أوباما: إذا امتلكت إيران سلاحا نوويا فأنا المسؤول عن ذلك

أوباما: إذا امتلكت إيران سلاحا نوويا فأنا المسؤول عن ذلك

1920

في مقابلة صحفية، يربط الرئيس الأمريكي إرثه بالاتفاق النووي مع طهران، ويرى أنّ تنظيم الدولة الإسلامية لا يفوز، ويحذّر المملكة العربية السعودية من امتلاك أسلحة نووية، ويشعر بالحزن تجاه إسرائيل.

بعد ظهر يوم الثلاثاء، في ختام حوار مثير للجدل، لكنّه توضيحي أيضًا، استمر لمدة ساعة مع الرئيس أوباما، يتحدث فيه عن الشرق الأوسط، تطرقتُ إلى موضوع مثير للقلق. قلتُ إنّ “غالبية اليهود الأمريكان يريدون دعم الاتفاق النووي مع إيران، ولكنّ الكثير من الناس يشعرون بالقلق إزاء هذا الموضوع، مثلي تمامًا“. ومثل الكثير من اليهود، وغير اليهود أيضًا، أعتقد أنّه من الحكمة إبقاء الأسلحة النووية بعيدة عن أيدي الأنظمة المُعادية للسامية. ولكن أوباما، في بداية الحوار، وصف المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، بأنّه معادٍ للسامية، وجادل بشيء لم أسمعه من قبل.

“حسنًا، بعد 20 عامًا من الآن، سأكون هنا، إن شاء الله. وإذا امتلكت إيران سلاحًا نوويًا، فأنا المسؤول عن ذلك“، في إشارة إلى الاتفاق النووي المنتهي تقريبًا بين إيران ومجموعة من القوى العالمية بقيادة الولايات المتحدة. “أعتقد أنّه من الإنصاف القول إنّه بالإضافة إلى مصالحنا العميقة المتعلقة بالأمن القومي، فأنا لدي مصلحة شخصية في إنهاء هذا الاتفاق“.

يبدو أنّ الرئيس -الواثق بنفسه، والمتحفظ، والعقلاني والهادئ- لديه همومه الخاصة بشأن المحادثات النووية. وهذا ليس سيئًا.

لم يُذكر اسم جيمي كارتر في حديثنا داخل المكتب البيضاوي، فأنا لم أضطر لذلك. يُعدّ لقاء كارتر المثير مع آية الله روح الله الخميني، زعيم الثورة الإسلامية، درسًا عمليًا في القوة الغامضة لإيران لتقويض؛ بل وكشف، الرؤساء الأمريكان. وبالطبع، كان رونالد ريغان يعرف عن هذه اللعنة الإيرانية. وفي ظل تحرك أوباما لإبرام هذا الاتفاق التاريخي، الذي من شأنه -إذا كان أوباما محقًا في تقييمه- منع إيران من امتلاك منصة نووية ليس فقط في فترة 10 أو 15 عامًا المتفق عليها في الصفقة، ولكن إلى أبعد من ذلك، نشر هو وإدارته مجموعة من الحجج المتعلقة بالأمن الوطني لدعم قضيتهم. ولكن، تعليق أوباما المفصلي يوحي بأنه يعلم جيدًا أنّ إرثه الشخصي، وليس فقط مستقبل الجهود العالمية لعدم الانتشار النووي (من بين أمور أخرى)، يعتمد على افتراض أنّه لا يتلاعب بالخلافات الإيرانية الأمريكية، وأن سمعته ستشوه إلى الأبد إذا انحرفت إيران عن المسار الطبيعي وساءت الأمور، حتى بعد أن يترك منصبه. ويقول منتقدو أوباما إنّه “لا يتخذ أي قرارات حاسمة” من خلال إبرام هذه الاتفاقية مع إيران. ولكن، يبدو أنّ أوباما يدرك أن القرار سيكون بيده لفترة طويلة.

عندما تحدثنا يوم الثلاثاء، ذكر أنّه يشعر بمسؤولية شخصية تجاه إسرائيل. وفي الفترة التي سبقت الموعد النهائي في 30 يونيو لصفقة إيران، ركّز أوباما على إقناع قادة العرب واليهود -الذين ساعدهم على التوحد بشأن مخاوفهم المشتركة من طموحات الهيمنة الإيرانية- بأنّ الاتفاق النووي سيعزز أمنهم. وفي الأسبوع الماضي، اجتمع مع قادة دول الخليج في كامب ديفيد في محاولة لطمأنتهم. وفي يوم الجمعة، قال إنّه سوف يزور مجمع “أداس” الإسرائيلي في واشنطن، وهو معبد المحافظين اليهود، ظاهريًا؛ ليلقي خطابًا، تكريمًا لشهر التراث اليهودي الأمريكي، ولكن في الواقع لطمأنة اليهود الأمريكان، وخاصة في أعقاب معاركه الطاحنة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ويوضح أنّه لا يزال، على حد قوله في مقابلة أجريتها معه في عام 2012، “يدعم إسرائيل”. (ليست هناك خطط لحدوث لقاء بين أوباما ونتنياهو في الأسابيع المقبلة؛ فهذا يبدو وكأنه بعيد الحدوث في البيت الأبيض، على الأقل في الوقت الحاضر).

جزء كبير من حديثنا اليوم يتعلق بالعيوب المحتملة في الافتراضات التي تدعم الاتفاق النووي، على الأقل في ظل فهم المعايير المؤقتة والعواقب المحتملة لهذه الصفقة.

كما تحدث أوباما عن الهجوم الأخير من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، وناقشنا مخاوف الدول العربية التي لا تزال تشعر بالقلق ليس فقط بشأن طموحات إيران النووية، ولكن بشأن تدخلها الإقليمي ورعايتها، من بين لاعبين آخرين، لحزب الله في لبنان ونظام الأسد في سوريا. وأدركت أنّ التوتر بين الولايات المتحدة ودول الخليج لم يتبدد تمامًا. كان أوباما يُصر يوم الثلاثاء أن حلفاء أمريكا العرب يجب أن يبذلوا المزيد من الجهد للدفاع عن مصالحهم الخاصة، لكنه أمضى الكثير من الشهر الماضي في محاولة لطمأنة المملكة العربية السعودية، الدولة المحورية في الخليج العربي وواحدة من أقرب حلفاء أمريكا العرب، بأن الولايات المتحدة سوف تحميها من إيران. الشيء الوحيد الذي لا يريد أن تفعله المملكة العربية السعودية هو بناء منشآت نووية لمضاهاة المنشآت التي سيتم السماح لإيران بالاحتفاظ بها كجزء من الاتفاق مع القوى العظمى. وقال أوباما عن السعوديين، إنّ: “سعيهم السري -المحتمل- لامتلاك برنامج نووي من شأنه أن يضعف علاقتهم مع الولايات المتحدة“.

وكما هو الحال في أحاديث سابقة مع أوباما، قضينا معظم الوقت نتحدث عن دولة يشغله مستقبلها بقدر ما يشغلني أيضًا. في أعقاب ما بدا أنه شبه انهيار في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، تحدث أوباما عما أسماه حُبه للدولة اليهودية، وشعوره بالإحباط عندما تفشل في الارتقاء إلى القيم اليهودية والعالمية، وأمله في أنّ قادتها، وخاصة رئيس وزرائها، سوف يدركون الخيارات الإسرائيلية القاسية كما فهم هو حقيقة هذه الخيارات. ومثلما فعل مع المملكة العربية السعودية، حذّر أوباما إسرائيل: إذا ثبت أنّها غير مستعدة لترقى إلى مستوى قيمها؛ ففي هذه الحالة، ستكون العواقب وخيمة. كما أشار إلى فهم نتنياهو الخاطئ للدور الذي يؤديه المواطنون العرب في إسرائيل في نظامها الديمقراطي.

وأخبرني أوباما أنه عندما أكّد نتنياهو، في حملته الانتخابية الأخيرة، أنّ “قيام دولة فلسطينية لن يحدث تحت سمعه وبصره، أو عندما كانت هناك مناقشة بدا فيها أنّ المواطنين الإسرائيليين من العرب تم تصويرهم بطريقة أو بأخرى باعتبارهم قوة غازية تدلي بأصواتها، وأنه ينبغي التصدي لهذا الأمر؛ فإنّ هذا مخالف للغة إعلان استقلال إسرائيل، التي تنص صراحة على أن جميع الناس بغض النظر عن العرق أو الدين هم شركاء في الديمقراطية. وعندما يحدث شيء من هذا القبيل، تكون له عواقب وخيمة علينا تتعلق بالسياسة الخارجية، خاصة لأننا على مقربة من إسرائيل، لنقف هناك ونقول إنّ ذلك لا يعني أنّ هذا المكتب البيضاوي فقد مصداقيته عندما يتعلق الأمر بالتحدث صراحةً عن هذه القضايا“.

