بعد صمت طويل، اختار الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما يوم السابع من الشهر الجاري في حفل بجامعة إلينوي، ليعود إلى الساحة السياسية مجددا في أول خطاب له بدا فيه غير راض عن المسار الذي تسلكه الولايات المتحدة منذ انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ورغم أن أوباما لم يذكر ترامب في خطابه المطول إلا مرتين فقط، فإنه في الواقع أشار إليه وإلى سياساته الداخلية والخارجية وما تسببتا به من فوضى مرات ومرات.
من أبرز أخطاء ترامب التي ركز عليها الخطاب -ووسم السياسة الخارجية للرئيس الأميركي الحالي خلال الفترة الماضية- انسحاب واشنطن في الأول من يونيو/حزيران الماضي من اتفاقية المناخ التي وصفها ترامب بأنها “خدعة”، وهو ما أثار سخطا عالميا لتداعيات القرار الخطيرة على البيئة.
وتناول أوباما الانسحاب الأميركي بالتفصيل، وقال متحدثا للحاضرين “ليست كوريا الشمالية ولا سوريا ولا المملكة العربية السعودية، أو روسيا من انسحب من اتفاقية المناخ؛ بل نحن، البلد الوحيد (رغم أن) هناك بلدانا كثيرة في العالم”.
وبدا لافتا للمراقبين أن ذكر الرئيس الأميركي السابق تلك البلدان بالاسم واختيارها دون غيرها من دول العالم، حمل دلالات عدة.
فالمتحدث اللبق كان يعي جيدا أن جمهوره الحاضر يصغي إليه باهتمام بارز في أول خروج سياسي له بعد صمت طويل، وكان يعي أيضا أن خطابه وما يرد فيه من مضامين ورسائل ستحظى بتغطية وسائل الإعلام المحلية والعالمية، في ظل حالة التخبط وعدم الاستقرار المتتالية التي يعيشها البيت الأبيض وساكنوه.
السياسية الخارجية
فبعد أن تسلمها من سلفه، استهل ترامب ولايته الرئاسية بالظفر من السعودية بأكثر من 460 مليار دولار، في صفقة اقتصادية خيالية لواشنطن أتبعتها الرياض بخسارة سياسية وهي تقود مغامرة غير محسوبة العواقب، حينما أعلنت بمعية الإمارات والبحرين عن حصار قطر التي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية جوية أميركية في المنطقة.
وكادت هذه الأزمة الخليجية أن تهدد استقرار المنطقة، ووضعت مجلس التعاون الخليجي ومستقبله كله على المحك.
ولم يجرؤ محاصرو قطر خلال فترة ولايتي الرئيس السابق باراك أوباما على القيام بمثل هذه المغامرات غير المحسوبة العواقب.
أما كوريا الشمالية فقد هرول إليها ترامب ساعيا إلى وقف برنامجها النووي، وأثمرت هرولته قمة بسنغافورة في يونيو/حزيران الماضي، بدأت بمصافحة تاريخية هي الأولى من نوعها بين رئيس أميركي وزعيم كوري شمالي.
وبالنسبة لسوريا، فيبدو موقف ترامب غامضا وإن كان قد حذر رئيسها بشار الأسد من استعمال السلاح الكيميائي في المعركة القادمة بإدلب التي يسعى لانتزاعها من أيدي المعارضة المطالبة برحيل “الدكتاتور”.
نظم استبدادية
وتجتمع البلدان التي ذكرها أوباما في أن أغلبها نظم استبدادية، تغيب فيها حرية الصحافة وينتشر فيها الفساد وتتصدر تقارير المنظمات الحقوقية بالنظر إلى سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان وقمع المعارضين.
ومن أبزر الأمثلة على ذلك، اعتقال السعودية مئات العلماء والنشطاء والحقوقيين، الذين بدأت محاكمة بعضهم في ظل غياب أبسط شروط المحاكمة العادلة، بل إن النيابة العامة طالبت بتنفيذ حكم الإعدام بحق بعض المعتقلين وعلى رأسهم الداعية سلمان العودة.
ولا يختلف المشهد كثيرا في النظام الشيوعي بكوريا الشمالية، حيث لا يكاد صوت معارض يزعج الزعيم كيم جونغ أون، بينما تمتلئ سجون النظام السوري بالمعتقلين من مختلف الأطياف.
كما يجمع بين الدول المذكورة انغماسها في حروب داخلية وخارجية، فبينما تفرض السعودية حصارا خانقا على اليمنيين وتقود مع الإمارات تحالفا عسكريا أودى بحياة الآلاف، يشن النظام السوري حربا طاحنة على شعبه استعان فيها بالمليشيات الشيعية والترسانة العسكرية الروسية، فيما تهدد كوريا الشمالية جارتها الجنوبية باستمرار.
وأعاد ربط أوباما بين السعودية وسوريا وكوريا الشمالية إلى الأذهان حديث الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن عن محور الشر، الذي جمع فيه بين العراق وكوريا الشمالية وإيران.
ومع اقتراب انتخابات الكونغرس التي ستجرى في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، استغل أوباما اللحظة أمام الجماهير الحاضرة ليدعو الجميع -ومنهم خصومه السياسيون- موجها نداء حارا إلى كل الديمقراطيين للتوجه إلى صناديق الاقتراع، عسى أن تتغير السياسية الأميركية في المستقبل القريب أو على الأقل أن يتولى الكونغرس في نسخته المعدلة الجديدة تقييد سلوكات ترامب.
وفيما يشبه التعبئة الانتخابية، أوصى الرئيس الأميركي السابق الناخبين قائلا “عليكم أن تقترعوا لأن ديمقراطيتنا على المحك”، وتابع “إذا كنتم تعتقدون ألا أهمية للانتخابات، آمل أن تكون السنتان الماضيتان قد غيرتا من نظرتكم هذه”.
الوضع السوداوي
خطاب أوباما الذي اكتسى صبغة حماسية كان بمناسبة تسلمه جائزة “دوغلاس للأخلاق في الحكومة”، لكن الرجل استغل اللحظة لتذكير الأميركيين بأهمية النزاهة والاحترام وسيادة القانون.
وقد وجه المتحدث نقدا لاذعا للرئيس الأميركي وأنصاره في الحزب الجمهوري الذين لا يريدون فيما يبدو ممارسة أي دور رقابي على سياسات ترامب، وشدد على أن ذلك أمر غير طبيعي وليس من شيم المحافظين أن تكون لهم “رؤية تقول إن حماية السلطة ومن يدعمونها هي كل ما يهم، حتى إن كانت تضر بالبلاد”.
وكان تهجم ترامب المستمر على الصحافة أيضا موضوعا حاضرا في خطاب الرئيس الأميركي السابق، الذي قال إن “هذه ليست هي الطريقة التي يجب أن تعمل بها ديمقراطيتنا”، مشيرا بذلك إلى المعلومات التي كشفها الصحفي الاستقصائي بوب وودورد بشأن طريقة العمل الفوضوية الحالية في البيت الأبيض.
مع ذلك بدا أوباما متفائلا، وخاطب الحاضرين “أمام هذا الوضع السياسي السوداوي أرى نوعا من الوعي لدى المواطنين عبر البلاد”، قبل أن يشدد في كلمته التي لقيت تصفيقا حادا أن “التهديد الأكبر لديمقراطيتنا ليس دونالد ترامب، بل اللامبالاة”.
المصدر : الجزيرة