفض في الكتائب والألوية لتوفير التنسيق والاستخبارات في المناطق الرئيسية في الأنبار. وقد يتطلب ذلك تجنب المواجهة من قبل القوات العراقية وتغيير مسارها للمحافظة على الفصل بين القوات الأمريكية وعناصر «وحدات الحشد الشعبي» المعادية للغرب والمدعومة من إيران.
التركيز على الأحزمة الريفية وليس فقط على المدن: من الدروس الأساسية المستفادة من أحداث العام الماضي هو أن استعادة السيطرة على المدن من تنظيم «الدولة الإسلامية» تتطلب تأمين الأحزمة الريفية المحيطة بالمدن. لذلك، يجب على المستشارين الأمريكيين أن يضمنوا قيام بغداد بتخصيص قوات كافية للضواحي الشمالية والجنوبية والشرقية من الرمادي. وخلاف ذلك، يمكن أن تؤدي استعادة السيطرة الشكلية على وسط المدينة إلى ترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية عودة «داعش».
المحصلة
إذا استطاع العراق وشركائه الدوليين حزم أمرهم في الرمادي، يمكن للمعركة أن تقدم تجربة قيّمة في حرب التحالف المعقدة المتعددة الطوائف. وسوف يؤدي تشكيل فريق من القوات المتباينة من الجيش والشرطة والقوات القبلية و«وحدات الحشد الشعبي» والقوات الدولية إلى تحدي التزامات الحكومة العراقية والحلفاء المحليين والولايات المتحدة وإيران. وسوف تُسفر الجهود الناجحة للإئتلاف في الرمادي عن تهيئة التحالف المناهض لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» لاستعادة السيطرة على الموصل في عام 2016 واستعادة الثقة والاهتمام في ذلك الإحتمال. وربما الأهم من ذلك، أن القيادة العراقية ستلعب دوراً أساسياً لأن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لا يمكن أن يرغب في النصر في الرمادي أكثر مما ترغب فيه الفئات العراقية نفسها.
مايكل نايتس
معهد واشنطن