وعلى الرغم من أنّ هدف أوباما من إلقاء الخطب، مثل الخطاب الذي كان من المقرر أن يلقيه في مجمع أداس، هو طمأنة اليهود بأنّه يحب إسرائيل، لكنّه كان مُصرًا على أنّه لن يسمح لليمين اليهودي، والحزب الجمهوري، بوصف الانتقادات الموجّهة لسياسات حكومة نتنياهو بأنّها معادية لإسرائيل أو معادية للسامية. وأشار إلى الشخصية اليهودية الأكثر نفوذًا في أمريكا، وقال: “هناك جدل كثيرًا ما يُشعرني بالقلق، وازداد على مدى السنوات العشر الماضية … إنّه جدلٌ أقل علانية من الذي أثاره شيلدون أديلسون، ولكن في بعض الأحيان يمكن أن يكون مُدمرًا؛ وهو أنّه لا ينبغي أن تكون هناك خلافات مُعلنة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. (ذكر أوباما اسم أديلسون لأنني ذكرتُ رأيه (أديلسون) عنه في بداية الحوار – انتقد أديلسون بشكل مُعلن أوباما وقال إنّه سيدمر الدولة اليهودية)“.

بدأت الحوار بسؤال أوباما ما إذا كانت الولايات المتحدة تخسر المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية؛ على الرغم من تأكيده السابق بأنّ التنظيم في موقف دفاعي. وأثناء حديثنا، سقطت مدينة الرمادي العراقية، في محافظة الأنبار، في أيدي داعش. وفي اليوم التالي من المقابلة، استولى التنظيم على مدينة تدمر في سوريا.

قال أوباما: “لا، أنا لا أعتقد أننا نخسر“. وأوضح: “ليس هناك شك في وجود انتكاسة تكتيكية، على الرغم من أنّ الرمادي كانت عُرضة للخطر لفترة طويلة؛ لأن هذه ليست قوات الأمن العراقية التي قمنا بتدريبها ودعمها … لم يتم تدريب قوات الأمن العراقية، والتحصينات، ونظم القيادة والسيطرة بالسرعة الكافية في الأنبار، في المناطق السُنية من البلاد“. عندما سألتُ عن الدور المستمر الذي تلعبه العراق في السياسة الأمريكية -كنت أشير إلى هستيريا جيب بوش الأخيرة المتعلقة بالعراق- حوّل أوباما السؤال للقول بأنّ الجمهوريين ما زالوا لا يفهمون الدروس الرئيسة بشأن غزو العراق الذي قرره شقيق جيب بوش منذ 12 عامًا.

وقال: “أعرف أن هناك بعض الجمهوريين يقولون بأنني بالغت في المطالبة بالتعلم من أخطاء العراق، وأنّه بسبب أن غزو العراق في عام 2003 لم يحدث بشكل جيد لا يجب القول بالعودة إلى هناك مرة أخرى. ثمة درس واحد أعتقد أنّه من المهم أن نستخلصه مما حدث، وهو أنه إذا كان العراقيون أنفسهم ليسوا على استعداد أو ليس لديهم القدرة للوصول إلى التسويات السياسية اللازمة للحُكم، وإذا كانوا ليسوا على استعداد للقتال من أجل أمن بلدهم؛ فنحن لا نستطيع أن نفعل ذلك عوضًا عنهم“.

انتقلت إلى الحديث عن إيران وذكرت له شيئًا قاله في مقابلة عام 2012 (نفس المقابلة التي استبعد فيها، لأول مرة، فكرة احتواء إيران النووية، بدلًا من منعها من تجاوز العتبة النووية).

وهذا ما قاله لي قبل ثلاث سنوات: “من المؤكد أنّ لاعبين آخرين في المنطقة سوف يشعرون أنّه من الضروري الحصول على أسلحة نووية خاصة بهم” في حال حصلت إيران على أسلحة نووية. وبعد ذلك لاحظت تقارير مختلفة تشير إلى أنّ المملكة العربية السعودية، وربما تركيا ومصر وكذلك، يفكّرون في بدء برامجهم النووية في رد فعل على الاتفاق النهائي الذي يسمح لإيران بالإبقاء على جزء كبير من منشآتها النووية. وهذا، بطبيعة الحال، يتعارض تمامًا مع أهداف أوباما لمنع الانتشار النووي.

سألتُ أوباما إذا كان السعوديون قد وعدوه بعدم السير في الطريق النووي: “ما هي العواقب إذا امتلكت دول أخرى في المنطقة 5 آلاف جهاز طرد مركزي؟ سيكون هناك 5 آلاف جهاز للطرد المركزي“.

أجاب أوباما من خلال التقليل من هذه التقارير الإعلامية، ثم قال: “لم يكن هناك أي إشارة من السعوديين أو أي دولة أخرى في مجلس التعاون الخليجي أن لديهم نية لامتلاك برنامج نووي خاص بهم. جزء من السبب في أنها لن تسعى لذلك -على افتراض نجاحنا في منع إيران من مواصلة السير للحصول على الأسلحة النووية- هو أن الحماية التي نقدمها كشريك رسمي تشكّل رادعًا أكبر بكثير مما يأملون في تحقيقه من خلال تطوير المخزون النووي الخاص بهم أو محاولة الحصول على قدرات متقدمة عندما يتعلق الأمر بالأسلحة النووية“.

وأضاف أنّ دول الخليج ومنها المملكة العربية السعودية، تبدو مقتنعة بأنه إذا نجح الاتفاق كما هو معلن، فإنه سيعمل على منع إيران من أن تصبح تهديدًا نوويًا. وقال: “إنّهم يدركون أنّ أمنهم ودفاعهم أفضل بكثير من خلال العمل معنا“.

أحد الأسباب التي تقلقني بشأن صفقة إيران، هو أنّ إدارة أوباما تبدو، في بعض الأحيان، مفرطة في التفاؤل حول الطرق التي ستستخدم بها إيران الأموال التي ستحصل عليها عند تخفيف العقوبات. وهذا الخوف شائع بين العرب، وبطبيعة الحال، بين الإسرائيليين. اقتبست عن جاك ليو، وزير الخزانة، الذي قال في خطابه الأخير أمام معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إنّه “لن يتم استخدام معظم هذه الأموال التي تحصل عليها إيران من تخفيف العقوبات لدعم” أنشطتها في دعم الإرهاب. وقلتُ لأوباما إنّ هذا يبدو وكأنه تمنٍ بأن يحدث ذلك.

أجاب أوباما بالتفصيل، لكنه بدأ بهذه الطريقة: “لا أعتقد أن جاك أو أي شخص في الإدارة قال بأنّ أي مبلغ من المال سيذهب إلى الجيش نتيجة لتخفيف العقوبات. والسؤال هو: إذا كانت إيران تمتلك 150 مليار دولار خارج البلاد، فهل يحصل الحرس الثوري تلقائيًا على 150 مليار دولار؟ هل يشير مبلغ 150 مليار دولار، من حيث الحجم، إلى قدرتهم على استعراض قوتهم في جميع أنحاء المنطقة؟ وهذا هو ما نطعن في صحته؛ لأنّه من الناحية الحسابية، سيضطرون إلى تنفيذ التزاماتهم بموجب أي اتفاق، وهذا سيستغرق فترة معينة من الوقت؛ ثم هناك آليات تفكيك القيود المفروضة عليهم للحصول على هذه الأموال، والتي تستغرق فترة زمنية معينة أيضًا؛ ولذلك، قام الرئيس الإيراني روحاني، بسلسلة من الالتزامات لتحسين الاقتصاد الإيراني، والتوقعات كبيرة للغاية؛ فأنت رأيت رد فعل الناس في شوارع طهران بعد التوقيع على الاتفاق. فهم لديهم توقعاتهم بأن الاقتصاد سوف يتحسن إلى حد كبير“. وجادل أوباما أيضًا بأن معظم الأنشطة الشائنة لإيران في سوريا، واليمن، ولبنان، هي أنشطة منخفضة التكلفة نسبيًا، وأنّ إيران تتبنى هذه السياسات بغض النظر عن العقوبات.

كما أثرت مسألة أخرى لم يناقشها الرئيس بشكل كامل. كنت أعتقد أنه من الصعب التفاوض مع الأحزاب الأسيرة للنظرة التآمرية المعادية للسامية، ليس لأنهم يحملون وجهات نظر هجومية؛ ولكن لأنها وجهات نظر مثيرة للسخرية. كما أوضح والتر راسيل ميد وغيره، أنّ معاداة السامية تجد صعوبة في فهم جريان العالم، ولا تستوعب أسلوب السبب والتأثير في السياسة والاقتصاد. على الرغم من أنني أود أن أرى اتفاقًأ نوويًا قويًا، لكني لا أعتقد أن النظام الذي يتفاوض معه أوباما يمكن الاعتماد عليه في أن يكون عقلانيًا.

