الآن وقد دخل الصراع في سوريا مراحله الأخيرة، بدأ بعض السوريين، من بين الذين فروا من بلادهم على مدى السنوات السبع الماضية، في العودة بدعوة واضحة من حكومة الأسد، وجاء معظمهم من لبنان المجاور لسوريا. ولكن نظرًا إلى أن الأسد سيفوز على ما يبدو بالحرب في النهاية، يخشى الكثير من السوريين السنّة اليوم، سواء كانوا داخل سوريا أو خارجها، أن تكون حكومة الأسد تحاول إجراء تغييرات سكانية من أجل قلب موازين القوى بين مختلف الجماعات الإثنية في البلاد لتصب في مصلحة الأسد وذلك من خلال منع اللاجئين السنة من العودة إلى المناطق الاستراتيجية التي تسيطر عليها قوات الأسد. فإذا أصبح السُنّة يشكلون أقل من ٥٠ في المئة من السكان، يمكن لأقليات أخرى أن تنشئ أغلبية فعالة قادرة على الوقوف ضد المصالح السورية السنية. وبالفعل، إذا نجح الأسد في إقامة سوريا لا يشكّل السُنّة فيها أغلبية السكان بعد الآن، فقد يكون قادرًا على ممارسة المزيد من الضغوطات على مجموعة كان بينها وبين الأقليات السورية توترات، ويلومها مؤيدو الأسد اليوم على اندلاع الحرب.
ويُعدّ القانون رقم ١٠ من التدابير المهمة التي تشكل تهديدًا لأي سوري غير موالٍ للأسد بشكل صريح، إذ ينص على تغيير التركيبة السكانية في سوريا تحت طابع شرعي. فيسمح القانون الجديد الذي تم وضعه في نيسان/أبريل ٢٠١٨ للحكومة بتحديد المناطق التي سيتم تخصيصها في البلاد لإعادة الإعمار. وبحسب القانون، ما إن تختار الحكومة منطقةً من أجل إعادة إعمارها، سيتعين على السلطات المحلية الحصول على قائمة بأصحاب الأملاك من السلطات العقارية العامة لهذه المنطقة، وذلك ضمن مهلة أسبوع، على أن يكون أمامها مهلة ٤٥ يومًا فقط لتقديم هذه القائمة.
كما ينص القانون رقم ١٠ على أنه إذا لم يرِد اسم مالك العقار في الوثائق الرسمية، فلديه مهلة سنة واحدة لإثبات ملكيته بعد تلقيه إخطار بأن ممتلكاته تقع في منطقة مخصصة لـ”إعادة الإعمار”. وإذا عجز المالك عن تقديم الإثباتات، لن يتم تعويضه عن الخسارة وسيتم نقل الملكية إلى المقاطعة أو البلدة أو المدينة التي يقع فيها العقار. أمّا من ينجح في إثبات ملكيته، فإمّا يتلقى أسهم أراضٍ من المنطقة المخصصة لإعادة الإعمار، أو يبيع أسهمه، أو ينشئ شركة للاستثمار في منطقة إعادة الإعمار وتطويرها.
أمّا بالنسبة إلى الكثيرين الذين ما زالوا لاجئين خارج سوريا، بالإضافة إلى الأشخاص المشردين داخليًا – ومعظمهم من الطائفة السُنّية – فتقديم إثبات بالملكية على بعد أميال من وطنهم أمر مستحيل. كما أنّ احتمال أن يصلهم إخطار بأن ممتلكاتهم تقع ضمن ما تسمّيه الحكومة منطقة “إعادة الإعمار” ضئيل جدًا. ومن غير الواقعي توقّع أن يتم التسجيل ضمن المهلة المحددة لجزء كبير من سوريا: فأكثر من نصف إجمالي الممتلكات الخاصة داخل سوريا إمّا غير مسجلة أو تفتقر إلى وثائق الملكية، التي دُمّرت أو فُقدت بسبب الحرب. فالوقائع حول الملكية العقارية ما بعد الحرب تدل على إمكانية أن يهجّر القانون بشكل دائم أولئك الذين اضطروا على الفرار من البلاد ذات مرة.
ونتيجةً لذلك، أثار الغموض في صياغة القانون تكهنات بأنّ هذه المبادرة الحكومية تعمل للسيطرة على مساحات شاسعة من الأملاك الشخصية، ما يسمح لها بأن تصبح صاحب القرار النهائي للمكان الذي سيقيم فيه كل مواطن في أعقاب الحرب في سوريا. كما يخشى الكثير من السوريين عزم الحكومة إعادة توزيع ممتلكات مواطنيها السنّة على أنصار الأسد والوكالات الشيعية غير السورية، وتوفير المساكن للقوات الشيعية وعائلاتهم، وبالتالي جعل وجودهم في البلاد دائمًا.
