بغداد – تتزايد حظوظ السياسي المخضرم عادل عبدالمهدي في الترشح لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وسط غموض بشأن علاقته بإيران، وهل هو مرشحها بشكل مباشر أم مرشح الحدّ الأدنى لتفادي الخلافات البينية بين حلفائها في العراق، فضلا عن ترك هامش للمناورة لدى رئيس الوزراء العراقي الجديد خاصة في العلاقة مع واشنطن.
ويأتي هذا، فيما يستمر غموض الموقف الأميركي بشأن مسار الترتيبات السياسية التي تتسارع وتيرتها في بغداد.
وبالرغم من نجاح المحور السياسي العراقي المدعوم إيرانيا، في تنصيب أحد أعضائه رئيسا للبرلمان، وهو محافظ الأنبار محمد الحلبوسي، وسط توقعات بالمضي في حسم المرشح لمنصب رئيس الوزراء وفق الصيغة نفسها، إلا أن التسريبات تضاربت بشأن حظوظ عبدالمهدي، الذي ورد في السابق أنه يتمتع بدعم إيراني.
لكن الزعيم الشيعي العنيد، مقتدى الصدر، أصر على أن عبدالمهدي هو مرشحه الشخصي، وهو الذي تمسك به في وجه ضغوط إيرانية، تستهدف الدفع بفالح الفياض، وهو مرشح تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، القريب من طهران.
وأبلغت شخصيات سياسية مشاركة في مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة “العرب” بأن “طهران توشك أن تتنازل عن مرشحها الفياض، لصالح عبدالمهدي مرشح الصدر”.
ووفقا لتعبير هذه الشخصيات فإن “عبدالمهدي هو رئيس الوزراء القادم في العراق، ما لم تحدث مفاجآت”.
وتقول هذه الشخصيات إن الصدر مستعد لدعم عبدالمهدي باحتسابه ضمن تحالف “سائرون” الذي يرعاه، بالرغم من أن الأخير لم يشارك في الانتخابات، وابتعد عن المشهدين الحزبي والسياسي، منذ مغادرته منصب وزير النفط في حكومة العبادي، إثر حركة احتجاج واسعة العام 2005 طالبت بالإصلاح.
وصححت هذه الشخصيات أنباء عن تبني إيران دعم عبدالمهدي لمنصب رئيس الوزراء. وقالت إن طهران لا تزال مصرة على الدفع بالفياض إلى هذا المنصب.
وكشفت تسريبات من مدينة النجف العراقية المقدسة لدى الشيعة، أن المرجع الديني الأعلى، آية الله علي السيستاني، لم يبد اعتراضا على ترشيح عبدالمهدي حتى الآن، ما يعزز فرص الأخير.
لكن المصادر تقول إن “صمت السيستاني ربما يعني شيئا آخر غير دعم عبدالمهدي، لذلك فإن فرضية المفاجأة قائمة”. ويعد رأي السيستاني حاسما في اختيار رئيس الوزراء العراقي.
ويأخذ المراقبون على عبدالمهدي رغبته في تجنب المواجهة، إذ سبق أن انسحب من منصبين كبيرين بمجرد إثارة الجدل حولهما من قبل خصومه. لذلك فإن أنصار الصدر يخشون أن ينسحب عبدالمهدي من منصب رئيس الوزراء في حال رفعت إيران سقف ضغوطها على العراق، مع دخولها مرحلة حرجة من ملف عقوبات الولايات المتحدة عليها.
في موازاة ذلك، يحيط الغموض بالموقف الأميركي من التطورات السياسية المتسارعة في العراق، وأبرزها انتخاب رئيس البرلمان، والنقاش الدائر حاليا بشأن المرشح لمنصب رئيس الوزراء.
وتردد أن واشنطن يمكن أن ترى في رئيس البرلمان الجديد محمد الحلبوسي، حليفا مستقبليا في ظل النهج البراغماتي الذي يعتمده في العمل السياسي.
ويتوقع مراقبون أن يكون عبدالمهدي مرشحا مقبولا من الولايات المتحدة، وهو ما يفسر النفي الحاسم، الذي صدر عن هادي العامري المحسوب على إيران، للمعلومات التي أكدت الاقتراب من ترشيح عبدالمهدي.