رد أوباما على هذه النظرية بقوله ما يلي: “حسنًا، حقيقة أنك معادٍ للسامية، أو عنصري، لا تمنعك من أن تكون مهتمًا بالبقاء على قيد الحياة، ولا تمنعك من أن تكون عقلانيًا بشأن الحاجة للحفاظ على قوة اقتصادك، ولا تمنعك من اتخاذ قرارات استراتيجية حول كيفية البقاء في السُلطة. وحقيقة أنّ المرشد الأعلى لإيران معادٍ للسامية لا تعني أن هذا يتجاوز كل اعتباراته الأخرى. فأنت إذا نظرت إلى تاريخ معاداة السامية، يا جيف، ستجد أنّ هناك مجموعة كبيرة من القادة الأوروبيين، والسلالات الأصيلة معادون للسامية في هذا البلد“.

تدخلتُ في الحوار من خلال الإشارة إلى أنّ القادة الأوروبيين المعادين للسامية اتخذوا قرارات غير عقلانية، وكان رد أوباما: “ربما اتخذوا قرارات غير عقلانية فيما يتعلق بالتمييز، وبمحاولة استخدام الخطاب المعادي للسامية باعتباره أداة تنظيمية. وعلى الهامش، حيث كانت التكاليف منخفضة، ربما تبنوا سياسات تقوم على الكراهية بدلًا من المصلحة الذاتية. ولكن التكاليف هنا ليست منخفضة، وما كنا واضحين بشأنه تجاه النظام الإيراني على مدى السنوات الست الماضية هو أننا سنواصل زيادة التكاليف، ليس بسبب معاداتهم للسامية؛ ولكن نظرًا لطموحاتهم التوسعية. وهذا هو الهدف من العقوبات. وهذا هو الهدف من الخيار العسكري الذي أوضحته؛ ولذا، فإنني أعتقد أنّه الأمر لا يبدو متناقضًا عندما أقول إنّ هناك سلالات عميقة معادية للسامية في النظام الأساسي، ولكنهم يرغبون في الحفاظ على سُلطتهم، وامتلاك بعض مظاهر الشرعية داخل بلدهم، الأمر الذي يتطلب خروجهم من الخندق الاقتصادي العميق الذي وضعناهم فيه، وعلى هذا الأساس فهم على استعداد لإبرام أي اتفاق بشأن برنامجهم النووي“.

وفيما يتعلق بإسرائيل، أيّد أوباما، بتعبيرات مثيرة، الأساس المنطقي لوجود دولة يهودية، وخلق صلة مباشرة بين المعركة من أجل المساواة بين الأمريكان من أصول إفريقية وبين الكفاح من أجل المساواة القومية اليهودية. وقال: “هناك خط مباشر بين دعم حق الشعب اليهودي في أن يكون له وطن وأن يشعر بالأمان وعدم التمييز والاضطهاد، وبين حق الأمريكان الأفارقة في التصويت والحماية المتساوية بموجب القانون. وفي رأيي، هذه الأمور غير قابلة للتجزئة“.

في مناقشة عودة ظهور معاداة السامية في أوروبا، قال إنّه كان واضحًا في إدانته لما أصبح مجازًا شائعًا؛ بأنّ معاداة الصهيونية، وهي الاعتقاد بأن اليهود يجب ألا تكون لهم دولة خاصة بهم على الأقل في جزء من وطن الأجداد، ليست لها علاقة بالعداء ضد اليهود. وذكر لي معاييره الخاصة للحُكم على ما إذا كان الشخص ينتقد سياسات إسرائيلية معينة أو يضمر في نفسه مشاعر عدائية.

“هل تعتقد أن إسرائيل لديها الحق في الوجود كوطن للشعب اليهودي، وأنت على علم بالظروف الخاصة من التاريخ اليهودي التي قد تدفع تلك الحاجة والرغبة؟” هكذا قال، مُحددًا الأسئلة الذي يعتقد أنّها يجب أن تُطرح عليه. “إذا كان الجواب لا، وإذا كان رأيك هو بطريقة أو بأخرى أن هذا التاريخ لا يهم؛ إذن هذه هي المشكلة، في رأيي. ومن ناحية أخرى، إذا كنت تعترف بوجود فعّال لمعاداة السامية في الوقت الحالي، وإذا كنت تعترف بأن هناك أشخاصًا ودولًا، إذا أُتيحت لهم الفرصة، سيهاجمون الشعب اليهودي بسبب أيديولوجية مشوّهة، إذا كنت تعترف بتلك الأشياء؛ إذن، عليك أن تكون قادرًا على محاذاة نفسك مع إسرائيل وأمنها معرض للخطر، ويجب أن تكون قادرًا على محاذاة نفسك مع إسرائيل عندما يتعلق الأمر بالتأكد من أنها لا تتبنى سياسة الكيل بمكيالين في المحافل الدولية، وعندما يتعلق الأمر بالتأكد من أنّها ليست معزولة عن العالم“.

على الرغم من أنه حاول تأطير صراعه مع نتنياهو بتعبيرات غير شخصية؛ إلّا أنّه أوضح أمرين؛ الأول، هو أنّه لن يكف عن انتقاد إسرائيل ما دام يعتقد أنها لم ترتقِ إلى قيمها الأساسية. والثاني -هذا تفسيري لوجهة نظره-، هو أنّه يرى إسرائيل في مستوى أعلى مما يرى البلدان الأخرى بسبب احترامه للقيم والتعاليم اليهودية، والدور الذي لعبه المعلمون اليهود في حياته. وبعد مساواته لقيام دولة إسرائيل مع حركة الحقوق المدنية الأمريكية، قال: “ما هو صحيح أيضًا، نتيجة لذلك؛ هو أنني يجب أن أُظهر نفس النوع من الاهتمام بالشعوب الأخرى. وأعتقد أنه من الصحيح وفقًا لتقاليد إسرائيل وقيّمها ومبادئها التأسيسية أن تهتم بالأطفال الفلسطينيين. عندما كنت في القدس، حصلت على تصفيق حار عندما تحدثت عن هؤلاء الأطفال في رام الله، وقلتُ للشعب الإسرائيلي إنّه يجب الاهتمام بهؤلاء الأطفال وفقًا لتعاليم اليهودية، وتقاليد إسرائيل. ووافقوني الرأي؛ لذلك، إذا لم يُترجم هذا إلى سياسات عملية -وإذا لم نكن على استعداد لتحمل مخاطر تلك القيم-؛ إذن تصبح تلك المبادئ مجرد كلمات جوفاء، وفي رأيي، من الصعب بالنسبة لنا مواصلة تعزيز تلك القيم عندما يتعلق الأمر بحماية إسرائيل دوليًا“.

وأنا أصغي إليه يتحدث عن إسرائيل وقيمها (لم نناقش الجدل المُثار في الآونة الأخيرة حول خطة وزارة الدفاع الإسرائيلية لفصل بعض خطوط الحافلات في الضفة الغربية، رغم أنّ قضايا مثل هذه تثري الحوار)، شعرت كما لو كنت قد شاركت في مناقشات مثل هذه عشرات المرات، ولكن مع حاخامات اليهود. لقد أجريت 50 حوارًا مختلفًا مع 50 من الحاخامات على مدى العامين الماضيين، منهم الحاخام كنيس بلدي، وجيل ستينلوف الذي يستضيف أوباما يوم الجمعة، حول التحديات التي يواجهونها في الحديث عن الواقع الإسرائيلي الحالي.

كثير من الحاخامات الإصلاحيين والمحافظين (وبعض الحاخامات الأرثوذكس كذلك) يجدون أنفسهم قلقين بشأن كيفية تقديم الواقع الإسرائيلي المعقد وغير المستساغ في بعض الأحيان إلى المصلين. يبدو أوباما، عندما يتحدث عن إسرائيل، وكأنه واحد من هؤلاء الحاخامات:

“أملي هو أنه بمرور الوقت ستعود النقاشات إلى مسارها الصحيح؛ حيث هناك بعض مظاهر الأمل وليس الخوف، لأنه يبدو لي أنّ كل ما نتحدث عنه أساسه الخوف. وعلى المدى القصير، قد يبدو ذلك من الحكمة، لكنّه قد يؤدي بإسرائيل إلى السير في طريق من الصعب حماية نفسها كديمقراطية ذات أغلبية يهودية. كما أنني أهتم للغاية بالحفاظ على الديمقراطية اليهودية؛ لأنه عندما أفكر كيف عرفتُ إسرائيل، أجد أن ذلك كان من خلال صور مجتمع كيوبتس، وموشيه دايان، وجولدا مائير، والشعور بأننا لا نقيم فقط وطنًا قوميًا آمنًا لليهود، ولكن أيضًا نعيد تشكيل العالم. نحن نصلح هذا الوضع، وسوف نفعل ذلك بالطريقة الصحيحة، وسنتأكد من تطبيق الدروس التي تعلمناها من المصاعب والاضطهادات على كيفية الحُكم وكيفية تعاملنا مع الآخرين. وذلك يعود إلى الأسئلة المتعلقة بالقيم التي تحدثنا عنها في وقت سابق؛ تلك هي القيم التي ساعدت على تعزيز معتقداتي السياسية“.