وقد بدأت التقارير المتعلقة بالطريقة التي سيعمل بها القانون رقم ١٠ على أرض الواقع في الظهور، ومن بينها تقرير من مصادر المعارضة يخلص إلى أن الحكومة ترفض السماح لسكان مناطق المعارضة السابقة بالإقامة في المناطق التي أُعيد بناؤها حديثًا في دمشق. وقد أعيد بناء هذه المناطق تحت رعاية القانون رقم ٦٦ الصادر عام ٢٠١٢ والذي أرسى أساس القانون رقم ١٠. وتطرح التقارير الواردة من دمشق، التي تشمل المضايقات النظامية ومطالب الرشوة من جانب السلطات، مسألة ما إذا كان هذا التمييز سيحدث في سائر أنحاء سوريا، لا سيما في النصف الكامل من البلاد الذي كان يعمل خارج سيطرة حكومة الأسد خلال الحرب.
وقد أعرب السكان المحليون عن عجزهم أمام اتساع نطاق القانون رقم ١٠، إذ لا يملكون أي وسيلة لدحضه. لكن تجدر الإشارة إلى أنّ بلدان أخرى قد اعترضت على هذا القانون. وفي هذا الصدد، تحاول تركيا وألمانيا التأثير على قرار الحكومة السورية وحماية المدنيين من مصادرة أراضيهم وممتلكاتهم من خلال تقديم شكوى رسمية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد هذا القانون. كما أن ٤٠ دولة تدعم هذا الإجراء، ومن بينها دول عربية وأخرى أوروبية واليابان وأستراليا والولايات المتحدة.
ووسط الضغوطات من جانب المدنيين والمجتمع الدولي، تحاول الحكومة السورية التأكيد على أن القانون هو عملية إعادة إعمار بسيطة وليس خطة للسيطرة على ممتلكات المواطنين وعقارات أخرى. كما تسلّط الضوء بصورة خاصة على جهودها الرامية إلى تسهيل الإجراءات المتعلقة بعودة النازحين واللاجئين وتضع تسهيلها لعودة اللاجئين من لبنان كمثال، على الرغم من أنه حتى الآن لا يشكّل اللاجئون الذين عادوا فعليًا سوى جزء صغير من أولئك الذين يقيمون حاليًا في لبنان والبالغ عددهم أكثر من مليون لاجئ.
علاوةً على ذلك، مدّدت الحكومة السورية في حزيران/يونيو الفترة التي يُطلب فيها من المدنيين تقديم إثبات ملكيتهم من ٣٠ يومًا إلى عام واحد. كما قامت بتمديد قائمة الوثائق التي يمكن تقديمها إلى الحكومة كدليل على الملكية، وباتت تسمح الآن لأفراد العائلة بتقديم الوثائق المناسبة في حال عجز المالك عن تقديمها بنفسه. فقد أُجريت كل هذه التعديلات في محاولة واضحة للإثبات للشعب السوري (والمجتمع الدولي) أن لا نية للحكومة بالاستيلاء على عقارات شعبها.
إلا أنّ تصرفات الدولة على الأرض تروي قصةً مختلفة. فعلى الرغم من محاولات الحكومة الدفاع عن شرعية أعمالها من خلال تمرير المراسيم والقوانين، تظل أعمالها على الأرض غير قانونية ووحشية. وتُعدّ قضية صبحي بويضاني البالغ من العمر ٦٠ عامًا مثالًا مأساويًا على سياسة هذه الحكومة. فقد تم ترحيل بويضاني، وهو في الأصل من بلدة دوما، إلى إدلب قسرًا في نيسان/أبريل الماضي أثناء فترة الحصار على الغوطة الشرقية. وبحسب التقارير التي وردت من سوريا في ٩ آب/أغسطس، عاد بويضاني إلى مسقط رأسه بعد تلقيه رسائل مفادها أن الحكومة كانت تعتزم مصادرة منزله وممتلكاته باستخدام القانون رقم ١٠الذي وُضع حديثًا. ولدى وصوله، قُتل بويضاني أثناء استجوابه من قبل المخابرات السورية.
وتُبيّن قضية بويضاني أنه في الوقت الذي تُظهر فيه الحكومة تغييرًا للتشريعات من أجل الامتثال للضغوطات الدولية، لا تزال تجد طريقةً على الأرض لتنفيذ أجندتها الخاصة – سواء مع التشريعات أو بدونها. وعلى الرغم من غطاء الشرعية، لا تزال سوريا بعيدةً كلّ البعد عن الديمقراطية، ولا تزال حكومة الأسد تعتقد أنها فوق القانون.
إبراهيم أبو احمد
معهد واشنطن