وزادت خطوة العامري بإعلانه، الثلاثاء، سحب ترشحه لمنصب رئيس الوزراء من اقتراب حسم هذا المنصب قريبا.
لكن المعلومات تؤكد أن الدبلوماسية الأميركية في بغداد لم تتحرك حتى الآن لدعم عبدالمهدي أو الاعتراض عليه.
وفي حال نجحت إيران في إيصال فالح الفياض أو أي شخصية غيره موالية لها إلى منصب رئيس الوزراء في الحكومة العراقية الجديدة، فإن النفوذ الأميركي الهائل في بغداد سيكون في خطر، إذ ستكون طهران قد وضعت يدها على السلطتين التشريعية والتنفيذية في العراق، فيما يبقى منصب رئيس الجمهورية قيد المداولة، وهو شكلي إلى حد بعيد.
وقلل مراقبون من الحديث عن أن عبدالمهدي قد لا يكون مرشح طهران، مشيرين إلى أن الخطة الإيرانية تقوم على الضغط بمرشح متشدد في ولائه لها (الفياض) من أجل القبول بمرشح يبدو كما لو أنه أقل ولاء (عبدالمهدي)، معتبرين أنها لعبة مفضوحة.
وعبدالمهدي، الذي درس في فرنسا ويحمل جنسيتها، عاش حياة سياسية متقلبة انتهت به إلى التسليم لدائرة النفوذ الطائفية من خلال ارتباطه ببيت الحكيم.
وإذا كان عبدالمهدي قد فضل في مرات سابقة ألا يدخل في صدامات مع أطراف شيعية أخرى فلأنه يدرك أن تلك الأطراف يمكن أن تهدد مصالحه بعد أن تم استضعاف عمار الحكيم من قبل أحزاب وميليشيات باتت هي الأقرب إلى الولي الفقيه من سواها بسبب هيمنتها على القرار السياسي في العراق بما يجعلها قادرة على التحكم بثرواته.
وهكذا يكون انتماء عبدالمهدي إلى التيار الشيعي الأضعف سببا معقولا لتواريه طوال الفترة الماضية وهو ما يؤكد قدرته على تفهم ما يجري من حوله من تحولات في مواقع القوى.
وقال مراقب سياسي عراقي في تصريح لـ”العرب” إن كل هذا ليس خافيا على الصدر، وإذا صح أن الصدر هو الذي يقف وراء ترشيح عبدالمهدي لمنصب رئيس الوزراء فإن ذلك يعني تراجعه عن الشروط التي وضعها في وقت سابق وفي مقدمتها النزاهة ونظافة اليد والانحياز الوطني.
ويشير المراقب إلى أن الكثير من شبهات الفساد تحوم حول عبدالمهدي وهناك واقعة سطو شهيرة تعرض لها أحد المصارف في بغداد، كان حراسه الشخصيون متورطين فيها. كما أنه، وبعد أن نفض يده من العقائد القومية واليسارية وانضم إلى جمهرة المتأسلمين، لا يؤمن بمفهوم الوطن ولا بالمواطنة. وهو في ذلك يشبه الكثيرين ممن ارتبطوا بتيارات الإسلام السياسي.
ويشدد المراقب على أنه في كل الأحوال لا يمكن اعتبار عادل عبدالمهدي مرشحا قريبا من السفارة الأميركية في هذا الوقت بالذات. فهناك الكثير من الملفات الخاصة بالعلاقة الإيرانيةــالعراقية يمكن ألا يكون وجود عبدالمهدي عنصرا مساعدا على فتحها. لا لأنه يميل إلى إيران فحسب بل وأيضا لأن ميزان القوى يشير إلى إمكانية استضعافه من قبل القوى التي تميل إلى نصرة إيران في صراعها مع الولايات المتحدة.
ويخلص إلى التأكيد على أن عبدالمهدي ليس هو الرجل القوي الذي يمكن أن تعتمد عليه الولايات المتحدة. أما إذا اتضح أنه قد حظي بدعم أميركي فإن ذلك يعني أن واشنطن تخطط لاعتبار العراق هدفا ثانويا لعقوباتها. وهو ما يمكن أن يزيد المسألة العراقية تعقيدا.
العرب