أرسلتُ هذه التعليقات يوم الأربعاء للحاخام سنينلوف لمعرفة ما إذا كان لا يتفق مع اعتقادي بأن أوباما، عندما يتحدث عن إسرائيل، يبدو مثل الحاخامات في التقليد الصهيوني التقدمي. وأرسل لي سنينلوف: “يشاركنا الرئيس أوباما نفس الحنين إلى السلام والأمن في إسرائيل. وعلى الرغم من أنّه لا يتكلم كيهودي؛ إلّا أنّ قيمه التقدمية تتدفق مباشرة من الرسائل الأساسية في التوراة؛ ولذلك فهي تمس قلب وروح الشعب اليهودي“.

أتصوّر أن تعليقات ستينلوف قد يفهمها أشخاص سُذج مثل شيلدون أديلسون وبنيامين نتنياهو. ولكن، هذا هو حال جزء كبير من المجتمع اليهودي اليوم: تعصب تجاه إيران، تعصب تجاه استجابة أوباما لإيران، تعصب تجاه استجابة نتنياهو للواقع، تعصب بشأن الزواج السام بين أوباما ونتنياهو، وتعصب، مرة أخرى، لأنّه ليس هناك احتمال في هذا العالم لأن يخطئ اليهود.

وفيما يلي نص حواري مع الرئيس أوباما، بما في ذلك التفاصيل المثيرة للجدل. قمت بتعديل بعض أسئلتي الكبيرة من أجل الوضوح والإيجاز. وترد إجابات الرئيس بالكامل.

الحديث عن الشرق الأوسط.. الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وسوريا

لقد جادلتَ بأن تنظيم “الدولة الإسلامية” كان في موقف دفاعي. لكن الرمادي سقطت بالفعل. نحن في الواقع نخسر هذه الحرب، أم إنك لن تصل إلى هذا الحد؟

لا، أنا لا أعتقد أننا نخسر. لقد تحدثت مع قادة القيادة المركزية الأمريكية والجنود على أرض المعركة. بلا شك كانت هناك انتكاسة تكتيكية، على الرغم من أن الرمادي كانت عرضة للخطر لفترة طويلة، لأن هذه ليست قوات الأمن العراقية التي قمنا بتدريبها ودعمها. لقد كانت هناك لمدة عام دون تعزيزات كافية، وعدد قوات تنظيم داعش التي وصلت إلى المدينة الآن صغير نسبيًا مقارنة بما حدث في الموصل. ولكنه يدل على أن تدريب قوات الأمن العراقية، والتحصينات، ونظم القيادة والسيطرة ليست بالسرعة الكافية في الأنبار، وفي المناطق السُنية من البلاد. في الواقع، رأيت تقدمًا كبيرًا في الشمال، والمناطق التي تشارك فيها البيشمركة [القوات الكردية]. يتم توحيد بغداد الآن. وفي تلك المناطق ذات الأغلبية الشيعية، لا ترى فيها أي تقدم لقوات داعش التي تتراجع بشكل ملموس في جميع أنحاء البلاد.

يجب أن تقلق بشأن القوات العراقية..

سأتطرق إلى هذا الأمر يا جيف. سألتني سؤالًا، وليس هناك شك في أنّه في المناطق السُنية، نحن في طريقنا لتكثيف ليس فقط التدريب، ولكن أيضًا الالتزام، ومن الأفضل أن ننشط دور العشائر السُنية بشكل أكثر مما عليه في الوقت الحالي؛ لذلك، فالقوات العراقية مصدر قلق. نحن قضينا ثمانية أشهر فيما كنا نتوقع أنّها حملة لعدة سنوات، وأعتقد أن رئيس الوزراء، العبادي، يُقر بالعديد من هذه المشاكل، ولكن يجب معالجتها.

مازلنا في العراق. هناك محادثة مثيرة للاهتمام تدور في أوساط الجمهوريين في الوقت الراهن، مناقشة السؤال الذي أجبتَ عنه قبل 13 عامًا، حول ما إذا كان من الصواب أو الخطأ الذهاب إلى العراق. ما حقيقة هذه المناقشة؟ وأتساءل أيضًا إذا كنت تعتقد أن هذه المناقشة خاطئة بالمعنى التالي: أنت لا تقع تحت أي ضغط -صحح لي إذا كنت مُخطئًا- ولكنك لست تحت أي ضغط محليًا للمشاركة بشكل أكثر عمقًا في الشرق الاوسط. يبدو أنّ هذا إحدى نتائج غزو العراق قبل 12 عامًا.

كما قلتَ، أنا واضح جدًا فيما يتعلق بالدروس المستفادة من العراق. وأعتقد أنّ قرار الذهاب إلى العراق كان خاطئًا في المقام الأول، رغم الجهود التي لا تصدق التي قام بها رجالنا ونساؤنا في الجيش. وعلى الرغم من هذا الخطأ، سمحت تلك التضحيات للعراقيين باستعادة بلدهم. ولكن رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، أهدر تلك الفرصة، إلى جانب عدم الرغبة في التواصل بفعالية مع السكّان السُنة والأكراد.

ولكن اليوم، لا يتعلق السؤال بما إذا كنا نُرسل وحدات من القوات البرية الأمريكية، لكنّ السؤال هو: كيف نجد شريكًا فعّالًا لحُكم تلك الأجزاء من العراق إلى جانب هزيمة داعش، ليس فقط في العراق ولكن في سوريا أيضًا؟

من المهم أن تكون لدينا فكرة واضحة عن الماضي؛ لأننا لا نريد تكرار الأخطاء. أعلم أن هناك بعض الجمهوريين الذين قالوا بأنني أبالغ في التعلم من خطأ العراق، وأنّ القرار الخاطئ بغزو العراق في عام 2003 لا يعني عدم العودة إلى هناك مرة أخرى. أعتقد أنّ هناك درسًا واحدًا نستخلصه مما حدث؛ وهو أنّه إذا كان العراقيون أنفسهم ليس لديهم القدرة للوصول إلى التسويات السياسية اللازمة للحُكم، وإذا لم يكونوا على استعداد للقتال من أجل أمن بلدهم؛ فنحن لا يمكن أن نفعل ذلك عوضًا عنهم. يمكننا أن نكون حلفاء مؤثرين. وأعتقد أن رئيس الوزراء العبادي صادق وملتزم بشأن إقامة دولة عراقية شاملة، وسأواصل إصدار الأوامر لجيشنا لتزويد القوات الأمنية العراقية بكل المساعدة التي يحتاجون إليها من أجل حماية بلادهم، وسوف أقدم المساعدة الدبلوماسية والاقتصادية اللازمة لهم لتحقيق الاستقرار.

ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك عوضًا عنهم؛ ولذلك كان أحد العيوب المركزية لقرار الحرب في عام 2003، هو الشعور بأنّه إذا ذهبنا وأطحنا بالديكتاتور العراقي، أو ببساطة ذهبنا وطهرنا العراق من الأشرار، فإنّ السلام والرخاء سوف ينتشر تلقائيًا، وهذا الدرس يجب أن نكون تعلمناه منذ زمن طويل؛ ولذا، فإن السؤال المهم للمضي قُدمًا هو: كيف نجد شركاء مؤثرين يمكننا العمل معهم، ليس فقط في العراق، ولكن في سوريا، وفي اليمن، وفي ليبيا، وكيف يمكننا إنشاء تحالف دولي وخلق جو مناسب يسمح للأشخاص من الفصائل الطائفية المختلفة بتقديم بعض التنازلات والعمل معًا من أجل توفير فرصة للجيل القادم للقتال من أجل مستقبل أفضل؟

الاتفاق النووي مع إيران

اسمح لي أن أطرح سؤالين أو ثلاثة عن إيران، ومن ثم سننتقل إلى إسرائيل واليهود. وكل الموضوعات المثيرة. بالمناسبة، أنت قادم إلى المعبد اليهودي الذي أرتاده لإلقاء خطبة يوم الجمعة.

