قالت مصادر محلية في مدينة البصرة جنوب العراق، إن السكان المحليين يحضرون لموجة احتجاج جديدة، بعد تظاهرات شعبية انطلقت مطلع الشهر الجاري، على خلفية تعرض الآلاف من الأشخاص إلى التسمّم بسبب تلوث مياه الشرب ونقص الخدمات الصحية.
ولعبت موجة احتجاجات البصرة الغنية بالنفط، والتي تحاذي إيران، دورا مؤثرا في توجيه البوصلة السياسية العراقية نحو ضرورة تشكيل حكومة جديدة تعمل على تلبية طلبات المتظاهرين إثر انتخابات عامة غير حاسمة.
وكان واضحا اتجاه حركة الاحتجاج الشعبي ضد النفوذ الإيراني في البصرة، إذ تعرضت القنصلية الإيرانية في المحافظة، ومقار عدد من الأحزاب والحركات العراقية الموالية لطهران، إلى الحرق من قبل متظاهرين غاضبين، فيما ضغط المتظاهرون على رئيس الوزراء حيدر العبادي من أجل تغيير المسؤول العسكري عن المحافظة.
واستجاب العبادي لرغبة المتظاهرين، وأمر بنقل الفريق الركن جميل كامل الشمري من قيادة عمليات البصرة، ليُكلفه بمهام رئيس جامعة الدفاع للدراسات العسكرية، على وقع معلومات تشير إلى التحضير لموجة احتجاجات جديدة.
وجاء قرار العبادي بعد مؤشرات ميدانية على نية الأحزاب الموالية لإيران فرض سيطرتها المسلحة على البصرة.
وقتلت ناشطة مدنية أسهمت بفاعلية في حركة الاحتجاج، الثلاثاء، بنيران مجهول. وبرغم أن شرطة المدينة حاولت الإيحاء بأن دوافع شخصية تسببت في مقتل الناشطة، إلا أن نشطاء البصرة أشاروا بأصابع الاتهام إلى ميليشيات موالية لطهران بالوقوف خلف الجريمة التي هزت المدينة.
ويربط النشطاء بين هذه الحادثة والإعلان الذي صدر عن قوات الحشد الشعبي في البصرة، بشأن تطويع نحو عشرة آلاف مقاتل، لتشكيل “قوة باسيج”، على غرار الموجودة في إيران، لضبط الأمن الداخلي.
ويشير هذا الإعلان إلى رغبة إيرانية واضحة في السيطرة على أمن البصرة الداخلي لقمع أي حركة احتجاج مستقبلية.
ويقول مراقبون إن حلفاء إيران في البصرة يشعرون بالقلق إزاء تنامي مشاعر العداء بين عامة الناس ضدهم.
وعمليا، تسيطر ميليشيات موالية لإيران على مختلف الأنشطة التجارية في البصرة التي توصف بأنها عاصمة العراق الاقتصادية، ويخرج منها نحو 75 بالمئة من النفط العراقي المصدر، كما تهيمن هذه الميليشيات على ميناء أم قصر، وهو أهم إطلالة عراقية على البحر، إذ تتحكم في الشركات المشغلة له وتسيطر على التوظيف داخله وتفرض أتاوات على المستوردين والمصدرين.
وبينما تنتعش استثمارات قادة هذه الميليشيات، يرزح سكان البصرة تحت واقع اقتصادي صعب، إذ تفتقر المدينة إلى المياه الصالحة للشرب والطاقة والخدمات الصحية والبلدية، وتسجل البطالة معدلات مرتفعة بين شبانها.
ويفسر هذا الواقع الغضب البصري الكبير ضد النفوذ الإيراني في هذه المحافظة.
وألمح حلفاء إيران في البصرة إلى أن قائد عملياتها السابق، جميل الشمري، سهل للمتظاهرين إحراق مبان تابعة لأحزاب وشخصيات موالية لطهران، لذلك انضموا إلى جهود المحتجين الساعية إلى استبداله.
واتهم قيس الخزعلي، زعيم حركة عصائب أهل الحق، “الولايات المتحدة والسعودية بتأجيج احتجاجات البصرة”. وألمح إلى أن حلفاء هاتين الدولتين في البصرة يحضرون لموجة احتجاجات جديدة.
ويقول مراقبون إن رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي يوشك على مغادرة منصبه لصالح السياسي الشيعي عادل عبدالمهدي، يواجه تحديا مركبا في البصرة.
ويتوجب على العبادي حماية المؤسسات العامة ومقار الأحزاب والحركات السياسية في البصرة من غضب المحتجين. لكنه مطالب أيضا بحماية المحتجين من الميليشيات الموالية لإيران.
ويلمّح حلفاء إيران في البصرة إلى أنهم لن يقبلوا تكرار مشهد انسحاب القوات الأمنية الرسمية من أمام مباني المؤسسات الرسمية والحزبية عندما اشتدت الاحتجاجات في السادس من الشهر الجاري، ليقوم المتظاهرون بإحراقها.
ولا يتردد قادة الميليشيات العراقية الموالية لإيران في الإعلان أن قواتهم ستتصدى للمحتجين، في حال انسحبت قوات الأمن من أمامهم مجددا.
ويقول مراقبون إن حجم الغضب الذي يعتمل في نفوس سكان البصرة، جراء الإهمال وسوء الإدارة والفساد، ينبئ بموجة احتجاجات ربما تخرج عن السيطرة، ما لم تسرع القوى السياسية العراقية إلى تشكيل حكومة جديدة تهدّئ الأوضاع.
ويحاول البرلمان العراقي المنتخب حديثا أن يلعب دوره في تهدئة احتجاجات البصرة، لذلك وضع ملف المدينة على طاولته في جلسته العملية الأولى، التي تلت جلسات انتخاب رئاسته.
وقال نائب رئيس البرلمان حسن الكعبي إن مجلس النواب سيوصي بسحب يد عدد من الوزراء، بعد فشلهم في إدارة الملفات الخدمية التي تخص البصرة. وقال إن البرلمان شكل لجنة لمتابعة عمل المؤسسات الحكومية في المدينة.
وانضمت السفارة الأميركية إلى جهود الدعم لفك اختناق الخدمات في البصرة.
وأعلن السفير الأميركي في العراق دوغلاس سيليمان، الخميس، أن “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالشراكة مع اليونيسف تعمل على زيادة فرص الحصول على المياه النظيفة لـ750 ألف مواطن من سكان البصرة، بما في ذلك سكان مناطق الرباط والجبيلة والموحد والهارثة وعلى طول شط العرب”.
وأضاف أن “الدعم الأميركي سيقوم بشراء وتثبيت مضخات المياه، والمساعدة على إعادة تأهيل محطة معالجة المياه”.
كما أشار سيليمان إلى أنه “عند بدء السنة الدراسية الجديدة في بداية أكتوبر، سيساعد الدعم الأميركي منظمة اليونيسف على توصيل المياه الصالحة للشرب إلى الأطفال في مدارس البصرة العامة في المناطق الأكثر تضررا، وسيكون هذا بمثابة جهد موحد بقيادة الحكومة العراقية وبالشراكة مع الولايات المتحدة واليونيسف والمجتمع الدولي”.
العرب