لندن – شكلت آلية جديدة أقرتها دول الاتحاد الأوروبي للحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران طوق نجاة للنظام الإيراني، لكن يبدو أن الكيان القانوني الجديد، الذي أطلق عليه “الآلية محددة الأهداف”، سيتحول إلى الحجر الثقيل الذي سيغرق الاتفاق قريبا، في وقت يستعد فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوضع الخيار أمام أوروبا بين واشنطن وطهران.
وتحاول إيران الالتفاف على عقوبات اقتصادية أميركية تسببت في تراجع حادّ في الاقتصاد الإيراني. وانعكس ذلك على سعر الريال الإيراني، الذي تراجع بشكل متسارع إلى أدنى مستوى تاريخي له عند حاجز 170 ألفا مقابل الدولار.
وأعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي عن الآلية الجديدة، التي تقوم على نظام مقايضة البضائع مع إيران مقابل صادراتها النفطية، قبل ساعات على إلقاء ترامب خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي اتهم فيه إيران بنشر الفوضى وتعهد بفرض المزيد من العقوبات عليها.
وتضع المقاربتان المتناقضتان كلا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في وسط “صراع إرادات”. وتتسلح أوروبا، التي تبدو موحّدة أكثر من أي وقت مضى، باتفاق روسيا والصين على دعم آليتها الجديدة، لكن رغم ذلك من غير المتوقع أن يتحول النظام الجديد إلى قارب النجاة لاتفاق نووي يقترب من حافة جبل الانقسامات الدولية تدريجيا.
وقال ترامب، الأربعاء، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة “أعتقد أن الأوروبيين سيحسنون التصرف، ما عليكم سوى الانتظار”.
ويقول مايكل هيرش، المحلل في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، “رغم كل هذه العوامل سيكسب ترامب هذا الصراع″. وأضاف “رغم محاولات موغريني والقوى الأوروبية الكبرى إنقاذ قدرة إيران على تصدير النفط، من غير المحتمل أن يتمكن الاتفاق النووي من البقاء على قيد الحياة بعد نهاية العام الجاري”.
وتكمن مشكلة أوروبا في مبدأ “من ليس معنا فهو ضدنا” الذي يعكف ترامب على صياغته، بالتزامن مع استعداده لفرض الحزمة الثانية من العقوبات على إيران بحلول نوفمبر المقبل.
وأنهت بالفعل شركات أوروبية كبرى، كدويتشه تيليكوم، وإيرباص، وتوتال الفرنسية، وبيجو، ورينو، وشركة سيمنز الألمانية، عملياتها في إيران. كما تقوم شركة الشحن الدنماركية مولر ميرسك وشركات أخرى بإنهاء إجراءات توقفها عن شحن الخام الإيراني.
وجوهر المشكلة بالنسبة لهذه الشركات، التي كانت تعول عليها إيران كثيرا لإخراجها من المأزق الاقتصادي، الذي لم يتحسن منذ دخول رفع العقوبات حيز التنفيذ في يناير 2016، أن حزمة عقوبات ترامب لا ترتبط فقط بالعوامل التقنية المرتبطة بإجراء أي طرف ثالث (غير أميركي) معاملات مالية مع إيران، لكنها قائمة على مبدأ توفير مخرج يسمح لطهران بتصدير النفط، أو يجعلها قادرة على التخفيف من التأثير المباشر للعقوبات.
وبالنسبة للشركات العالمية الكبرى، فإن الإبعاد عن السوق الأميركية والنظام المالي العالمي، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، بمثابة “حكم بالإعدام”. ووقفت هذه المخاوف حجر عثرة في طريق الحكومات الأوروبية الراغبة في تفعيل “الإجراءات المعطلة” ضد العقوبات الأميركية، بعد قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي في مايو الماضي.
ويجسد هذا الأمر الواقع قرب نهاية الاتفاق. ويقول ماثيو كوينيغ، الخبير المتخصص في العقوبات في جامعة جورج تاون والمسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، إن “الاتفاق النووي مات فعليا بمجرد أن أعلنت واشنطن انسحابها. الأوروبيون كانوا واهمين عندما اعتقدوا أن بإمكانهم إنقاذه”.
ورغم ذلك ما زالت دول الاتحاد الأوروبي تحاول كسب الوقت عبر إبقاء الاتفاق “مربوطا بأجهزة التنفس الصناعي”. لكن المأزق يكمن في أن ذلك يعمق الانقسامات في العلاقات الاستراتيجية بين بروكسل وواشنطن.
وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إنه يشعر بالقلق من الخلافات العلنية بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق. وأضاف “كلما كان بمقدورنا تقريب وجهات النظر بشكل أسرع كان ذلك أفضل”.
وتابع قائلا “إن الإيرانيين يعولون على ذلك وربما يسعون لدق إسفين بين نهج واشنطن والسياسة الأوروبية”.
العرب