حضر كلٌّ من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وسط مرحلة جديدة من التوتر بين البلدين في أعقاب الانسحاب الأمريكي الأحادي الجانب من الاتفاق النووي المعروف بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة». ولم تُعقَد أي اجتماعات ثنائية بين الجانبين، وإذا كان هنالك أي شئ، فقد ارتفعت نبرة الاتهامات المتبادَلة. وإذا لم تسوء الأمور، فهي لم تتحسّن أيضاً.
وبالنسبة للرئيس الإيراني، لم يؤدِ قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي إلى تدمير عدةَ سنواتٍ من الجهود الدبلوماسية فحسب، بل إلى تحطيم المصداقية السياسية الخاصة بروحاني داخل بلاده وخارجها أيضاً. ولا يمكن تصوّر النجاح في الدبلوماسية النووية دون المسعى الهائل الذي يبذله روحاني للمبالغة في تأثيراته المباشرة على تغيير الحياة في نظر الناس، بنيله تأييد خامنئي من خلال تأكيداته حول جوهرية الاتفاق، وإعطائه المرشد الأعلى أملاً كاذباً بشأن التأثير التطوّري للاتفاق على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لصالح إيران.
وفي الوقت نفسه، لم يكن بالإمكان إتمام الاتفاق دون تصويره للنظراء الغربيين على أنه حلّاً فريداً لتطبيع إيران وتشجيع قيادتها على التخلي عن جدول أعمالها التوسّعي والمزعزع للاستقرار في السياسة الخارجية. لقد أخطأ الغرب، وخامنئي، والشعب الإيراني في وصف الاتفاق النووي على أنه تطوّرياً لصالحهم، ولكن بعد وقت قصير من توقيعه، أصبحت عدم فعاليته في تحقيق وعد التغيّر الحقيقي السريع موضوعاً مشتركاً للشكوى من قبل جميع الأطراف الثلاثة.
لقد استخدم روحاني مفتاحاً كرمزٍ لحملته الرئاسية عام 2013، بافتراضه ضمناً أن التفاوض بشأن القضية النووية كان مفتاحاً رئيسياً سحرياً باستطاعته فتح الأبواب السياسية والثقافية المقفَلة، وحتى ضمان تساوي الحقوق بين المواطنين. ونتيجة تركيزه الجامح على المسائل النووية، كانت أمامه عاقبتان على الأقل. أوّلاً، منذ اليوم الأوّل في منصبه، قرّر روحاني عدم الضغط على المتشددين بشأن القضايا غير النووية من أجل الحصول على دعمهم أو إبطال جهودهم التخريبية التي تستهدف سياسته النووية. ثانياً، من خلال ضمان توقيع اتفاقٍ نووي، خاطر روحاني بكلّ ما لديه. فلم تكن لدى حكومته خطّةً بديلة لأي سيناريو آخر غير نجاح المفاوضات النووية مقرونة بتحقيق نتائج سحرية.
ومن المفارقات أنّ كلّاً من ترامب وخامنئي أعرب عن استيائه من الاتفاق بعد توقيعه، قبل وقتٍ طويل من تولّي ترامب الرئاسة. ومع ذلك، يعرض الرئيسان تفسيراتٍ بديلة عند تقييم مصدر الأزمة الراهنة في إيران. فترامب يعتبر أن الفضل يعود إليه في تحقيق تأثيرات الانسحاب من الاتفاق، وإعادة فرض العقوبات السابقة، واعتماد عقوبات جديدة. ومن جهةٍ أخرى، يقلل خامنئي من دور العقوبات في تدهور الأوضاع المعيشية للشعب، ويلقي اللوم على سوء إدارة الحكومة في انهيار العملة الإيرانية وغيرها من الأعراض المروّعة للضيق الاقتصادي للبلاد.
