السعودية تسعى إلى حلّ عقدة علاقة طالبان بالحكومة

السعودية تسعى إلى حلّ عقدة علاقة طالبان بالحكومة

لندن – كشف أعضاء في حركة طالبان عن اجتماع عقد قبل أيام في المملكة العربية السعودية وضمّ ممثلين عن الحركة ووفدا من الحكومة الأفغانية، وتمّت خلاله مناقشة إجراء الانتخابات البرلمانية في أفغانستان وإطلاق سراح عدد من السجناء.

وكشفت مصادر دبلوماسية خليجية أن قطر تعمل بجد لإرباك أي تقدم في المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وطالبان برعاية سعودية.

وقالت المصادر إن قطر لن تسكت على هذا التطور وستعمل على إفشال المفاوضات بكل الطرق على أساس أن ملف طالبان خاص بها. كما أنه سيعيق تمدد إيران إلى الساحة الأفغانية عبر شقوق الصراعات السياسية والتوترات الأمنية كما هو الشأن في ساحات إقليمية أخرى.

ويحمل عقد الاجتماع قبل أقلّ من شهر عن موعد الانتخابات البرلمانية الأفغانية المقرّرة في العشرين من شهر أكتوبر القادم بوادر تحوّل مهمّ في موقف حركة طالبان المتشدّد من المسار السياسي، ما يؤشّر على إمكانية تحقيق اختراق في ملف الأزمة الأفغانية التي طال أمدها.

وقال متابعون للشأن الأفغاني إنّ هناك أكثر من عامل طارئ دخل على الصراع، وقد يدفع نحو إيجاد مخرج سياسي له، عبر إيجاد صيغة ما لتغيير طبيعة العلاقة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، متوقّعين أن يكون لتسلّم السعودية للملف أثر مهمّ في جهود حلحلته.

ويرى هؤلاء أنّ من العوامل الطارئة على الوضع الأفغاني، الدخول القوي والمتزايد لتنظيم داعش على خطّ الصراع في أفغانستان، والذي أعاد خلط الأوراق في البلد، وخلق لحركة طالبان منافسا جديدا على أرضيتها الدينية أشدّ عنفا وتطرّفا من تنظيم القاعدة الذي سبق للحركة أن واجهته، وقد يكون ذلك أحدث قناعة لدى قيادات طالبان بأنّ التفاهم مع الحكومة أفضل من الغرق لسنوات طويلة أخرى في صراع ضدّ أكثر من خصم.

وخلال الأشهر الماضية تبنّى داعش العديد من العمليات الدموية في أفغانستان، معلنا بذلك عن وجوده على الأرض الأفغانية التي تمثّل بالنسبة إليه بتضاريسها الوعرة وبهشاشة الوضع الأمني هناك، وجهة مثالية بعد هزيمته العسكرية في كلّ من سوريا والعراق، وسقوط مساعيه لتأسيس “خلافته الإسلامية” على أراضيهما.

وثاني العوامل بروز شعور لدى الولايات المتحدة، لا سيما في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، بثقل وطأة الملف الأفغاني سياسيا وماليا وعسكريا، وتولُّدت قناعة لدى واشنطن وحلفائها في الناتو بوجوب إيجاد صيغة ما لحلّ سياسي للصراع في أفغانستان، وتسليم الأفغان زمام الأمور في بلدهم.

ويقول مراقبون إنّ السعودية بما لها من ثقل سياسي ودبلوماسي، وأيضا ديني، ستمثّل وسيطا مثاليا ومقبولا لدى جميع أطراف النزاع في أفغانستان، خصوصا بعد فشل محاولات إطلاق مسار للسلام الأفغاني خلال السنوات الماضية انطلاقا من قطر التي شكّكت حكومة الرئيس السابق حامد كرزاي في نزاهتها كوسيط محايد نظرا لما للدوحة من علاقات متينة بالمتشدّدين الإسلاميين.

