انتقل الرد الروسي على إسرائيل بعد سقوط طائرة “إيل-20″ في اللاذقية السورية قبل أسبوع، إلى مرحلة جديدة، مع إعلان موسكو أمس الإثنين عن ثلاث خطوات لـ”تعزيز القدرات القتالية للدفاعات الجوية” التابعة للنظام السوري، وحماية الجنود الروس في سورية، أبرزها تزويد نظام بشار الأسد بمنظومات “إس-300” للدفاع الجوي خلال أسبوعين. ومع حديث وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عن أن بلاده تأمل عبر هذه الخطوة “تبريد الرؤوس الحامية ودفعها للامتناع عن خطوات متهورة”، كان اللافت في المقابل تشديد موسكو على أنها لا تريد إفساد العلاقات مع تل أبيب والتي هي “أشمل وأوسع”. وبعد ساعات على صدور القرارات الروسية، أعلن الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين أجرى مكالمة هاتفية مع بنيامين نتنياهو “بطلب من الجانب الإسرائيلي”، وفي الاتصال أكد بوتين لنتنياهو أن القرار الروسي حول توريد “إس-300” لسورية “يتماشي مع الوضع الراهن”، بحسب الكرملين.
على الضفة الأخرى، لم يصدر حتى ساعة متأخرة من يوم أمس، رد رسمي من إسرائيل على الخطوات الروسية، بينما تولى مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون الرد أولاً، إذ اعتبر أن خطط روسيا إمداد سورية بنظام “إس-300” الصاروخي “ستمثّل تصعيداً خطيراً من موسكو”، مشيراً إلى أن إيران مسؤولة عن هجمات على سورية ولبنان وإسقاط الطائرة الروسية. كما أن محللين إسرائيليين دقوا ناقوس الخطر معتبرين أن قرارات موسكو تدعو للقلق، فيما استغلت المعارضة الإسرائيلية هذه التطورات لمهاجمة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لاعتماده في سياسته في سورية على صداقته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقط.
”
بولتون: خطط روسيا إمداد سورية بنظام “إس-300″ الصاروخي ستمثّل تصعيداً خطيراً من موسكو
”
وتشي الخطوات الثلاث التي أعلنها شويغو أمس والتطمينات المقابلة من نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، بأن موسكو تتبع أسلوبَي التشدد والمرونة تجاه إسرائيل، بينما هدفها لا يصل إلى حد وقف الهجمات الإسرائيلية في سورية بشكل كامل، بل وضع شروط على الغارات بما يضمن مصالح موسكو بشكل أكبر.
وبعد أسبوع من سقوط طائرة “إيل-20” في اللاذقية يوم الإثنين من الأسبوع الماضي، بنيران النظام السوري خلال تنفيذ طائرات إسرائيلية غارات هناك، ما أدى إلى مقتل 15 جندياً روسياً، جددت موسكو على لسان وزير دفاعها سيرغي شويغو تحميل إسرائيل “المسؤولية عن إسقاط الطائرة بالخطأ بنيران الدفاعات الجوية السورية”، مشدداً على أن “الجيش الإسرائيلي لم يبلغ الطرف الروسي عبر الخط الساخن بنيّته شن غارات جوية على سورية إلا قبل دقيقة واحدة من بدء الهجوم”.
وأعلن شويغو، في كلمة له أمس، أن هذه الحادثة أجبرت بلاده على “اتخاذ خطوات جوابية مناسبة بهدف تعزيز أمن عسكرييها الذين ينفذون مهام مكافحة الإرهاب الدولي في سورية”، معلناً أن وزارة الدفاع، بإيعاز من بوتين، ستتخذ ثلاث خطوات مهمة “بهدف تعزيز القدرات القتالية للدفاعات الجوية السورية”. الخطوة الأولى، بحسب شويغو، هي تسليم منظومات الدفاع الجوي “إس-300” إلى النظام خلال أسبوعين، “وهي قادرة على اعتراض الأهداف الجوية على مسافة تتجاوز 250 كيلومتراً”. وأوضح الوزير أنه “بسبب قدرتها العالية على عرقلة التشويش وسرعتها المتفوقة في إطلاق الصواريخ، ستسهم هذه المنظومة إسهاماً ملموساً في تعزيز القدرات القتالية للدفاعات الجوية السورية”. وشدد على “أننا في العام 2013، وبطلب من الجانب الإسرائيلي، جمّدنا خطة تسليم منظومات إس-300 إلى سورية والتي كانت جاهزة للتصدير، وقد تلقى العسكريون السوريون التدريب المطلوب عليها، لكن الوضع تغيّر اليوم، وليس ذنبنا”.
الخطوة الثانية بحسب شويغو، هي أن “روسيا ستجهز المراكز القيادية لقوات الدفاع الجوي السوري بنظام آلي للتحكم موجود حصراً لدى الجيش الروسي، مما سيضمن الإدارة المركزية لكل الدفاعات الجوية السورية، وتحديد كل الطائرات الروسية في الأجواء من قبلها”. أما ثالث الخطوات، فهي “إطلاق الجيش الروسي التشويش الكهرومغناطيسي في مناطق البحر المتوسط المحاذية لسواحل سورية، بهدف منع عمل رادارات واتصالات الأقمار الصناعية والطائرات أثناء أي هجوم مستقبلي على سورية. وأعرب عن أمل موسكو أن “تبرّد هذه الخطوة الرؤوس الحامية وتدفعها إلى الامتناع عن خطوات متهورة تُعرّض عسكريينا للخطر، وإلا فإننا سنضطر للرد انطلاقاً من مقتضيات الوضع الراهن”.
وعلى الرغم من مسارعة وسائل إعلام روسية تابعة للسلطة، مثل “روسيا اليوم” و”سبوتنيك”، للترويج إلى أهمية منظومة “إس-300″، وتفوّقها وأنها لن تخطئ أهدافها، لكن اللافت تراجع موسكو عن قرار جرى الحديث عنه قبل أشهر بتزويد النظام السوري بمنظمة “إس-400” المتطورة بشكل أكبر. كذلك، فإن “سبوتنيك” وصفت ما روّجته بعض وسائل الإعلام حول “نيّة روسيا إغلاق المجال الجوي في سورية”، بـ”المزاعم”، وهو ما دلت عليه القرارات الروسية، التي اقتصرت على اتخاذ خطوات للتشويش على الهجمات الآتية من مناطق البحر المتوسط المحاذية لسواحل سورية فقط وليس من كل الحدود السورية.
بالتوازي مع ذلك، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يبلغ رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال محادثة هاتفية بينهما، “بقرار فرض إجراءات سلامة إضافية تهدف إلى ضمان سلامة الجنود الروس في سورية وتعزيز الدفاعات الجوية السورية، بما في ذلك تسليم أنظمة صواريخ إس-300 الحديثة”، وذلك بعيد إصدار وزارة الدفاع الروسية إعلانها في هذا الشأن.
وفي سياق تصعيد اللهجة ضد إسرائيل، أعلن الكرملين أن حادثة إسقاط طائرة “إيل-20” الروسية ستتمخض عنها تداعيات سلبية على التعاون بين روسيا وإسرائيل، لا سيما في المجال العسكري. وذكر المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف أمس، أن “التصرفات المتعمدة للطيارين الإسرائيليين التي أسفرت، بحسب معطيات الخبراء العسكريين الروس، عن إسقاط الطائرة، تضر من دون أدنى شك بالعلاقات بين موسكو وتل أبيب، وتجبر الحكومة الروسية على اتخاذ إجراءات إضافية فعالة لضمان أمن عسكرييها في سورية”، موضحاً أن القرارات التي أعلن عنها وزير الدفاع، جاءت في هذا السياق. ولفت إلى أن إسرائيل كانت أول دولة بدأ العسكريون الروس التنسيق معها في عملياتهم القتالية بسورية، بحسب الاتفاق المبرم بين بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤكداً أن هذا التنسيق سبق أن آتى ثماره حتى لحظة إسقاط “إيل-20″.
”
أكد بوغدانوف أن تزويد النظام بمنظومة “إس-300″ لن يفسد العلاقات بين روسيا وإسرائيل
”
في المقابل، بدا لافتاً كلام نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، الذي قال إن تزويد النظام السوري بمنظومة “إس-300” لن يفسد العلاقات بين روسيا وإسرائيل. وأضاف في مؤتمر صحافي، أمس: “علاقاتنا أشمل وأوسع”، موضحاً أن تزويد سورية بمنظومة “إس-300” هو أمر مهم، “هذا من حقنا ومن حق سورية السيادي”.
على الجانب الآخر، وحتى ساعات متأخرة من يوم أمس، بقيت إسرائيل ملتزمة الصمت تجاه الخطوات الروسية. كما امتنعت السفارة الإسرائيلية في روسيا عن التعليق، بحسب وكالة “انترفاكس”. لكن محللين عسكريين إسرائيليين اعتبروا أن القرار الروسي “مقلق”.
وكتب المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي، المحلل العسكري بيتر ليرنر في تغريدة على حسابه في “تويتر”، إن “حماية المصالح الإسرائيلية أصبحت أكثر تعقيداً”. وفي السياق، قال المحلل العسكري في موقع “والا” الإسرائيلي أمير بوحبوط عبر “تويتر”، إن القرار الروسي “ينبغي أن يكون مقلقاً”. كذلك اعتبرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن القرار الروسي هو بمثابة “رسالة قوية إلى إسرائيل”.
كذلك استغل نواب من المعارضة الإسرائيلية هذه المستجدات لمهاجمة نتنياهو. وكتبت النائبة من حزب “المعسكر الصهيوني” المعارض، كسنيا سفطلوفة، على “تويتر” أن “المشكلة هي أن رئيس الوزراء لم يكن لديه سياسة في سورية سوى الاعتماد على صداقته الوثيقة مع الرئيس (الروسي). لكن شهر العسل هذا قد انتهى. فماذا بعد؟”. كما قالت عضو الكنيست من “المعسكر الصهيوني” أياليت نحمياس: “حقيقة جديدة وخطرة للغاية بالنسبة لإسرائيل. لقد قيل لرئيس الوزراء (نتنياهو) أكثر من مرة أن الاعتماد على علاقاته الجيدة مع الرئيس الروسي إشكالية للغاية”. وأضافت: “هذه نقطة تحوّل صعبة ومعقدة”.
العربي الجديد