في عام 2012، قلت لي عندما كنا نتحدث عن إيران، إنّه “من المؤكد أن لاعبين آخرين في المنطقة سوف يشعرون أنّه من الضروري امتلاك أسلحة نووية مثل إيران”. نحن الآن في هذا الوضع الغريب، وهناك حديث عن أن المملكة العربية السعودية، وربما تركيا، وربما مصر، لديهم رغبة في بناء منشآت نووية عقب الانتهاء من هذه الصفقة لمضاهاة البنية التحتية المتبقية بعد الاتفاق مع إيران. سؤالي هو: هل طلبتَ من السعوديين عدم السير في الطريق النووي؟ ماذا أخبروك حول هذا الموضوع؟ وما هي العواقب إذا امتلكت دول أخرى في المنطقة 5 آلاف جهاز طرد مركزي؟

هناك حديث في وسائل الإعلام، لم تذكر مصدره.

حسنًا، الأمير تركي قال ذلك علنًا..

حسنًا، إنّه ليس عضوًا في الحكومة. لم تكن هناك أي إشارة من السعوديين أو أي دولة أخرى من دول مجلس التعاون الخليجي بأن لديهم نية لامتلاك برنامج نووي. جزء من السبب في ذلك -على افتراض نجاحنا في منع إيران من مواصلة السير في طريق الحصول على الأسلحة النووية- هو أن الحماية التي نقدمها باعتبارنا شريكًا رسميًا تشكّل رادعًا أكبر بكثير مما يمكنهم تحقيقه من خلال تطوير المخزون النووي الخاص بهم أو محاولة تحقيق قدرات متقدمة عندما يتعلق الأمر بالأسلحة النووية، وهم يدركون ذلك جيدًا.

أعتقد أنّ ما رأيناه في قمة مجلس التعاون الخليجي كان مخاوف مشروعة، ليس فقط من البرنامج النووي الإيراني ولكن أيضًا من نتائج تخفيف العقوبات. لقد مشينا في المسارات الأربعة التي سيتم غلقها في أي اتفاق سأوقع عليه. من الناحية الفنية، أظهرنا لهم كيف سيتم إنجاز الصفقة، وما هي آليات التحقق من التزامات إيران، وكيف يمكن أن تنجح شروط الأمم المتحدة بإعادة فرض العقوبات. وكانوا مقتنعين أنّه إذا كان الاتفاق يعني المعايير التي وضعناها مسبقًا، ومنع إيران من الحصول على سلاح نووي، فهم يدركون جيدًا أنّ أمنهم ودفاعهم أفضل حالًا من خلال العمل معنا. كما أنّ سعيهم السري لامتلاك برنامج نووي من شأنه إضعاف علاقتهم بالولايات المتحدة.

مازلنا مع إيران. أنا فقط أريد منك أن تساعدني في فهم شيء معين. أنتَ قلتَ، ببلاغة تامة، إنّ النظام الإيراني في أعلى مستوياته مصاب بنوع من النظرة المعادية للسامية. وتحدثتَ عن ذلك مع توماس فريدمان. “معاداة السامية السامة” أعتقد أن هذا هو المصطلح الذي استخدمته. وقلت إنّ الأشخاص الذين يتشاركون في النظرة المعادية للسامية، الذين يفسرون العالم من خلال منظور أيديولوجي معادٍ للسامية، هم أشخاص ليسوا عقلانيين، ولا يفهمون الواقع الذي أفهمه أنا وأنت. ولكن قلتَ أيضًا إنّ النظام في طهران، الذي وصفته بأنّه معادٍ للسامية، من بين المشاكل الأخرى التي يعانون منها، هو نظامٌ عملي، ويستجيب للدوافع، ويُظهر علامات العقلانية؛ لذلك، أنا لا أفهم كيف تتوافق هذه الأشياء معًا في عقلك.

حسنًا. حقيقة أنك معادٍ للسامية، أو عنصري، لا تمنعك من أن تكون مهتمًا بالبقاء على قيد الحياة، ولا تمنعك من أن تكون عقلانيًا بشأن الحاجة للحفاظ على قوة اقتصادك، ولا تمنعك من اتخاذ قرارات استراتيجية حول كيفية البقاء في السُلطة. وحقيقة أنّ المرشد الأعلى لإيران معادِ للسامية؛ لا تعني أن هذا يتجاوز كل اعتباراته الأخرى. وإذا نظرت إلى تاريخ معاداة السامية، يا جيف، ستجد أنّ هناك مجموعة كبيرة من القادة الأوروبيين، والسلالات الأصيلة معادون للسامية في هذا البلد”.

ويتخذون قرارات غير عقلانية

يتخذون قرارات غير عقلانية فيما يتعلق بالتمييز، وبمحاولة استخدام الخطاب المعادي للسامية باعتباره أداة تنظيمية. وعلى الهامش، حيث كانت التكاليف منخفضة، ربما تبنوا سياسات تقوم على الكراهية بدلًا من المصلحة الذاتية. ولكن التكاليف هنا ليست منخفضة، وما كنا واضحين بشأنه تجاه النظام الإيراني على مدى السنوات الست الماضية هو أننا سنواصل زيادة التكاليف، ليس بسبب معاداتهم للسامية؛ ولكن نظرًا لطموحاتهم التوسعية. وهذا هو الهدف من العقوبات.

وهذا هو الهدف من الخيار العسكري الذي أوضحته؛ ولذا، فإنني أعتقد أنّ الأمر لا يبدو متناقضًا عندما أقول إنّ هناك سلالات عميقة معادية للسامية في النظام الأساسي، ولكنهم يرغبون في الحفاظ على سُلطتهم، وامتلاك بعض مظاهر الشرعية داخل بلدهم، الأمر الذي يتطلب خروجهم من الخندق الاقتصادي العميق الذي وضعناهم فيه، وعلى هذا الأساس فهم على استعداد لإبرام أي اتفاق بشأن برنامجهم النووي.

أحد الأمور التي تقلقني حيال ذلك الأمر -أقتبس عن جاك ليو، وزير الخزانة، الذي تحدث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى عن مختلف أنشطة إيران الشائنة، وقال: “معظم الأموال التي ستحصل عليها إيران من تخفيف العقوبات لن تُستخدم لدعم تلك الأنشطة”. بالنسبة لي يبدو هذا وكأنه أمنية- أن فيلق الحرس الثوري الإيراني يريد الحصول على الأموال، وربما يشهد حزب الله إلى جانب جماعات أخرى، تدفق بعض من هذه المليارات. أنا لا أفترض شيئًا في الاتجاه الآخر، ولكني لا أعرف مصدر ثقتك هذه.

 لا أعتقد أن جاك أو أي شخص في الإدارة قال بأنّ أي مبلغ من المال سيذهب إلى الجيش نتيجة لتخفيف العقوبات. والسؤال هو: إذا كانت إيران تمتلك 150 مليار دولار خارج البلاد، فهل يحصل الحرس الثوري تلقائيًا على 150 مليار دولار؟ هل يشير مبلغ 150 مليار دولار، من حيث الحجم، إلى قدرتهم على استعراض قوتهم في جميع أنحاء المنطقة؟ وهذا هو ما نطعن في صحته؛ لأنّه من الناحية الحسابية، سيضطرون إلى تنفيذ التزاماتهم بموجب أي اتفاق، وهذا سيستغرق فترة معينة من الوقت؛ ثم هناك آليات تفكيك القيود المفروضة عليهم للحصول على هذه الأموال، والتي تستغرق فترة زمنية معينة أيضًا؛ ولذلك، قام الرئيس الإيراني روحاني، بسلسلة من الالتزامات لتحسين الاقتصاد الإيراني، والتوقعات كبيرة للغاية؛ فأنت رأيت رد فعل الناس في شوارع طهران بعد التوقيع على الاتفاق. فهم لديهم توقعاتهم بأن الاقتصاد سوف يتحسن إلى حد كبير. وهناك أيضًا النخب الإيرانية المستعدة لبدء التحرك والخروج من تحت القيود المفروضة عليهم.

