قرابة أربعين عاما تمر على تأسيس ما يعرف بقوات “الباسيج” الإيرانية، وهي ميليشيا مسلحة موازية للجيش النظامي، وتتمثل مهماتها في التعبئة العقائدية وقمع المظاهرات والحركات المعارضة. ولم يكتف نظام طهران بهذه السياسة القمعية داخل الأراضي الإيرانية بل صدرها إلى بؤر التوتر في البلدان المجاورة واستنسخ منها كما هو الحال مع الحشد العراقي الذي أنشأ ميليشيا موالية لإيران في البصرة.
لندن – أثناء بداية الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي مازالت تشهدها محافظة البصرة منذ يوليو الماضي ردا على تدهور الخدمات وتفشي الفساد، شكل الحشد الشعبي في العراق ما بات يعرف بـ”قوات التعبئة الاحتياطية الطوعية” وهي عبارة عن ميليشيا مسلحة تتولى عملية قمع وتفريق المظاهرات.
وأثار هذا الأمر حالة من القلق والخوف في الشارع العراقي بعد أن تحولت هذه القوات إلى أدوات قمع للبصريين عموما وللشباب المتظاهرين خصوصا، وخاصة بعد سقوط ضحايا مؤخرا إلى جانب الإعلان عن عدد كبير من الاعتقالات في صفوف المتظاهرين بتهمة الاشتباه بمشاركتهم في إحراق القنصلية الإيرانية.
ويرى مراقبون أن تأسيس “قوات التعبئة الاحتياطية” يعتبر نسخة طبق الأصل من جهاز قوات المتطوعين الإيراني والمعروف بـ”الباسيج”، والذي تأسس في عام الثورة بتوصية مباشرة من آية الله الخميني، لقمع وملاحقة المعارضين له، وذلك في نوفمبر 1979، وستحل في العام القادم الذكرى الأربعون لتأسيسه.
وعلى الرغم من تأكيد الحشد الشعبي على الطابع الخدمي والتطوعي لـ”قوات التعبئة” وادعائه بأن هذا التشكيل “جاء على خلفية الأحداث الأخيرة في البصرة وما جرى من استغلال لمطالب المتظاهرين، من قبل المخربين المدعومين من جهات خارجية لزعزعة استقرار البصرة” كما جاء في بيان الإعلان عن التشكيل، والذي أضاف بأن واجب تلك القوات هو “حفظ الأمن وحماية الممتلكات العامة وتقديم العون والخدمات لأهالي مناطقهم في الأحداث”، إلاّ أن متابعين يتحدثون عن انتهاكات كثيرة وبالجملة، ترتكبها هذه القوات، وصلت حد التصفية الجسدية والاعتقال والتغييب في سجون سرية.
ولا يفرق المراقبون بين هذه القوات وبين جهاز الباسيج الإيراني الذي عرّف بنفسه عند تأسيسه بأنه “قوات تعبئة الفقراء والمستضعفين”، في حين أنه آلة لتصدير الثورة الخمينية وحماية لنظام الولي الفقيه.
والمعروف أن الباسيج الإيراني توكل إليه مهمة البطش والتنكيل بالمتظاهرين في المدن الإيرانية، وكان له الدور الأبرز في قمع الثورة الخضراء 2009، واستخدمت عناصره أشد الوسائل وحشية في التنكيل بالمحتجين حتى بالاعتداء على النساء.
وتتبع قوات الباسيج عادة الحرس الثوري الإيراني المعروف محليا بالباسدران، والذي يقع بدوره تحت سلطة المرشد الأعلى، وتضم قوات التعبئة أو الباسيج مجموعات من رجال الدين وتابعيهم. ووفقا للنظام الأساسي لهذه القوات، فإن كل مدينة في إيران تبعا لحجمها وعدد سكانها مُقسمة إلى نطاقات مقاومة، وهي مقسمة بدورها إلى مناطق مقاومة وقواعد مقاومة ومجموعات فرعية.
وتقسم قوات التعبئة في جهاز الباسيج إلى ثلاثة مستويات في عضوية التجنيد فيها: العادية وبالموقع والحرس الشرفي. ووفقا لقانون «لائحة العمل للحرس الثوري» الذي أقره البرلمان الإيراني في 13 أكتوبر عام 1991، فإن أعضاء «الباسيج بالموقع» و«الباسيج الخاص» يتلقون رواتبهم من «الحرس الثوري»، حيث يتلقى أعضاؤه بالموقع أجرا مقابل الوقت الذي يقضونه في مشاريع محددة، أي نحو 400 دولار يوميا، وهو ما يزيد عن الراتب الشهري للمُعلم. أما أعضاء «الباسيج الخاص» فهم موظفون بدوام كامل ويتلقون راتبا شهريا.
ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى “قوات التعبئة الاحتياطية الطوعية” التي أنشأها الحشد العراقي، فهم، وحسب مصادر مطلعة، سوف يحصلون على رواتب وهويات أمنية وأسلحة يحق لهم استخدامها دون الرجوع لأي وزارة، وسوف يتم استمرار نشرهم بين صفوف المحتجين ورصد التحركات، ومن ثم العمل على قمعها والتنكيل بها.
ويعتقد ناشطون من البصريين أنها ستكون نسخة عراقية لـ”الباسيج” وطالب هؤلاء حكومة حيدر العبادي، باعتباره المسؤول الأول عن “هيئة الحشد الشعبي”، بـ”إصدار بيان واضح عن طبيعة هذه القوة التطوعية ونوعية المهام التي ستقوم بها، مطالبينه بالرد على السؤال: لماذا تشكلت في هذا الوقت بالذات”.
ويرى محللون عراقيون في هذه القوات، محاولة لتوسيع رقعة “الحشد” وتحويله إلى تنظيمات داخل المناطق، ومحاولة لعسكرة المجتمع، وأداة هيمنة وتجسس على المواطنين.
وحذر ناشطون عراقيون من أن ميليشيا الحشد الشعبي المدعوم إيرانيا تقود العراق نحو صراع أهلي قائم على انقسامات سياسية واجتماعية ومظالم مزمنة.
وتدين تشكيلات الحشد الشعبي التي أدرجها رئيس الوزراء حيدر العبادي في أجهزة الأمن الرسمية، بالولاء المطلق لإيران، ويعتبر الضابط الإيراني قاسم سليماني القائد الأعلى لهذه الميليشيات.
وسبق أن أظهرت العديد من التقارير قوات الباسيج الإيرانية وهي تقاتل ضمن قوات الحشد الشعبي في مدينة سامراء العراقية، غير أن أهم دور يقوم به الباسيج هو قمع أي حركة وأي احتجاج ضد النظام، فمنذ تأسيسه عام 1979 بأمر من الخميني، قامت تلك القوات بعمليات قمع فظيعة ضد المتظاهرين، كما شاركت في مناورات وعمليات عسكرية.
وظهرت هذه القوات في الصفوف الأمامية لقمع التظاهرات التي نظمتها ما عرفت بالحركة الخضراء العام 2009. وشنت عمليات قمعية باستخدام الهراوات والأسلحة، مع حملات اعتقال بحق ما يزيد على 60 ناشطا إيرانيا.
ويقول معارضون إيرانيون إن دور قوات الباسيج يكمن أساسا في حماية نظام الحكم حال حدوث تحركات، خاصة أن معظم عناصرها ينحدرون من طبقات فقيرة ووسطى يقع تسخيرها، وغالبية عناصرها مدنيون يمكن تعبئتهم عند الحاجة.
ومما يُذكر أن قوات التعبئة اقتحمت الحرم الجامعي في مدن طهران وشيراز وتبريز خلال عامي 2009 و2010، واشتبكت مع متظاهرين في «يوم الطلاب» الموافق لـ8 ديسمبر. وتعرض الطلاب وهم يرددون شعارات «الموت لخامنئي» و«الموت للدكتاتور» إلى هجوم شنته القوات التي كانت تنتشر في أماكن قرب جامعة طهران.
وقامت قوات الباسيج بتعبئة الآلاف من الأعضاء غير المنتسبين إلى الجامعات ودفعتهم في المواجهة، وقامت باعتقال عدد كبير منهم. واعتبر مراقبون سياسيون أن «كتائب عاشوراء» للأعضاء من الذكور و«كتائب الزهراء» للإناث، هما المكونان الأساسيان لقوات «الباسيج»، واللذان تأسسا في الفترة من 1992 إلى 1993 لقمع الاحتجاجات.
ولهذه القوات تجربة ميدانية خلال الحرب العراقية الإيرانية، حيث قامت بالإشراف على تعبئة المواطنين الإيرانيين، ومن بينها صغار السن، في كراديس بشرية، على أن المهدي ينتظرهم عند خطوط النار، والقتيل إلى الجنة فخلال ست سنوات تمكنت من حشد مئة ألف شاب على جبهات القتال، كموجات بشرية بهدف فتح الطريق في حقول الألغام، ومعلوم ما هي الخسائر البشرية في هذه المهمة الكارثية.
بل ورد في جريدة «إيران» العام 2007، عن نجاح الباسيج في حشد مليوني شخص أثناء حرب الثماني سنوات مع العراق، تنوع عملهم بين المشاركة في الحرب وإسعاف الجنود ونقل المؤن إلى الجبهات.
وكما هو الحاصل في احتجاجات البصرة، فإن تجربة الباسيج الإيرانية أخذت تُعمم على الدولة التي لإيران هيمنة فيها، فبعد سوريا أخذت إيران تعد الحشد الشعبي داخل العراق لتشكيل مثل هذه القوات الدائمة.
العرب