الحرب تغيّر في الفكر الحوثي: جيل صاعد قضيته سياسية أكثر من عقائدية

الحرب تغيّر في الفكر الحوثي: جيل صاعد قضيته سياسية أكثر من عقائدية

تكبد حرب استعادة الشرعية في اليمن الحوثيين خسائر بشرية مؤثرة، على مستوى القياديين والمقاتلين الذين تخرجوا على أيدي الحسين بدرالدين الحوثي، والذين يعدون أكثر الأجيال الحوثية أدلجة. وتقلق تلك الخسائر القياديين الحوثيين، حيث لم تعد الظروف تسمح اليوم بتأطير وأدلجة الشباب كما السابق. تلقي المتغيرات الراهنة بظلالها على عقيدة الكثير من القياديين الشباب في جماعة الحوثي بما يجعلهم مسيّسين أكثر من مؤدلجين، فالحرب تتخذ بعدا سياسيا أكثر مما هي قضية عقائدية مثلما كان الحال مع الحروب السابقة التي خاضها الحوثيون ضد النظام اليمني.

عدن – لشهر سبتمبر مكانة بارزة في التقويم السياسي اليمني، وتحديدا في الفصل المتعلق بالحوثيين. في السادس والعشرين من هذا الشهر من عام 1962، أطاحت ثورة شعبية بالنظام الإمامي الملكي.

وتعد جماعة الحوثي امتدادا فكريا وثقافيا له. وفي 10 سبتمبر 2004 لقي مؤسس الجماعة الحوثية حسين بدرالدين الحوثي حتفه في أول تمرد يقوده ضد الدولة أو ما عرف بحرب صعدة الأولى. أما التاريخ المفصلي بالنسبة لجماعة الحوثي، ولليمن، فكان الحادي والعشرين من سبتمبر 2014، يوم اجتياح صنعاء.

بين مرحلة التأسيس والتمكين خاض الحوثيون ست حروب ضد الجيش اليمني، كان محفز الحوثيين فيها فكرة المظلومية التي عملت الجماعة على إشعال جذوتها بهدف إبقاء حالة التوتر الأيديولوجي قائمة بين أنصارها. لكن اليوم، بدأت هذه الفكرة تتفسّخ، من جهة لتأثرها بالتوجهات الإيرانية ومن جهة أخرى لانتفاء صفة المظلومية بوصول الحوثيين إلى صنعاء، وفقدان القيادات التي تعمل على ترسيخ العقيدة الحوثية الأصلية.

الحروب الست
في رحلتها من كهوف صعدة إلى القصر الجمهوري بصنعاء مرت الجماعة الحوثية بعدة محطات عسكرية كان أبرزها الحروب التي خاضتها في مواجهة الجيش اليمني والتي ظلت محصورة في جبال صعدة.

كما مرت الجماعة، وفقا لباحثين متخصصين في شأنها، بعدة مراحل فكرية أسست خلالها لبنيتها الثقافية والعسكرية التي جعلت الحوثيين حاضرين في خلفية المشهد السياسي اليمني، يترقبون حالة الصراع المستعرة بين المكونات السياسية التي بدأت تتصاعد وصولا إلى احتجاجات 2011.

ووفرت تلك الاحتجاجات وما صاحبها من تداعيات، فرصة للحوثيين للانقضاض على الأطراف الشمالية من الدولة اليمنية في ظل ضعف وانهماك المركز في الصراع السياسي.

ويرصد الباحث اليمني محمد علي علاو في حديث لـ”العرب” عدة محطات بارزة في مسيرة الجماعة الحوثية العسكرية وتحولاتها وصولا إلى إسقاط الدولة في سبتمبر عام 2014.

يشير علاو إلى أن الجماعة الحوثية برزت إلى العلن في طورها الأول كحركة متمردة من خلال ما عُرف بالحروب الست، وهي سلسلة معارك عسكرية بين نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح والمتمردين الحوثيين الطامحين إلى إعادة نظام حكم الإمامة.