وما هو صحيح أيضًا، أن الحرس الثوري الإيراني في الوقت الحالي، وتحديدًا بسبب العقوبات، قادر على استغلال القيود لاحتكار ما يأتي داخل وخارج البلاد، ويحصل مصادر الدخل الخاصة به، والتي ربما تقل نتيجة تخفيف العقوبات؛ لذلك، فأنا لا أعتقد أن هذا علم، إنّها مسألة طرأت مع دول مجلس التعاون الخليجي أثناء القمة. الهدف الذي أوضحناه لهم ببساطة، هو: إنها ليست صيغة رياضية يحصل بموجبها القادة الإيرانيون على كمية معينة من تخفيف العقوبات ثم يحدثوا المزيد من المشاكل في الدول المجاورة. ما يجعل من هذا أهمية خاصة، في المناقشة مع دول مجلس التعاون الخليجي، هو أننا أشرنا إلى أن أكبر مخاوفهم تجاه إيران، والأنشطة المزعزعة للاستقرار التي يقوم بها الحرس الثوري وفيلق القدس، هي في الواقع أنشطة ذات تكلفة منخفضة؛ فهي ليست تهديدًا للمنطقة بسبب مكوناتها الصلبة. لكن، الصواريخ البالستية هي مصدر قلق حقيقي، وامتلاك إيران لبرنامج صاروخي؛ لذا، علينا أن نفكر في أنظمة الدفاع الصاروخي، وكيفية تكاملها وتنسيقها. ولكن، المشاكل الخطيرة التي نواجهها هي الأسلحة التي تذهب إلى حزب الله، أو إرسالهم وكلاء في اليمن، أو غيرها من التهديدات غير المتماثلة ذات التكنولوجيا المنخفضة التي يقومون بها ببراعة فائقة على الرغم من العقوبات. وسوف يستمرون في القيام بها ما لم نعمل على تطوير قدرة أكبر لمنعهم من القيام بتلك الأنشطة، التي كانت جزءًا من مناقشتنا فيما يتعلق بالضمانات الأمنية مع دول مجلس التعاون الخليجي.

إذا نظرت إلى الوضع في اليمن، ستجد أنّ جزءًا من المشكلة هو الضعف المزمن والمتوطن في هذه الدولة، وعدم الاستقرار الذي تسعى إيران لاستغلاله. إذا كانت دول مجلس التعاون الخليجي أكثر قدرة على الاعتراض البحري، والاستخبارات الفعّالة، وقطع مصادر التمويل، وفعّالية العمل والتدريب مع القوات الحليفة في مكان مثل اليمن، بحيث لا يمكن للحوثيين التقدم في صنعاء، إذا حدثت كل تلك الأشياء؛ فإن حصول إيران على بعض الدولارات الإضافية من تخفيف العقوبات لن تستطيع من خلاله تجاوز تلك التطورات والقدرات، وهذا ما يجب أن نركّز عليه. ونفس الأمر ينطبق على حزب الله الذي يمتلك مجموعة من المقاتلين الأقوياء. إذا كان لدى إيران بعض المصادر الإضافية، فربما تصبح أقل توترًا في محاولة تمويل حزب الله، ولكن الأمر ليس كما لو أنّها ستقوم بتدريب ونشر قوات بحجم 10 أضعاف عدد مقاتلي حزب الله الموجودين حاليًا في سوريا. هذا شيء لا يمكن أن تقوم به إيران. السبب في فعّالية حزب الله، هو أنّه قد حصل على مجموعة أساسية من الأفراد الذين تطوروا على مدى السنوات العشرين الماضية.

هل يمكن شراء المزيد من الصواريخ ووضعها في جنوب لبنان.

 حسنًا، المشكلة فيما يتعلق بإرسال صواريخ إلى جنوب لبنان هي ليس ما إذا كانت إيران تمتلك ما يكفي من الأموال للقيام بذلك. لقد أظهرت التزامًا في فعل ذلك حتى أثناء ركودها الاقتصادي. المسألة هناك هي: هل نحن قادرون على اعتراض تلك الشحنات بشكل أكثر فعّالية مما نفعل الآن؟ وهذا هو الشيء الذي يجب أن نستمر في التعاون بشأنه مع إسرائيل ودول أخرى لوقفه.

علاقة أوباما مع إسرائيل والشعب اليهودي

اسمح لي أن انتقل إلى هذه الأسئلة المتعلقة بإسرائيل وعلاقتك بالجالية اليهودية في أمريكا. منذ عدة سنوات مضت، اعتقدت أنك أول رئيس يهودي للولايات المتحدة، على أساس عمق لقاءاتك مع اليهود، وعدد المرشدين اليهود لديك، ومنهم أبنير ميكفا، ونيوتن مينوا، وغيرهما، والمعلمون وأساتذة القانون، والباحثون الاجتماعيون، والأدباء والمفكرون اليهود، وبالطبع قاعدتك السياسية في شيكاغو. ومن الواضح أن هناك بعض اليهود في أمريكا يعارضون ما أقول، مثل شيلدون أديلسون وآخرون.

وهنا أقتبس مقولة أديلسون بوصفها عنصرًا أساسيًا في الطريقة التي يفهمك بها المعارضون اليهود: “جميع الخطوات التي اتخذها -يعني أوباما- ضد إسرائيل من المحتمل أن تؤدي إلى تدميرها”.

لدي آرائي الخاصة حول سبب وجود هذا التشعب في المجتمع اليهودي الأمريكي، ولقد ناقشنا هذا في مقابلات سابقة، ولكن ما الذي يحدث؟ هل هذا نتاج القلق تجاه إيران، وتجاه النمو الهائل لمعاداة السامية في أوروبا؟ أو هل هناك شيء آخر؟

اسمح لي بعدم شخصنة الأمور. أولًا وقبل كل شيء، ليس هناك تشعب فيما يتعلق بموقف المجتمع اليهودي الأمريكي تجاهي. أحصل دائمًا على تأييد الأغلبية الساحقة من المجتمع اليهودي، وحتى بعد كل هذه الدعاية عن الخلافات الأخيرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإنّ الغالبية العظمى من المجتمع اليهودي الأمريكي ما زالت تدعمني بقوة.

كانت النسبة 70% في الانتخابات الماضية.

70٪ نسبة جيد جدًا. أعتقد أن هناك الكثير من التيارات المتقاطعة التي تجري في الوقت الحالي. ليس هناك شك في أن البيئة في جميع أنحاء العالم مضطربة بالنسبة لكثير من العائلات اليهودية.

وأنتَ ذكرتَ بعض تلك الاتجاهات. هناك الشرق الأوسط الذي أصبح منطقة مضطربة وفوضوية، وفيه تظهر حماس وزخم المتطرفين. وهناك أوروبا، حيث ظهرت معاداة السامية بشكل صريح وخطير في الوقت نفسه؛ ولذا، فإنّ جزءًا من قلق المجتمع اليهودي هو أنّ جزءًا من جيل المحرقة تمت إزالته، ويبدو أن الخطاب المعادي للسامية والخطاب المعادي لإسرائيل في تصاعد مستمر، وهذا من شأنه أن يجعل الناس يشعرون بالخوف.

وأعتقد أيضًا أنّه كانت هناك جهود مكثفة من جانب بعض القوى السياسية لمساواة كونهم من أنصار إسرائيل؛ وبالتالي دعمهم للشعب اليهودي، مع الموافقة على مجموعة معينة من السياسات التي تخرج من الحكومة الإسرائيلية؛ لذلك، إذا كنت تشكك في سياسة الاستيطان، فهذا يدل على أنك مُعادٍ لإسرائيل، أو يشير إلى أنك مُعادٍ لليهود. وإذا كنت تعبّر عن تعاطفك تجاه الشباب الفلسطيني، الذين يواجهون نقاط التفتيش والقيود المفروضة على قدرتهم على السفر، فأنت متهم بعدم دعمكم لإسرائيل. وإذا كنت على استعداد للدخول في صراعات علنية مع الحكومة الإسرائيلية؛ إذن، فأنت متهم بمعاداة إسرائيل؛ وبالتالي معاداة اليهود. وأنا أرفض ذلك تمامًا.

هل هذه خدعة من شخص ما؟

حسنًا. لن أنسب لهم دافع القيام بذلك. أعتقد أن بعض هؤلاء الأشخاص قد يعتقدون بصدق أنّ الدولة اليهودية محاصرة على الدوام، وأنها في منطقة سيئة للغاية، سواء كنت معها أو ضدها، وهذا كل شيء؛ بل ربما يؤمنون بذلك. ردي عليهم، لأنني أهتم للغاية بدولة إسرائيل، هو أنني أجد نفسي مُضطرًا إلى التحدث بصراحة وصدق حول ما أعتقد أنه سوف يؤدي إلى فترة طويلة الأجل من الأمن، وما سيضعنا في موقف أفضل لمواصلة مكافحة معاداة السامية، ولا أقدم اعتذارًا عن ذلك على وجه التحديد؛ لأنني أشعر بالأمان والثقة حول مدى عمق اهتمامي بإسرائيل والشعب اليهودي.

قلتُ في مقابلة سابقة، إنني: أعتقد أنه سيكون فشلًا أخلاقيًا بالنسبة لي كرئيس للولايات المتحدة، وفشلًا أخلاقيًا لأمريكا، وفشلًا أخلاقيًا للعالم بأسره، إذا لم نتمكن من حماية إسرائيل والدفاع عن حقها في الوجود؛ لأن ذلك من شأنه أن ينفي ليس فقط تاريخ القرن العشرين، ولكن تاريخ الألفية الماضية. إنّه يخالف ما تعلمناه، ما تعلمته الإنسانية في الألفية الماضية، وهو أنّه عندما تُظهر التعصب وعندما تضطهد الأقليات وتصفهم بالآخر، فأنت تدمر شيئًا في نفسك، ويعيش العالم في حالة من الفوضى.

