العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية تُظهر ما لا تُبطن

العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية تُظهر ما لا تُبطن

صاحبَ توقيع طهران اتفاقها النووي مع مجموعة (5 + 1) منتصف عام 2015، رفضٌ إسرائيلي لهذا الاتفاق بدعوى أن إيران لن تحافظ عليه وستسعى إلى امتلاك السلاح النووي. بالتالي، سعت إسرائيل لدى واشنطن والدول الغربية إلى عدم توقيع الاتفاق، وبعد أن تم توقيعه بذلت الجهود لدى الولايات المتحدة للتنصل منه وعدم إتمامه. وتلك النقطة – ضمن نقاط أخرى – هي أبرز النقاط الخلافية في علاقات إيران بإسرائيل، تلك العلاقات التي يصعب توصيفها وفهمها في ضوء ما تميّزت به عبر تاريخها من اعوجاج مسارها وعدم استوائه وما حملته وتحمله من تناقضات. فإسرائيل اعتادت التهديد بضرب المنشآت النووية الإيرانية ولم تسنح لإيران فرصة إلا وتحدثت عن محو دولة الاحتلال. وعلى رغم ما يحمله خطاب النخبة الحاكمة في إيران من عداء ظاهر لإسرائيل فإن الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد أعلن عند توليه الرئاسة عام 2005، أنه «يتعين إزالة هذا النظام الذي يحتل القدس من صفحات التاريخ»، وأنه إذا شعر الأوروبيون بالحاجة إلى تعويض اليهود عن المحرقة «فينبغي عليهم إنشاء دولة صهيونية في أوروبا بدلاً من فلسطين». وكثيراً ما يشير المتحدثون الإيرانيون إلى إسرائيل على أنها النظام الصهيوني؛ وهو مصطلح صاغه الخميني؛ مفجر الثورة الإيرانية. غير أن واقع الحال بين الدولتين مغاير، فإيران تضم أكبر جالية يهودية في الشرق الأوسط (25 ألف نسمة) وهناك نحو 200 معبد يهودي. ويعيش في إسرائيل حوالى مئتي ألف يهودي من أصل إيراني، وهناك الكثير ممن تقلّدوا مناصب رفيعة في إسرائيل يتحدرون من أصول إيرانية، منهم بنيامين فؤاد أليعازر زعيم حزب العمل السابق ووزير البنية التحتية، وشاؤول موفاز وزير الدفاع الإسرائيلي الذي يعارض توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، وموشيه كاتساف الرئيس الإسرائيلي الأسبق. وفي تقرير لها نشر في نيسان (أبريل) 2015 كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أن حجم الاستثمارات الإسرائيلية في إيران يتجاوز الثلاثين بليون دولار، وأن هناك الكثير من الشركات الإسرائيلية تستثمر في مجال الطاقة داخل إيران، كما أن إسرائيل تستورد من إيران التين والبلح. وبالنظر إلى خلفية هذه العلاقات تبرز ثلاث محطات رئيسية هي تاريخ بدء العلاقات بين الإيرانيين واليهود، ثم علاقات إيران بإسرائيل منذ نشأتها، وأخيراً علاقات إيران بإسرائيل منذ عام 1979. وترجع البداية إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد؛ عندما أعاد الملك الأشوري تيجلان بيليزر الثالث توطين آلاف اليهود جنوب غربي إيران في منطقة ميديا، وأعيد توطين مجموعة أخرى في سوسا (يوجد فيها قبر دانيال نبي العهد القديم لدى اليهود) وهمدان، والتي تمثل حتى اليوم مركزاً رئيسياً لليهود الإيرانيين. وفي همدان أيضاً، دفنت الملكة أستير التي أنقذت اليهود من الاضطهاد في القرن الخامس قبل الميلاد، ولا يزال يحتفل بهذه المناسبة في عيد بيوريم. وفي القرن الخامس قبل الميلاد، حرر الملك الفارسي قورش اليهود من الأسر البابلي. ويبالغ اليهود في تقدير هذا الملك الفارسي، إذ إنهم رفعوه إلى درجة المنقذ وهو الوحيد من غير اليهود الذي وصل إلى هذه المرتبة. واعترفت إيران بإسرائيل في آذار (مارس) 1950، ودعت الحاجة آنذاك كلا الدولتين إلى تدعيم علاقاتهما، ويمكن القول أن تحالفاً استراتيجياً نشأ بينهما في نهاية خمسينات القرن الماضي. استمر هذا التحالف حتى ثورة الخميني عام 1979، فقد كانت حاجة إيران إلى هذا التحالف ناشئة عن سعيها إلى مجابهة حالة العداء التي كانت عليها مع الدول العربية، بخاصة مصر الناصرية والعراق بعد انقلاب عام 1958، وذلك بالتقرب إلى العدو الأول للعرب. أما إسرائيل فكانت حاجتها إلى هذا التحالف ناشئة عن سعيها إلى كسر عزلتها والخروج من حصارها السياسي الإقليمي من خلال إقامة علاقات مع إيران وتركيا. وكان من نتائج هذا التعاون أن كانت إيران المصدر الرئيسي لواردات إسرائيل من النفط، فطهران كانت الممول الأساسي لتوريد النفط إلى إسرائيل خلال حربي عام 1967 و1973 عبر توفير أكثر من 90 في المئة من حاجاتها. في المقابل، لبّت إسرائيل مطالب إيران من المنتجات الصناعية والأسلحة الإسرائيلية، كما ساعدت إسرائيل إيران في مشروعاتها الزراعية. وعقب ثورة الخميني، تحولت علاقة إيران بإسرائيل من الصداقة والتعاون إلى العداء، حتى إن طهران أطلقت على إسرائيل «الشيطان الأصغر» وأغلقت سفارتها وجعلتها مقراً لمنظمة التحرير الفلسطينية. غير أن الحرب العراقية الإيرانية التي بدأت عام 1980 وعدم قدرة إيران على صد الجيش العراقي من دون فتح قنوات اتصال لها مع إسرائيل وواشنطن، هو ما أعلى مفهوم المصلحة الوطنية لدى إيران التي رأت أن تحافظ على أيديولوجيتها باستمرار التصريحات المعادية لإسرائيل حتى لا تفقد صدقيتها وفي الوقت ذاته تغلب المصلحة الوطنية بفتح قنوات اتصال سرية مع إسرائيل للحصول على السلاح. وهو ما تلقفته إسرائيل، مرحبة به لتحقيق مصالحها هي الأخرى المتمثلة في إضعاف العراق والحد من قدراته، إضافة إلى دعم إيران ذات النظام الشيعي في منطقة تعج بالسنة، ومن شأن ذلك إذكاء الخلافات الطائفية. ومن مظاهر ذلك ما كشفت عنه صحيفة «التايمز» البريطانية عام 1981 عن تعاون عسكري بين إيران وإسرائيل بتسليم الأخيرة ثلاث شحنات أسلحة لإيران، وما كشفت عنه مجلة «ميدل إيست» البريطانية في العام ذاته عن إمداد إسرائيل إيران بالسلاح مقابل الحصول على النفط الإيراني.

وبالنظر في ما سبق؛ يمكن القول أن علاقات إيران بإسرائيل يحكمها من جانب إيران التوجه الأيديولوجي الذي يجعلها تتستر خلف الشعارات المعادية لإسرائيل والخطب الحماسية سعياً إلى تحقيق الاستقرار الداخلي والتفاف الشعب حول القيادة الإيرانية وكذا تحقيق صدقيتها في المنطقة. ويحكمها أيضاً تغليب المصلحة الوطنية. في المقابل، تغض إسرائيل الطرف عن التصريحات الإيرانية المعادية لها في ضوء ما تساهم به إيران في تأجيج صراعات المنطقة وزيادة النعرات الطائفية وهو ما يهمش الصراع العربي – الإسرائيلي أمام هذه الصراعات.

أما قضية السعي الإيراني إلى امتلاك السلاح النووي فتعد قضية خلاف رئيسية ساهمت في زيادة توتر هذه العلاقات في ضوء السعي الإسرائيلي الحثيث إلى حرمان إيران من ذلك حتى لا يهتز الوضع الإقليمي المتميز لإسرائيل بوجود قوة نووية منافسة لها، بل وتتفوق عليها تقليدياً من حيث المساحة والثقل السكاني، كما أن امتلاك غيرها السلاح النووي من شأنه أن يشعل الطلب عليه من جانب باقي دول المنطقة.

مصطفى سعد

الجياة