ويرى علاو أن الحروب الست بعدة مراحل شارفت في بعضها جماعة الحوثي على الانهيار التام لولا التدخل الخارجي. انتهت الحرب الأولى التي اشتعل فتيلها في يونيو 2004 بعد إعلان الحكومة مقتل زعيم المتمردين الحوثيين حسين بدرالدين الحوثي.

وبدأت حرب أخرى بعد تولي عبدالملك الحوثي زمام الجماعة واستمرت ثلاثة شهور بين مارس ومايو 2005 وتلتها حرب ثالثة اندلعت في نوفمبر 2005 بعد أن بدأت باشتباكات بين قوات قبيلة وادعة الهمدانية ومسلحين حوثيين من أتباع زعيم الجماعة الجديد عبدالملك الحوثي، وقد كانت الحروب الثلاث ذات طابع قبلي.

يلفت علاو إلى أنه خلال الحرب الرابعة أوشكت قوات الجيش اليمني على الوصول إلى مكان اختباء عبدالملك الحوثي غير أن عاملا خارجيا ساهم في تغيير مسار الحرب وهو الوساطة القطرية.

وأضاف علاو أن الحرب الرابعة استمرت من يناير حتى يونيو من العام 2007 بعد الاتفاق على هدنة في 16 يونيو قبل عبدالملك الحوثي شروطها ومنها اللجوء السياسي إلى قطر.

وحين اندلعت الحرب الخامسة بين الحوثيين والجيش اليمني في 29 أبريل واستمرت حتى يوليو 2008، بدا أن أداء الحوثيين العسكري كان مختلفا عن الحروب السابقة، وظهرت علامات الدعم القطري السخي، وهو الأمر ذاته الذي اتسمت به الحرب السادسة التي امتدت من أغسطس 2009 حتى يوليو فبراير 2010 بعد شن المتمردين الحوثيين هجوما على نقاط حدودية وقتلوا جنودا سعوديين.

ويعتبر محمد علي علاو أن التطورات التي شهدها اليمن منذ 2011 كانت امتدادا لحروب صعدة. وقد سمحت الفوضى التي ضربت البلاد للحوثيين بالتمدد والسيطرة على معسكرات الجيش في صعدة والوصول إلى أجزاء من محافظة عمران.

ثم اتجهت الميليشيات الحوثية شرقا صوب محافظة الجوف للتنكيل بالقبائل واستجمعت الجماعة قوتها وخاضت حربها في منطقة دماج على عدو جديد هذه المرة بِحجَّة دعم الحكومة اليمنية للسلفيين وتدريب إرهابيين في الفترة بين 15 أكتوبر إلى 22 ديسمبر 2011، وهي الحرب التي يمكن أن يطلق عليها -وفق علاو- اسم الحرب السابعة.

بالتوازي مع التحولات والأطوار العسكرية والتنظيمية التي كانت تمر بها الجماعة الحوثية، التي غيرت اسمها إلى أنصار الله اقتداء بحزب الله، كانت هناك تحولات فكرية وثقافية لا تقل أهمية.

وعن مراحل التطور الفكري لدى الجماعة الحوثية، يشير الباحث اليمني ثابت الأحمدي إلى أن التأثر الحوثي بالفكر الخميني بدأ عقب ثورة 1979 الإيرانية.

وتحول الإعجاب بهذه الثورة الذي تشاركت فيه معظم الجماعات الإسلامية إلى زيارات سرية بداية الثمانينات وما بعدها إلى إيران، قامت بها رموز يمنية هادوية جارودية كبدرالدين الحوثي والمرتضى بن زيد المحطوري وصلا فليتة وعلي العماد، ثم ابنه عصام العماد، الذي اعترف هو بذلك التواصل في أحد لقاءاته الصحافية لكنه عزاه إلى “تواصل علمي خالص بعيد عن السياسة”.

ويوضح الأحمدي أن العلاقة بين القيادات الأولى المؤسسة للفكر الحوثي وإيران استمرت وأخذت شكلا أكثر وضوحا في أعقاب حرب 1994 حيث غادر بدرالدين الحوثي بسبب مساندته لعلي سالم البيض الذي خسر الحرب إلى إيران وبقي هناك فترة طويلة مع أفراد عائلته ومنهم عبدالملك الحوثي.

ويشير الأحمدي إلى أن الفكرة الحوثية اتجهت نحو العمل المنظم منذ فترة مبكرة. وبدأت الخطوة الأولى بتأسيس الحوثيين منتدى الشباب المؤمن الذي كان اسمه في مطلع الثمانينات رابطة الشباب المؤمن.

ثم بدأ العمل الممنهج والمنظم، من خلال توفير مصادر الدعم المادي الداخلية، وذلك من خلال ضرائب يدفعها أهالي صعدة لبدرالدين الحوثي ومؤيدي الإمام الفعلي للجماعة إضافة إلى عائدات أوقاف الإمام الهادي في صعدة وهي عائدات كثيرة في المحافظة الزراعية المعروفة. وتزايد النشاط أكثر، بعد الحصول على دعم من الخارج، وتحول المنتدى إلى تنظيم الشباب المؤمن عام 1997.

يشير الأحمدي إلى أن الفترة الممتدة من 2004 حتى عام 2011 شهدت بعض التراجع على الصعيد التنظيمي بفعل الحرب التي اندلعت بين الدولة والجماعة وما تلاها من أحداث.

ولفت إلى أن نخبة من طلاب حسين الحوثي تحولت في تلك الفترة من مجرد تلاميذ وأتباع إلى قادة على مختلف الأصعدة ثقافيا وسياسيا وعسكريا.

الجيل الجديد

فقد الحوثيون، خلال الحروب الست، عددا لا يستهان به من المؤيدين. ثم جاءت حرب استعادة الشرعية، التي ما زالت رحاها تدور، لتحصد الكثير من الحوثيين وتفقد “الصرخة” الحوثية، التي تم استجلابها من أدبيات حزب الله اللبناني، صوتها القوي.

واليوم تراجع عدد كبير من القياديين، وفقد عدد هام من تلاميذ حسين بدرالدين الحوثي العقائديين، إما بسبب السن أو بسبب الحرب.

في المقابل، تختلف الظروف الحالية عن الظروف السابقة، ولم يعد من السهل استقطاب الأجيال الشابة وتأطيرها أيديولوجيا لتكون بنفس مستوى خريجي منتدى الشباب ومن سبقهم. كما تفتقد الجماعة اليوم إلى شخصية قادرة على القيام بهذه المهمة مثلما فعل حسين بدرالدين الحوثي وملازمه السبعين، وهي ملخصات لمحاضراته التي كان يلقيها على منتسبي منتدى الشباب المؤمن.

لا ينفي الأحمدي أن هناك جيلا صاعدا من الحوثيين سيكون امتدادا لسابقه، لكن هذا الجيل الجديد أقل أدلجة من أسلافه.

وعن أبرز التحولات الثقافية ذات المغزى السياسي، يقول الأحمدي إن المشاهد التي برزت خاصة بعد انقلاب 21 سبتمبر 2014 كانت الأكثر دلالة. فقد ظهرت للعلن صورة كربلائية خمينية مختلفة عن الصورة الإمامية المعهودة واحتفال الحوثيين الأخير بيوم عاشوراء ورفعهم الرايات الحمر أبرز دليل على ذلك.

ويقول الأحمدي إن هذا المشهد ليس له مثيل حتى أيام الإمامة نفسها. ويذكر أن خطابات عبدالملك الحوثي نسخة رتيبة من خطابات أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، مضيفا أنه على ضوء ما سبق يمكن القول إن ثمة حالة من التزاوج الجارودي الاثنا عشري ظهرت بصورة جديدة منقطعة عن حالة الأئمة السابقين وتأتي ضمن الموجهات السياسية العليا للجماعة من خارج الحدود اليمنية، وهي تقريبا ستكون أيديولوجيا الجيل الجديد من الحوثيين “المسيسين” لا المؤدلجين.

العرب