وهكذا، بالنسبة لي، كوني من أنصار إسرائيل واليهود هو جزء لا يتجزأ مع القيم التي كنت أقاتل من أجلها منذ كنت واعيًا سياسيًا وانخرطت في مجال السياسة. هناك خط مباشر بين دعم حق الشعب اليهودي في أن يكون له وطن وأن يشعروا بالأمان وعدم التمييز والاضطهاد، وبين حق الأمريكان الأفارقة في التصويت والحصول على حماية متساوية بموجب القانون. هذه الأمور غير قابلة للتجزئة في ذهني. ولكن ما هو صحيح أيضًا، نتيجة لذلك، هو أنّه يجب عليّ إظهار نفس الاهتمام بالشعوب الأخرى. وأعتقد أنه من الصحيح وفقًا لتقاليد إسرائيل وقيمها ومبادئها التأسيسية أن تهتم بالأطفال الفلسطينيين. عندما كنت في القدس، حصلت على تصفيق حار عندما تحدثت عن هؤلاء الأطفال في رام الله، وقلتُ للشعب الإسرائيلي إنّه يجب الاهتمام بهؤلاء الأطفال وفقًا لتعاليم اليهودية، وتقاليد إسرائيل. ووافقوني الرأي؛ لذلك، إذا لم يُترجم هذا إلى سياسات عملية -وإذا لم نكن على استعداد لتحمل مخاطر تلك القيم-؛ إذن، تصبح تلك المبادئ مجرد كلمات جوفاء، وفي رأيي، من الصعب بالنسبة لنا مواصلة تعزيز تلك القيم عندما يتعلق الأمر بحماية إسرائيل دوليًا.

أنت لا تُعرف كسياسي عاطفي، ولكن كانت هناك فترة بدت فيها العلاقة بينك وبين رئيس الوزراء، وبالتالي العلاقة بين الحكومة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، مفعمة بالعواطف. وهناك انتقادات عامة تخرج من الإدارة تستهدف إسرائيل أكثر من أي حليف آخر.

نعم، ولكني لا أتفق تمامًا مع هذا التقييم، وأنا أعلم أنك كتبتَ ذلك. وأنا أعترض عليه. أعني، حقيقة الأمر هي أن هناك ظروفًا خاصة كانت بيننا خلافات سياسية لا ينبغي أن نخفيها؛ بسبب طبيعة الصداقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وكيف يجري التعامل بين الحكومتين، وكيف يمكننا مواجهة هذه القضايا.

والآن، أود أن أذكر شيئين في البداية. في كل تصريح علني لي، قلتُ إنّ العلاقات الأمنية هي حجر الأساس بين البلدين، فهي علاقات مقدسة. ولم يتأثر التعاون العسكري والاستخباراتي بيننا. لقد حافظت على هذه العلاقات، وأعتقد أنني يمكن أن أوضح بأنه لم يُجبر أي رئيس أمريكي للتأكيد على أننا نساعد إسرائيل في حماية نفسها، وحتى بعض منتقديّ في إسرائيل اعترفوا بذلك. وقلتُ إنّه لا يجب أن يؤثر أيّ من ذلك على العلاقات الاستراتيجية الأساسية القائمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، أو العلاقات العميقة بين الشعبين التي تتجاوز أي رئيس أو رئيس وزراء معين، وسوف تستمر للأبد.

ما قلته هو إنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء خوضه لهذه الانتخابات، قال إنّه لن تتم إقامة دولة فلسطينية تحت سمعه وبصره، أو عندما كانت هناك مناقشة بدا فيها أنّ المواطنين الإسرائيليين من العرب تم تصويرهم بطريقة أو بأخرى باعتبارهم قوة غازية تدلي بأصواتها، وأنه ينبغي التصدي لهذا الأمر؛ فإنّ هذا مخالف للغة إعلان استقلال إسرائيل، التي تنص صراحة على أن جميع الناس بغض النظر عن العرق أو الدين هم شركاء في الديمقراطية. وعندما يحدث شيء من هذا القبيل، تكون له عواقب وخيمة علينا تتعلق بالسياسة الخارجية؛ خاصة لأننا على مقربة من إسرائيل، لنقف هناك ونقول إنّ ذلك لا يعني أنّ هذا المكتب البيضاوي فقد مصداقيته عندما يتعلق الأمر بالتحدث صراحةً عن هذه القضايا.

وعندما تطرقت للحديث عن دفاع إسرائيل دوليًا، عندما انتشرت معاداة السامية على نطاق واسع، وعندما كانت هناك سياسة معادية لإسرائيل لا تستند على تفاصيل القضية الفلسطينية ولكن على العداء، كان عليّ التأكد من أنني أتمتع بمصداقية تامة عند التحدث علنًا حول هذه الأشياء، وهذا يتطلب مني أن أكون صادقًا مع الأصدقاء حول كيفية عرض هذه القضايا. وهذا يجعل الشعب الإسرائيلي والأمريكي لا يشعر بالارتياح.

لكن، هناك جدل كثيرًا ما يُشعرني بالقلق، وازداد على مدى السنوات العشر الماضية … إنّه جدلٌ أقل علانية من الذي أثاره شيلدون أديلسون، ولكن في بعض الأحيان يمكن أن يكون مُدمرًا؛ وهو أنّه لا ينبغي أن تكون هناك خلافات مُعلنة بين الولايات المتحدة وإسرائيل؛ لذلك، فالكثير من الانتقادات التي ازدادت خلال هذه الفترة، ومنها انتقاداتك يا جيف، لا تعني أنك لا تتفق معي حول هذا التقييم، ولكن من الخطير وغير المناسب بالنسبة لي أن نُعبّر عن هذه الخلافات.

لم أُحدث هذه الانتقادات؛ بل قضيت نصف حياتي في نشرها.

هذا إنصاف منك. ولكنك تفهم ما أقوله يا جيف. أنا أدرك لماذا لا يشعر المجتمع اليهودي الأمريكي بالراحة. وأتلقى رسائل من أشخاص يقولون: “اسمع، يا سيادة الرئيس، أنا أؤيدك بقوة. وأتفق معك في هذه المسألة، ولكن يجب ألا تقول هذه الأشياء علنًا“.

والآن حقيقة الأمر، هي أن ما ذكرناه كان مجرد أشياء بسيطة، وستتضاعف بعد ذلك -لقد كان يُنشر مقال يومي عن هذه الخلافات، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنّه عندما تدخل في جدالات مع الأصدقاء تكون ذات أهمية إخبارية أكثر من الجدالات مع الأعداء. إنّها نفس المشكلة التي أواجهها الآن مع الصفقات التجارية في البرلمان. حقيقة أنني أتفق مع إليزابيث وارن في 90% من القضايا ليس خبرًا يستحق النشر. ولكن، إذا اختلفنا حول شيء واحد يتصدر ذلك عناوين الصحف الإخبارية. ولكن وجهة نظري، يا جيف، هي أننا في منعطف داخل منطقة تحاول التظاهر بأنّ مثل هذه الأسئلة السياسية الصعبة ليست مثيرة للجدل، وأنّه لا بد من تسويتها، وأعتقد أن هذه هي المشكلة الحقيقية. أحد الأشياء العظيمة عن إسرائيل، أن مثل هذه النقاشات تحدث في إسرائيل كل يوم.

إنه بلد 61/59 في الوقت الراهن.

إذا كنت تجلس في أحد المقاهي في تل أبيب أو القدس، سوف تسمع نقاشات أكثر إثارة للجدل، وهذا أمر صحي. وهذا هو سبب حب الأمريكان لإسرائيل، وحبي لإسرائيل؛ لأنها دولة ديمقراطية حقيقية حيث يمكنك التعبير عن رأيك. ولكن أعتقد أنّ الشيء الأكثر أهمية، الذي يمكننا القيام به على تعزيز موقف إسرائيل هو وصف واضح لسبب اعتقادي بأن حل الدولتين هو خطة أمنية مناسبة لإسرائيل على المدى الطويل، والاهتمام بالمخاوف الأمنية الإسرائيلية بشأن حل الدولتين، وأنا أحاول العمل بمنهجية في حل تلك القضايا؛ وأن أقول أيضًا لأي رئيس وزراء إسرائيلي إنّ هذا الأمر سيتطلب بعض المخاطر من أجل تحقيق السلام؛ لذلك، فالسؤال الذي يجب أن تسأله لنفسك، هو: كيف تزن تلك المخاطر مقابل مخاطر عدم القيام بأي شيء وتكريس الوضع القائم؟ أنا أجادل بأن مخاطر عدم القيام بأي شيء أكبر بكثير، ولكن من المهم للشعب الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية أن تتخذ قرارات خاصة حول ما تحتاجه لتأمين الشعب الإسرائيلي.