ولا يمكن للمرء أن يفهم [سياسة] إيران من دون الإقرار بأن أياً من أزمات البلاد ليست جديدة. فقد أثبتت الجمهورية الإسلامية على مر التاريخ أنها غير مؤهَّلة لحلّها. ومبدئياً، لا يمكن التخلص من المطالب الملحة التي تشكلها أزمةٍ ما إلّا من خلال خلق أزمة أخرى، الأمر الذي يؤدّي إلى تصاعد التحديات متعددة الأبعاد مع وجود أمل ضئيل في الخروج منها. إن تصميم الطبقة الحاكمة على إعاقة جهود الإصلاح وإسكات المطالب الديمقراطية من جهة، وتكثيف عملية تجنيد الحكومة بأكملها من جهة أخرى، يؤديان إلى تفتيت المجتمع وعدم تسييس مواطنيه.
ويكشف التعمق في طبقات السياسة الإيرانية أوجه شَبَهٍ قوية بين إيران ودول أخرى “ما بعد مرحلة الحُكم الشمولي”. وللوهلة الأولى، قد يسخر المرء جدّاً عندما يُحاط علماً بالتشابه القوي بين الأصولية الشيعية والامبراطوريات السلطوية المناهضة للأديان. ومع ذلك، تم إنشاء الحكومة الإسلامية في مرحلة ما بعد الثورة وتعزيزها من خلال اتّباع نماذج الأنظمة الاستبدادية المجاورة على أساس طوعي. وبعد أربعة عقودٍ من الزمن، هناك تشابهٌ قويّ بين مخادع إيران المختلفة والسمات الأساسية للأنظمة ما بعد الشمولية في الكتلة الشيوعية السابقة.
وبدلاً من ملاحظة الأزمة التي تواجهها إيران وتحليلها، يتمثّل نهج القيادة [الإسلامية] في إنكار طبيعتها أو تجاهلها أو التقليل منها أو إساءة صياغتها عمداً. ومع تفاقمها، تصبح رؤية النظام وهمية، مما يدفعه إلى معالجة المشاكل من خلال خلق مشاكل أكبر منها. [وعادة ما] تنشأ أزمة ما وتنمو وتتكاثر، إذا لم يتم تبني علاجٍ واقعي أو نهاية حقيقية للأزمة. وبعد أن تتم إعاقتها ووضعها جانباً، تفشل مبادرات المُصلِحين بسبب أخطائهم الخاصة، الأمر الذي يولّد فريقاً متطرّفاً يعيد إحياء مصالح الحكومة في اعتداء فوضوي. ويشعر الناس العاديون بالخيانة من قبل الثورة والإصلاح على السواء، وبالإرهاق من الوعود الخيالية المقترنة بالوقائع المؤلمة.
ونتيجة لذلك، تزداد معاناة الناس ويصبحون غير مسيّسين إلى حد كبير، مما يشكّل السبيل الأفضل للنجاة. إن الرعب الذي يمارسه الجيش الثوري في البلاد والحرب غير المتكافئة في الخارج يوسعان باستمرار حدود الأزمة. وبسبب عجز الجمهورية الإسلامية عن فهم الجوانب الإشكالية أو التداعيات المميتة لسياساتها، ترفض الاعتراف واقعياً بأي أزمة في حد ذاتها، ناهيك عن وضع الطموحات الإيديولوجية جانباً من خلال تصحيح السياسات الفاشلة في الوقت الذي لا يزال هناك وقت للتصرّف.
وكلّما تفاقمت الأزمة، كلما ازداد تساؤل الناس “متى ستنهار الجمهورية الإسلامية؟” إلّا إن السجل الإيراني المنتظم المتمثل في العمل ككيانٍ استبدادي يدعو إلى الوحدة الإسلامية، بدلاً من التصرف كدولةٍ قائمة على مصالحها الوطنية، يطرح سؤالاً أكثر صعوبة، وهو: “ما الذي حافظ الشمولية الثورية الإيرانية من الانهيار حتّى الآن؟”
مهدي خلجي
معهد واشنطن