ماهي رؤية الحكومة الجديدة لاستشراف مستقبل العراق اقتصادياً ؟!

ماهي رؤية الحكومة الجديدة لاستشراف مستقبل العراق اقتصادياً ؟!

 

شذى خليل*
بالرغم من أن العراق يعد تاسع أغنى بلد في العالم بموارده الطبيعية ، من نفط وغاز طبيعي ومواد معدنية ووفرة المياه وخصوبة الأرض ، إلا أن هذه الثروات غير مستغلة بسبب الفساد المالي والتخبط الإداري والفشل في التخطيط .
إذ يتعدى دور التخطيط الاقتصادي في احتساب معدلات النمو إلى استشراف المستقبل ، أي كيف يمكن ان يكون الوضع الاقتصادي والاجتماعي بعد مرور فترة زمنية معينة ؟ وما هي العوائق التي تقف أمام تحقق هذه الرؤية ؟ وفي ظل ذلك يتم تحديد الأهداف التي يجب أن تسعى الحكومة إلى تنفيذها حتى تتحقق الرؤية وترصد لها الموارد المالية والجهود اللازمة.
ويواجه العراق تحديات اقتصادية كبيرة ، أهمها: الركود الاقتصادي وقلة التمويل ، ما سبب أزمة اقتصادية مفتوحة وتداعيات اقتصادية وسياسية خطيرة ، فشهد عام ألفين وثمانية عشر أزمات وتداعياتها أثرت سلباً وبشكل مباشر على قطاعات الدولة وعلى الشعب ، خصوصا وان الفساد الإداري مسيطر على مفاصل الدولة ، وارتفاع معدلات القروض والديون ، والتي شكلت أزمة جديدة ربما تنعكس على البلاد مستقبلًا ، حيث تفاقمت ديون العراق ولا زالت تتزايد مع مرور الوقت ، فالحكومة لاتضع حلولا حقيقية لتفادي أزمات ستبقى آثارها على مرور الأجيال ، إذ توزعت الديون بين اقتراض ومتأخرات ، وقروض الوزارات وغيرها.
فزادت معدلات الفقر عما كانت عليه من قبل ، والقطاعات الإنتاجية والخدمية في تدهور مستمر حتى أصبحت الزراعة لا تساهم بأكثر من خمسة بالمئة ، والصناعة بأقل من واحد بالمئة في إجمالي الناتج المحلي ، والقطاع الوحيد الذي استطاعت الحكومة تنميته هو قطاع النفط.
إن شركات وزارة الصناعة كانت تسد النسبة الأكبر من حاجة السوق المحلية حتى عام ألفين وثلاثة ، وحاولت الحكومات المتعاقبة إعادة تأهيلها وأنفقت الكثير لهذا الغرض ، ولكن يبدو أن هناك معارضة لذلك من الجهات المستفيدة من استمرار الاعتماد على الاستيراد.
الخطط التنموية الاقتصادية التي يمكن ان يتخذها العراق أنموذجا :
ماليزيا .. وقد يكون من الملائم أن نشير إلى تجربة ماليزيا عندما أصبح مهاتير محمد رئيساً للوزراء عام (1981) وكان البلد فقيراً ومتخلفاً ، (52%) من الشعب تحت خط الفقر ، ومعدل الدخل الفردي لا يتجاوز (1200) دولار سنوياً ، فوضع خطة أمامه استشرف فيها مستقبل ماليزيا بعد عشرين سنة ، وما إن انتهى حكمه حتى كان قد تأسس في ماليزيا (50000) مصنع في مجال الإلكترونيات والصناعة التحويلية ، وانخفضت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى (5%) فقط ، وارتفع معدل الدخل الفردي إلى (5200) دولار ، وترك مخزوناً كبيراً من العملات الأجنبية لبلده ، وفي مقابل قصة النجاح هذه ، هناك الكثير من الدول النامية التي ظلت تدور في حلقة مفرغة ، ليس فقط بسبب شح الموارد المالية كما يقال عادة ، بل لعدم وجود رؤية واضحة لما تسعى إلى تحقيقه الحكومة ، وكثرة الأهداف وتناقض نتائج السياسات المطبقة لتحقيق الأهداف.
طبقت الحكومة العراقية خطتين للتنمية الاقتصادية للفترة (2010-2017) ، وأعلن مجلس الوزراء العراقي ، عن الخطة الخمسية الثالثة للفترة (2018-2022) وتسعى الحكومة إلى إقرار ما يعرف بالخطة التنموية العشرية (2030).
إذ يؤكد سلمان الجميلي وزير التخطيط العراقي ، على خطة التنمية الوطنية (2018-2022) التي اعدتها الوزارة ، والتي تمثل خطوة مهمة لانطلاق التنمية الوطنية الاوسع في إطار رحلة التنمية المستدامة ، وفقا لرؤية العراق لعام (2030) مسترشدة بمجموعة من السياسات والاستراتيجيات القطاعية التي تستند بالأساس على رأس المال البشري والاجتماعي واقتصاد الناس وتقديم الخدمات بأقل الكلف .
وتمهد الخطة الطريق لبناء دولة المستقبل ، من خلال معالجة التحديات والاهتداء بالأهداف المحددة في رؤية (2030) واتاحة فرص جديدة للنمو ، لاسيما مع استمرار الدعم الدولي والاقليمي للعراق.
