في يوم السبت، 22 أيلول/سبتمبر، وخلال الاحتفالات السنوية لذكرى الحرب بين إيران والعراق المعروفة باسم “أسبوع الدفاع المقدس”، أطلق معتدون النار على الاستعراض العسكري الذي كان يقام في الأحواز عاصمة محافظة خوزستان الإيرانية الجنوبية الغربية، مما أسفر عن مقتل حوالي نحو ثلاثين شخصاً وجرح العشرات. وخوزستان هي موطن لأعداد كبيرة من الأقليات السنية والعربية في البلاد، ناهيك عن العديد من حقولها النفطية. وقد وقعت معظم الإصابات في صفوف القوات المسلحة الإيرانية.
تحديد هوية الفاعلين
في أعقاب الاعتداء، ردّ المسؤولون الإيرانيون بأسلوبهم المعتاد عبر اتهام الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين برعاية الهجوم، وقد ذهب البعض إلى حدّ التحدث عن مؤامرة “عبرية عربية غربية” كبرى في دلالةٍ على الهاجس المتوارث من التدخلات الخارجية والأعمال المخلّة بالاستقرار في بلادهم. ولكن حين هدأت الأمور ظهرت مجموعتان رئيسيتان من المشتبه بهم، وهما:
التنظيمات العربية المحلية: ما لبثت أن وقعت الحادثة حتى أعلنت مجموعة تنظيمات هي “الجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية” و”الحركة الأحوازية” و”حركة النضال العربي لتحرير الأحواز” مسؤوليتها عن الهجوم. وحتى أن هذه التنظيمات المحلية نشرت أسماء الأشخاص الذين نفّذوا الهجوم – لكن النظام الإيراني لم يؤكّد بعد تورّطهم. وبدلاً من ذلك، بالغ المسؤولون الإيرانيون في استقراء التفاصيل فربطوا الهجوم بالتدريبات والمساعدات من المملكة العربية السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة. وعلى مر السنين، أفادت التقارير عن ضلوع تنظيمات مسلحة محلية مماثلة في هجمات صغيرة ضد البنية التحتية النفطية الإيرانية، وكثيراً ما تتصاعد التوترات الاجتماعية والاقتصادية المشحونة عرقياً في تلك المحافظة.
تنظيم “الدولة الإسلامية”: ضمّ هذا التنظيم الإرهابي صوته إلى أصوات التنظيمات الأخرى التي تبنّت الهجوم، ولمّح في البيان الذي أصدره بعد ساعات من وقوع الحادثة إلى أن الرئيس الإيراني حسن روحاني كان حاضراً شخصياً في [هذا الاحتفال]. لكن سرعان ما تراجع التنظيم عن هذا التفصيل المهم، كما قلل من مصداقيته كطرف متورط في الاعتداء. وفي محاولة لإعادة إظهار أهميته وقوته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً لمقاتلين يتوجهون إلى استعراض الأحواز وفق ما زُعم. وقد أثار هذا الشريط الكثير من الشكوك، لكن إذا أثبت تنظيم “الدولة الإسلامية” أنه وراء الاعتداء، فهذا يعني أنه نفّذ هجومه الكبير الثاني على الأراضي الإيرانية – بعد العملية الناجحة التي قام بها في طهران في حزيران/يونيو 2017.
وفي حين تم إلقاء اللوم بشكل واضح على الولايات المتحدة وحلفائها بالمعنى الواسع، انقسمت الأصوات داخل النظام الإيراني حول ما إذا كانت التنظيمات الأحوازية المحلية هي التي نفّذت العملية أو تنظيم “الدولة الإسلامية”. وقد تجسّد هذا الغموض في الملاحظات الأولية للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي حين أشار إلى “مؤامرات [تحيكها] حكومات المنطقة التي تقودها الولايات المتحدة بهدف تقويض الأمن”. لكن المرشد الأعلى كان واضحاً تماماً حين أمر الاستخبارات الإيرانية بالرد بسرعة، كما أن الرئيس روحاني دعا الجهاز الأمني في البلاد إلى تحديد هوية الإرهابيين على الفور والتعامل بحزم مع “كل من ارتكب الجريمة”.