ولا يتوقّع هؤلاء أن تكون الدوحة وطهران مرتاحتين لجهود الرياض السلمية في أفغانستان، غير مستبعدين أن تتحرّكا لعرقلة تلك الجهود بما لهما من تأثير على الجناح الأكثر تشدّدا داخل حركة طالبان.

ويأتي هذا الاختراق الدبلوماسي ليضاف إلى الدور الفارق الذي لعبته السعودية والإمارات اللتين عملتا على إرساء السلام بين إثيوبيا وإريتريا وفتحتا أبواب تحالف استراتيجي لدول الخليج مع دول القرن الأفريقي.

وقال ثلاثة مسؤولين في الحركة إن ممثلين عنها اجتمعوا مع وفد من الحكومة الأفغانية في السعودية هذا الأسبوع لمناقشة الوضع الأمني في البلاد قبل الانتخابات البرلمانية المقررة الشهر المقبل وإطلاق سراح سجناء.

وعقد الاجتماع قبل أقل من شهر من توجه الناخبين الأفغان إلى مراكز الاقتراع يوم 20 أكتوبر القادم لانتخاب برلمان جديد، وهي عملية أعاقتها مخاوف من هجمات على مراكز الاقتراع والتجمعات الانتخابية.

وإجراء الانتخابات في هدوء ودون حوادث عنف أولوية قصوى للحكومة الأفغانية وشركائها الدوليين.

وقال أحد قادة طالبان “طلبوا منا المساعدة في إجراء الانتخابات في سلام”، مضيفا “الوفد الأفغاني اتفق معنا على إطلاق سراح سجناء”.

وشرح القيادي ذاته أنه تم بالفعل الإفراج عن بعض السجناء الذين يواجهون اتهامات بسيطة وأن المسؤولين قسّموا السجناء الآخرين إلى ثلاث فئات، بحسب أهميتهم لإطلاق سراحهم في المستقبل.

وتمّ خلال الصيف الماضي التمهيد لإطلاق مسار للسلام في أفغانستان انطلاقا من السعودية. وصدر عن مؤتمر احتضنته السعودية نداء للحكومة الأفغانية وحركة طالبان بوقف إطلاق النار وبدء مفاوضات مباشرة بينهما.

ونظرت دوائر إعلامية إلى “المؤتمر الدولي للعلماء المسلمين حول السلام والاستقرار في أفغانستان”، الذي بدأ في يوليو الماضي بمدينة جدّة غربي السعودية، وختم أعماله في مدينة مكّة ذات الرمزية الدينية الاستثنائية لدى المسلمين، باعتباره مقدّمة لحراك سياسي ودبلوماسي ترعاه السعودية وتشارك فيه عدة أطراف ودول معنية بالقضية الأفغانية لأجل إيجاد حلّ سياسي لها على أساس لا غالبَ ولا مغلوبَ، خصوصا وقد تبيّنت مختلف الأطراف عبثية الصراع هناك وعدم إمكانية تحقيق نصر حاسم فيه.

ويستذكر المراقبون “الاختراق الدبلوماسي التاريخي” الذي سبق للسعودية أن حقّقته في أواخر ثمانينات القرن الماضي عبر اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية التي لم تكن أقل تعقيدا من النزاع الدائر في أفغانستان. ويرى هؤلاء أن جميع أسباب النجاح في تكرار مثل ذلك الإنجاز في الملف الأفغاني لا تزال موجودة لدى الرياض.

وكما أنّ للولايات المتحدة مصلحة في إقفال الملف الأفغاني والتخلّص من أعبائه، فإنّ من مصلحة السعودية التي تخوض صراعا ضدّ إيران وتتصدّى مع دول

.أخرى لتدخّلاتها في بلدان جوارها، أن تقفل الساحة الأفغانية أمامها بحلّ للصراع في أفغانستان تضع فيه بصمتها، بدل انتظار ما ستؤول إليه الأحداث والتطورات في تلك الساحة.

العرب