لكن، أملي هو أنه بمرور الوقت سيعود هذا النقاش مرة أخرى إلى المسار الصحيح؛ حيث يكون هناك بعض من مظاهر الأمل وليس الخوف؛ لأنني أشعر كما لو أنّ كل ما نتحدث عنه هو أساس من الخوف. وعلى المدى القصير قد يبدو هذا من الحكمة، ولكنه قد يؤدي بإسرائيل إلى طريق من الصعب حماية نفسها فيه.

كدولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية.

كدولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية؛ ولذلك، أهتم للغاية بالحفاظ على هذه الديمقراطية اليهودية؛ لأنه عندما أفكر في كيفية معرفتي لإسرائيل، أجد أنني أعتمد على صور…

 لقد تحدثنا عن هذا في البداية. مجتمع الكيبوتس…

مجتمع كيوبتس، وموشيه دايان، وجولدا مائير، والشعور بأننا لا نقيم فقط وطنًا قوميًا آمنًا لليهود، ولكن أيضًا نعيد تشكيل العالم. نحن نصلح هذا الوضع، وسوف نفعل ذلك بالطريقة الصحيحة، وسنتأكد من تطبيق الدروس التي تعلمناها من المصاعب والاضطهادات على كيفية الحُكم وكيفية تعاملنا مع الآخرين. وذلك يعود إلى الأسئلة المتعلقة بالقيم التي تحدثنا عنها في وقت سابق؛ تلك هي القيم التي ساعدت على تعزيز معتقداتي السياسية.

من المثير للاهتمام أنني عندما تحدثت مع بعض قادة المنظمات اليهودية قبل بضعة أشهر، قلتُ لهم إنني لدي توقعات كبيرة بشأن إسرائيل، وهي توقعات حقيقية، وليست مجرد توقعات سخيفة؛ إنها ليست توقعات بأن إسرائيل لن تخاطر بأمنها من أجل السعي لتحقيق بعض المفاهيم المثالية.

غولدبرغ: ولكن أنت تريد أن تجسّد إسرائيل القيم اليهودية.

أريد أن تجسّد إسرائيل اليهودية، بنفس الطريقة التي أريد أن تجسّد الولايات المتحدة المسيحية. ما أؤمن به هو القيم الإنسانية والعالمية التي أدت إلى تقدم يرجع تاريخه إلى ألف عام. نفس القيم التي أدت إلى نهاية جيم كرو والقضاء على العبودية، ونفس القيم التي أدت إلى تحرير نيلسون مانديلا وإلى ظهور ديمقراطية متعددة الأعراق في جنوب إفريقيا، ونفس القيم التي أدت إلى سقوط جدار برلين، ونفس القيم التي تحرك نقاشنا حول حقوق الإنسان وقلقنا من أن الناس على الجانب الآخر من العالم قد يتعرضون للتعذيب أو السجن بسبب التعبير عن آرائهم. ونفس القيم التي تدفعنا إلى التحدث علنًا ضد معاداة السامية. أريد أن تجسّد إسرائيل هذه القيم؛ لأن إسرائيل حليفتنا في هذا الكفاح من أجل ما أعتقد أنه الحق. وهذا لا يعني عدم وجود خيارات أو تنازلات. ولا يعني أننا لا يجب أن نسأل أنفسنا أسئلة صعبة حول كيفية حماية أنفسنا، وهذا يعني أننا قد نمتلك بعض الخيارات والقرارات الصعبة التي لا نتخذها في حالة السلام.

تلك القرارات التي يجب أن أتخذها في كل مرة أقوم فيها بنشر القوات الأمريكية. تلك هي الخيارات التي نتخذها فيما يتعلق بالطائرات بدون طيار، وفيما يتعلق بوكالاتنا الاستخبارية. وعندما تحدثت إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على سبيل المثال، حول إمكانية التوصل إلى خطة السلام، أرسلت كبار المسؤولين العسكريين لمواجهة كل حالات الطوارئ بشكل منهجي، وكل المخاوف التي تعاني منها إسرائيل بشأن الحفاظ على الأمن في اتفاق الدولتين، وماذا يعني ذلك بالنسبة لوادي الأردن والضفة الغربية، وكنت أول من اعترف بأنّه لا يمكن أن تخاطر بوصول الإرهابيين إلى مشارف القدس ومن ثم تعريض السّكان للخطر؛ لذا، فهذه ليست قضية تتعلق بالسذاجة أو عدم الواقعية، ولكن في النهاية أعتقد أن هناك بعض القيم التي تجسّدها الولايات المتحدة، وهي في أفضل حالاتها. كما أعتقد أن هناك قيمًا معينة تجسّدها إسرائيل والتقاليد اليهودية. وأنا على استعداد للقتال من أجل تلك القيم.

 بشأن هذا السؤال، وهو سؤال الحرم الجامعي الأمريكي، والأوروبي أيضًا: حكومة هولاند في فرنسا، مانويل فالس، رئيس الوزراء، وديفيد كاميرون رئيس الوزراء في المملكة المتحدة … كنا نتحدث عن الخط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية. وأنا أعلم أنك تحدثت حول هذا الموضوع مع المنظمات اليهودية، ومع بعض أصدقائك اليهود – كيف تحدد أوجه الاختلاف والتشابه بين هذين المفهومين؟

 أعتقد أن الأساس هو: هل تعتقد أن إسرائيل لديها الحق في الوجود كوطن للشعب اليهودي، وهل أنت على علم بالظروف الخاصة في التاريخ اليهودي التي قد تدفع تلك الحاجة والرغبة؟ إذا كان الجواب لا، إذا كنت ترى بطريقة أو بأخرى أن التاريخ ليست له أي أهمية؛ إذن فهذه مشكلة حقيقية، في رأيي. ومن ناحية أخرى، إذا كنت تعترف بوجود فعّال لمعاداة السامية في الوقت الحالي، وإذا كنت تعترف بأن هناك أشخاصًا ودولًا، إذا أُتيحت لهم الفرصة، سيهاجمون الشعب اليهودي بسبب أيديولوجية مشوّهة، إذا كنت تعترف بتلك الأشياء؛ إذن، عليك أن تكون قادرًا على محاذاة نفسك مع إسرائيل وأمنها معرض للخطر، ويجب أن تكون قادرًا على محاذاة نفسك مع إسرائيل عندما يتعلق الأمر بالتأكد من أنها لا تتبنى سياسة الكيل بمكيالين في المحافل الدولية، وعندما يتعلق الأمر بالتأكد من أنّها ليست معزولة عن العالم.

ولكن، يجب أن نكون قادرين على القول لإسرائيل: نحن نختلف معكِ في هذه السياسة، نحن نختلف معك في قضية المستوطنات. ونعتقد أن نقاط التفتيش هي المشكلة الحقيقية. نحن نختلف معك على القانون القومي اليهودي الذي من المحتمل أن يقوّض حقوق المواطنين العرب. وبالنسبة لي، فهذا يتفق تمامًا مع كوني من أنصار دولة إسرائيل والشعب اليهودي. وبالنسبة لأي شخص في إسرائيل، بما في ذلك رئيس الوزراء، أن نختلف مع تلك المواقف السياسية، فهذا أمر جيد أيضًا.

ويمكننا أن نجري العديد من النقاشات والحوارات. ولكن، لا يمكنك مساواة البشر ذوي الإرادة الصالحة الذين يشعرون بالقلق حول تلك القضايا بشخص معادٍ لإسرائيل. وأعتقد أن معظم اليهود الأمريكان، ومعظم اليهود في جميع أنحاء العالم، ومعظم اليهود في إسرائيل يعترفون بنفس هذه الأشياء. وهذا هو السبب في أنني لا أزال أحظى بتأييد واسع النطاق بين اليهود الأمريكان؛ ليس لأنهم يكرهون إسرائيل، وليس لأنهم غير قلقين إزاء امتلاك إيران لسلاح نووي أو مما يقوم به حزب الله في لبنان؛ لكن، لأنهم يعترفون، بعد أن نظروا في تاريخي ورأوا الأعمال التي قامت بها إدارتي، بأنني أدعم إسرائيل، ولكن، هناك بعض القيم التي أشاركها معهم قد تكون على المحك إذا لم نتمكن من التوصل إلى مسار أفضل للمضي قُدمًا من الطريق المسدود في الوقت الحالي.

أتلانتك – التقرير