يجب على الحكومة العراقية الجديدة ان تصمم الخطط الاقتصادية لاستشراف مستقبل العراق الاقتصادي ، بالتعاون مع جميع الوزارات ، ومشاركة جميع القطاعات ، للنهوض بالواقع المؤلم ، كي تقضي على الفقر والبطالة والتخلف وجميع المشاكل الاقتصادية وانعكاساتها على المجتمع العراقي .
والأهم هو تقليص الاعتماد على النفط ، وخلق دور فعلي للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي ، إذ يجب أن تبدأ الخطة بالقول إنها تريد أن ترى في نهاية السنوات الخمس ، ارتفاع مساهمة القطاع الخاص الوطني والعربي والأجنبي في إجمالي استثمارات الخطة بنسبة (40%) أو أكثر ، وتحدد القطاعات التي تريد أن تتوجه إليها الاستثمارات العربية والأجنبية ، ثم تحديد المعوقات التي تقف في وجه رفع هذه المساهمة ، وأهمها الأمن والفساد اللذان يعوقان الاستثمارات الأجنبية في البلد .
ومن مهام الخطط للنهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي أيضاً ، إعادة إعمار المحافظات ، والتخفيف من الفقر ، والنهوض بقطاعات الزراعة والصناعة والكهرباء والصحة والسياحة ، وصولاً إلى معدل نمو اقتصادي نسبته (7%) سنوياً ، وتوفير فرص عمل مستدامة ، وكذلك زيادة القدرة الإنتاجية لقطاع النفط إلى (6.5) مليون برميل يومياً ، وتهدف الخطة أيضاً إلى زيادة الشراكة مع القطاع الخاص ، ودعوته إلى المساهمة بنسبة قد تتجاوز (40%) من إجمالي استثمارات الخطة لخمس سنوات.
وهنا يجب ان نشير للجهود التي بذلها القطاع الوحيد خلال السنوات الماضية ، القطاع الذي استطاع تحقيق النجاحات والتنمية ورفع مستوى الإنتاج وتشغيل محطات الحفر وتأهيل الحقول النفطية وتحقيق التنمية ، وهو قطاع النفط.
أما الزراعة ، لازالت إسهاماتها لم تتجاوز (5%) ، والصناعة بأقل من (1%) في إجمالي الناتج المحلي ، ما انعكس على زيادة معدلات الفقر عما كانت عليه من قبل ، اما القطاعات الإنتاجية والخدمية الأخرى ففي تدهور مستمر .
دور القطاع الخاص :
أن القطاع الخاص مهم جدا للنهوض بالاقتصاد بكافة اشكاله ، إذ سيجذب أمواله للاستثمار في الصناعة والزراعة والخدمات ، ومن جانبها الحكومة يجب إصلاح “بيروقراطية الدولة” لتسهيل القوانين والإجراءات لتنفيذ مشاريع البنى التحتية ولتسهيل نشاط القطاع الخاص ، فإذا كانت الحكومة فعلاً جادة في رفع مساهمة القطاع الخاص بالتنمية والاستفادة من الاستثمارات العربية والأجنبية ، وعودة رؤوس الأموال العراقية المهاجرة ، وتقليص الاستدانة أو حتى وضع حد لها ، فعليها أن تركز في رؤيتها للخطة على كيفية زيادة الاستثمارات الخاصة ، لتتحمل نسبة لا يستهان بها من حاجة الخطة إلى التمويل.
وحتى لو تحققت نسبة أقل من (40%) في نهاية فترة الخطة ، فلا يعتبر ذلك فشلاً وإنما تكون الخطة قد وضعت هذه الرؤية على المسار الصحيح ، وعندما تزداد مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار والإنتاج ، وتتحسن الظروف الملائمة لممارسة نشاطه ، سينعكس ذلك إيجاباً على زيادة فرص العمل ، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي في القطاعات غير النفطية ، ومعدلات الدخل الفردي ، وانخفاض عدد الفقراء ، وزيادة موارد الحكومة غير النفطية ، ولكن كل ذلك وأكثر من النتائج الإيجابية يعتمد على حسن نية الحكومة وجهودها في استتباب الأمن ومحاربة الفساد.
ان فرص النجاح ستكون مواتية بعد تخلص العراق من الإرهاب ، وهو اليوم يعتمد فلسفة البناء التنموي المستدام ، معتمدا على خلق شراكات متينة مع القطاع الخاص الوطني ، ومستفيدا من الدعم الدولي ، اقتصاديا وسياسيا ، مع توفر الإرادة السياسية الوطنية الموحدة التي من شأنها توفير بيئة اكثر استقرارا لتنفيذ السياسات التنموية التي تتيح لنا تفعيل البدائل الاقتصادية الناجحة ، وصولا إلى اقتصاد وطني متعدد وليس أحادي الجانب .
الشارع العراقي ، والمواطن البسيط ، يتطلع بعين الحذر والترقب والخوف ، من تشكيل الحكومة العراقية الجديدة ، هل ستكون كسابقاتها ؟ أم ستنقذ العراق من الواقع المرير الذي يعيشه على جميع الأصعدة ؟! سنرصد الأحداث ….

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية