مع حلول الذكرى العاشرة للأزمة المالية، والتي يؤرخ لها من لحظة انهيار بنك ليمان براذرز العملاق، أكبر حالة إفلاس في تاريخ العالم الاقتصادي، يشعر كثير من المراقبين بوجود بعض التشابه بين الظروف الحالية، خاصة للاقتصاد الأميركي، وبين أجواء ما قبل الأزمة المالية في 2008، الأمر الذي بدأ في إثارة المخاوف من نشوب أزمة مالية عالمية جديدة، خاصة مع عدم التيقّن من قدرة السلطات التنظيمية على التعامل معها في التوقيت المناسب.
وخلال الأيام القليلة الماضية، حاول الكثير من الخبراء، ممن عانوا ويلات الأزمة المالية وكانوا من الأطراف الفاعلة فيها، طمأنة المستثمرين والمواطنين.
وفي مقال مطول، نُشر قبل أيام في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، وشارك في كتابته بن برنانكه، محافظ مجلس الاحتياط الفيدرالي ” البنك المركزي الأميركي” وقت الأزمة، وهنري بولسون، وزير الخزانة الأميركي وقت الأزمة، وتيموني جايثنر، الذي تولى وزارة الخزانة في العام التالي للأزمة، ويعتبره الكثيرون ممن ساهموا بصورة فاعلة في حلها ووضع الاقتصاد الأميركي على طريق النجاة.
اعتبر المسؤولون الثلاثة أن الاقتصاد الأميركي “مستعد لاستقبال الأزمة التالية”، بعد أن ساهمت القواعد المالية المنظمة التي تم استحداثها بعد الأزمة في جعل النظام المالي أكثر مرونة، وهو ما اعتبروه مقللاً من احتمال حدوث أزمات.
وأكد المقال أن “البنوك والمؤسسات المالية الكبرى أصبحت أقوى مالياً، بعد أن تم سد الثغرات المالية التي كانت موجودة في التشريعات المنظمة”.
لكن المقال لم يقتصر على تأكيد جاهزية النظام المالي الأميركي واستعداده للتعامل مع الأزمات، وإنما امتد ليوضح قلق كاتبيه من “التساهل في عناصر الدفاع التي تم تكوينها بعد الأزمة مع مرور الوقت، وهو ما سيؤدي إلى ظهور المخاطر في نواحي النظام المالي الأقل تقيداً بالقانون”.
وأكد كاتبو المقال أنه “حتى لو كانت احتمالات حدوث أزمات مالية في الوقت الحالي ضعيفة، فمن المؤكد أن واحدة ستحدث في نهاية المطاف”.
وفي النهاية، دعا ثلاثتهم إلى ضرورة “مقاومة نداءات تخفيف القيود التي زادت مع بدء نسيان ذكريات الأزمة”، في إشارة إلى توجه الإدارة الأميركية الحالية إلى إلغاء بعض القوانين التي تم إقرارها عقب الأزمة.
أما أندرو روس سوركين، مؤلف الكتاب الشهير “أكبر من أن يفشل” too big to fail ، والذي طُبع لأول مرة بعد مرور عام تقريباً على بدء الأزمة المالية، فقد حذّر، في مقابلة تليفزيونية مع محطة “إم إس إن بي سي” من “المديونية” المتزايدة على أكثر من صعيد.
ورغم أنه اعتبر- كسابقيه- أن وضع النظام المصرفي حالياً هو أفضل كثيراً مما كان عليه قبل الأزمة، إلا أنه أوضح، في المقابلة التي جرت نهاية الأسبوع الماضي، أن أكثر ما يؤثر في المؤسسات المالية هو مديونياتها.
وأشار سوركين إلى أن حجم المديونيات في الوقت الحالي غير مسبوق، “لا على مستوى البنوك فحسب، وإنما على مستوى الشركات والمقاطعات والمدن والحكومات والدول”.
وقال إن “الأزمات لا تحدث بسبب المديونية فقط، ولكن بسبب ثقة الطرف المُقرض في قدرة المدين على الوفاء بالدين” إلى أن تحدث الأزمة.
ورداً على تساؤل حول الأزمة القادمة، أشار سوركين إلى النزاعات التجارية الحالية، وأهمها ما يجري بين الولايات المتحدة والصين.
وقال “لو فكرت في علاقتنا التجارية مع الصين، وحجم القروض التي نحصل عليها منهم (في إشارة إلى ما بحوزة الصين من سندات الخزانة الأميركية)، يمكنك معرفة أين ستكون الأزمة التالية”.