الخطوة المقبلة المحتملة من إيران
في الهجوم الذي نفذّه تنظيم “الدولة الإسلامية” في حزيران/يونيو 2017 في مواقع [معينة] في طهران، اقتحم المقاتلون ضريح آية الله الخميني ومبنى “المجلس” [البرلمان الإيراني]، فقتلوا وجرحوا العشرات. وكما حدث في أعقاب حادثة الأحواز، اتهم النظام واشنطن والرياض بالمسؤولية النهائية. ولكن على ضوء الإقرار المعقول من تنظيم “الدولة الإسلامية”، ركّزت إيران ردّها على التنظيم الجهادي السني، ووضعت السعودية والولايات المتحدة جانباً في ذلك الوقت. وما حدث بشكل خاص هو أنه بعد أحد عشر يوماً من وقوع ذلك الحادث، أطلقت إيران وابلاً من الصواريخ على أهداف تابعة لـ تنظيم “الدولة الإسلامية” في دير الزور بسوريا متفاخرةً لاحقاً بقوة القصف – على الرغم من أن غالبية الصواريخ لم تُصب فعلياً أهدافها. وقد سعى النظام من خلال ذلك البيان إلى توجيه رسالة ردع إلى الأطراف الأخرى في المنطقة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، انتهجت طهران الأسلوب نفسه حين قصفت الجماعات الكردية في شمال العراق ردّاً على ما اعتبرته “تحركات عدوانية داخل “إقليم كردستان العراق” ضد المناطق الحدودية الإيرانية … [من بينها] أعمال تخريب… في محافظات أذربيجان الغربية وكردستان وكرمانشاه غرب إيران”. وبعد الهجوم، أكّد أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني أن إيران ستتبع المسار نفسه إذا تعرضت لأي استفزازات في المستقبل.
لذلك، فبالاستناد إلى النهج الإيراني، تتهم طهران القوى الخارجية بالمسؤولية عن مثل هذه الحوادث، ولكنها تنتقم من معارضيها المحليين والتنظيمات في المنطقة. ومن خلال سماحها بالغموض بشأن هوية المهاجمين المحددين، يمكن لإيران تبرير سبب إقدامها على مجموعة واسعة من الردود المحتملة. وفي حالة الأحواز مثلاً، من الأرجح أن تعمد إيران أولاً إلى ملاحقة الجماعات السنية والعربية المحلية بصرامة على أمل الكشف عن شبكات المتمردين وتفكيكها، وردع أي “توجّه لتقليدها” في أماكن أخرى من البلاد. ثانياً، قد تسعى طهران إلى شن حملة جديدة من الاغتيالات ضد المعارضين المنفيين في أوروبا، حيث استهدفت إحدى هجماتها الأخيرة، وفقاً لبعض التقارير، شخصية سياسية أحوازية بارزة في هولندا. ثالثاً، من الممكن أن تطبّق إيران مبدأ “العين بالعين” فتستخدم التنظيمات الشيعية المسلحة التابعة لها في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى (كالبحرين) لإشعال فتيل الاضطرابات واستهداف قوات الأمن المحلية كما فعلت في العام الماضي في المملكة السعودية.
وأخيراً وليس آخراً، قد تقوم طهران بإطلاق الصواريخ مجدداً على مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا أو على التنظيمات المسلحة السنية والعربية في العراق على أمل تحقيق هدفين، هما: الانتقام للإهانة التي تعرضت لها في الأحواز واستعادة الكرامة الإيرانية من جهة، وتوجيه رسالة ردع إلى كل من واشنطن والرياض والقدس من جهة أخرى تمهيداً للفترات المقبلة التي سيتصاعد فيها التوتر.
عومير كرمي
معهد واشنطن