بدوره، توقع نورييل روبيني، أستاذ الاقتصاد في كلية سترن للأعمال بجامعة نيويورك، حدوث الأزمة القادمة بحلول عام 2020، حين يتباطأ نمو الاقتصاد الأميركي إلى ما دون معدل 2%، مع تزايد النزاعات التجارية وتحوّلها إلى حروب تجارية شاملة، في الوقت الذي تكون فيه أسعار الأصول مبالغا فيها وتشتد الأزمة السياسية الداخلية في الولايات المتحدة.
وقال روبيني، الذي ذاع صيته في عام 2008 بعد أن توقع حدوث الأزمة المالية العالمية، في مقال كتبه في جريدة فايننشال تايمز يوم الثلاثاء الماضي، إن “المناوشات التجارية الحالية هي مجرد أعراض لخصومة أكثر عمقاً، من أجل تحديد من يقود العالم مستقبلاً في مجال التكنولوجيا، لكن النتيجة ستكون تباطؤ معدلات النمو وزيادة التضخم”.
وأوضح روبيني أنه إذا كانت تلك التطورات ستضر الاقتصاد الأميركي بالأساس، “فإن النمو في أي مكانٍ آخر سيضعف، وسيكون لذلك أسبابه”.
وحسب تقديرات روبيني فإن “الصين ستتأخر في التعامل مع الزيادات الكبيرة في المديونية، بينما ستزداد معاناة الأسواق الناشئة، التي بدأت بالفعل، بارتفاع معدلات الفائدة على الدولار وانخفاض قيم عملاتها مقابله، بالإضافة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، كما ستزداد خسائر اقتصاد أوروبا بحلول عام 2020”.
ويزداد القلق من اتساع نطاق الأزمة، لاسيما أن النزاعات التجارية بدأت تؤثر في العديد من الاقتصادات الناشئة حول العالم، ما دعا بعض البنوك العالمية إلى توجيه نصائح لعملائها بتقليل نسبة الاستثمارات الخارجية في محافظهم، وتخفيف تعرّضهم للمخاطر في الأسواق العالمية، بالإضافة إلى ضرورة التزام موقف “الحياد” فيما يتعلق بتلك المخاطر.
وانخفضت قيم عملات العديد من الدول أمام الدولار في الأسواق الناشئة والمتقدمة على السواء، كما مُنيت العديد من أسواق الأسهم حول العالم بخسائر جسيمة.
ومع إغلاقات يوم الجمعة الماضي، بلغت خسائر سوق الأسهم التركية من أعلى مستوى لها في 2018 أكثر من 50% إذا تم تقييمها بالدولار، والبرازيلية 31% والأرجنتينية 35% والصينية 23% والروسية 21% والمكسيكية 16%. وفي الأسواق الأكثر تقدماً، خسرت السوق الكندية حوالي 6%، واليابانية والألمانية والبريطانية حوالي 10%.
وفي رسالته الأسبوعية الموجهة لعملائه من أصحاب الثروات، نصح مايك ريان، مسؤول الاستثمار للأميركتين في بنك “يو بي إس” السويسري، بانتقال المستثمرين إلى ما وصفه بـ”الحياد”، مشيرا إلى ضرورة موازنة المخاطرة والعائد في كل استثمار، “خاصة في هذا الوقت الذي يصعب فيه التأكد من أي شيء”.
كما حذّر بنك غولدمان ساكس، أحد أهم بنوك الاستثمار في العالم، من تأثير ما يحدث في الأسواق الناشئة على الشركات الأميركية التي تعتمد على مبيعاتها في تلك الأسواق بصورة كبيرة.
وأشار البنك مؤخرا إلى أن الأداء المالي لتلك الشركات، خلال ربع السنة المنتهي في آخر يونيو/حزيران الماضي، كان مخيباً للآمال، بفعل الأزمة المتصاعدة في تركيا وغيرها من الأسواق الناشئة، وأيضاً على أثر المنازعات التجارية الأميركية مع الصين.
وقال ديفيد كوستين، مسؤول استراتيجيات استثمار الأسهم في البنك، إن “23% من الشركات الموجودة ضمن سلة استثمار البنك في الأسواق الناشئة لم تتمكن من تحقيق الأرقام المقدرة من المبيعات”، وهو ما يعني أن بعضها حقق 68% فقط من المقدر بيعه.
وأضاف أنه “على المستوى الكلي، يحاول مديرو محافظ الاستثمار الحد من تأثير المفاوضات التجارية، وتوقيت وحجم التعريفات المفروضة”.
شريف عثمان
العربي الجديد