بغداد .. متى تأسست .. ومن بناها ؟
بغداد عاصمة الدولة العباسية ، ذات التاريخ الزاهر ، والحضارة المجيدة ، وكانت تعد عاصمة من عواصم الدنيا ، لما لها من دور تاريخي ، عاصمة الثقافة والعلوم والفنون ، والتاريخ السياسي ، سجلت حضارتها بمئات السجلات للكشف عن وجهها الحضاري ، ووصفت بأنها من أعظم المدن هندسة واحكاما ، و تتمتع باعتدال المناخ وحسن الموقع .
جاء بناؤها رغبةً من الخليفة أبو جعفر المنصور ، في بناء عاصمة جديدة لدولته ، بعيدة عن المدن التي يكثر فيها الخروج على الخلافة ، كالكوفة والبصرة ، فاختار بغداد ، وتم تأسيسها على الضفة الغربية لنهر دجلة.
ووضع بيده أول حجر في بنائها سنة (145هـ = 762م) واستخدم عددًا من كبار المهندسين للإشراف على بنائها ، وجلب إليها أعدادًا هائلة من البنائين والصناع ، وأكملوا بناءها في عام (149هـ = 766م) وانتقل إليها الخليفة وحاشيته ومعه دواوين الدولة.
وأصبحت منذ ذلك الحين ، عاصمة الدولة العباسية ، وأطلق عليها مدينة السلام ، تيمنًا بدار السلام ، وهو اسم من أسماء الجنة ، أو نسبة إلى نهر دجلة الذي يسمى نهر السلام ، وسميت أيضاً باسم مدينة المنصور ، نسبة إلى حب أبو جعفر المنصور لمدينة بغداد ، وسميت بغداد باسم المدينة المدورة ، حيث قام أبو جعفر المنصور بإعادة بناء بغداد على شكل مدور ، أي دائرة يتم الدّخول إليها من أربعة أبواب ، هي باب الشّام والكوفة وخرسان والبصرة .
وعمل المنصور على توسيعها سنة (151هـ = 768م) بإقامة مدينة أخرى على الجانب الشرقي سماها الرصافة ، جعلها مقرًا لابنه وولي عهده “المهدي” وشيد لها سورًا وخندقًا ومسجدًا وقصرًا ، ثم لم تلبث أن عمرت الرصافة واتسعت وزاد إقبال الناس على سكناها.
وعرف المنصور بعنايته لنشر العلوم المختلفة ، ورعايته للعلماء من المسلمين وغيرهم ، وقيامه بإنشاء “بيت الحكمة” في قصر الخلافة ببغداد ، وإشرافه عليه بنفسه ، ليكون مركزًا للترجمة إلى اللغة العربية.
وقد أرسل أبو جعفر المنصور إلى إمبراطور الروم يطلب منه بعض كتب اليونان ، فبعث إليه بكتب في الطب والهندسة والحساب والفلك ، فقام نفر من المترجمين بنقلها إلى العربية ، وكان يشرف على بيت الحكمة قيّم يدير شئونه ، ويُختار من بين العلماء المتمكنين من اللغات.
وضم بيت الحكمة مجموعة من المترجمين النسّاخين والخازنين الذين يتولون تخزين الكتب ، والمجلدين وغيرهم من العاملين , وظل بيت الحكمة قائمًا حتى داهم المغول بغداد سنة (656هـ = 1258م) ، ما أدى إلى تراجع دورها عبر القرون بسبب الضربات المتوالية والامبراطوريات المتعاقبة المتعددة ، مع الاعتراف بالعراق كدولة مستقلة (كانت في السابق تحت الانتداب البريطاني) عام (1938) ، استعادت بغداد تدريجياً أهميتها السابقة كمركز للثقافة العربية .
بغداد عاصمة العراق:
تعتبرُ بغداد أكبر مدينة في العراق ، وثاني أكبر مدينة في الوطن العربيّ بعد القاهرة ، وتحتلّ المرتبة السادسة عشر عالميّاً من ناحية عدد السكان ، وهي المركز الإداريّ ، والاقتصاديّ ، والتعليميّ للدولة.
وتبلغ مساحتها حوالي (204.2) كيلو متر مربع ، وهي المدينة التي ما زالت تحتفظ باسمها منذ أقدم العصور ، وشهدت بغداد الكثير من العصور والأزمان ، فهي شاهد على حضارات الإنسان القديمة والمعاصرة.
تجاوز عدد سكان بغداد حسب الجهاز المركزي العراقي للإحصاء لعام (2018) الثمانية ملايين نسمة ، و إجمالي عدد سكان العراق تجاوز الـ(38) مليون نسمة.
تعد بغداد مركز تعليمي واقتصادي وإداري للدولة بأكملها ، ويعدّ موقع المدينة موقعاً جغرافياً اقتصاديا مهما ومميزاً من حيث توفر المياه فيها ، مع عدم وجود أخطار لحدوث فياضانات ، وهذا كان سبباً أساسياً في زيادة رقعة المدينة وزيادة نفوذها ، وبسبب سهولة اتصالها من خلال نهر دجلة بواسطة الجسور ، حيث يأتي النهر في منتصف المدينة ليقسمها إلى نصفين هما الرصافة والكرخ .
لبغداد أهمية ثقافيّة وعمرانيّة ، نظراً لاحتوائها على الكثير من المدارس ، والمتاحف ، والمسارح ، والمكتبات ، بالإضافة إلى الآثار الإسلاميّة ، وأسوار المدينة ، ودار الخلافة ، والمدرسة المستنصريّة وغيرها من المعالم.
في العصر الحديث ، كثيراً ما تعرضت المدينة لتدمير كبير لبنيتها التحتية ، آخرها أثناء غزو العراق عام (2003) وما لحقها من تبعات بتدمير معالم المدينة.
اقتصاد بغداد:
تعد بغداد مركزا تجاريّا مهمّا ، كونها نقطة الربط بين دول تركيا وسوريا والهند ومناطق جنوب شرق آسيا ، كما أن بغداد المركز الرئيس للصناعة في العراق ، وتسهم بنسبة (40%) من الناتج المحلي في العراق ، وتُقسم مدينة بغداد إداريا إلى تسعة مناطق ودوائر فرعية.
تحوي المدينة على معامل السجّاد والجلود والمنسوجات ، وتعد مركزًا للعديد من المصانع والورش ، ومصانع للإسمنت والتبغ ، و تكرير النفط يعد أبرز المجالات الاقتصاديّة فيها ، تمتد المناطق الصناعية من مركز بغداد إلى خارجها وضواحيها مثل منطقة التاجي وشمال بغداد.
في شرق بغداد حقل نفطيّ والذي يعد أحد أكبر الاحتياطيّات النفطية في العراق ، بالإضافة إلى أنّ مصفاة الدورة القريبة منه ، تعد ثالث أكبر مصفاةٍ في العراق من حيث الإنتاج ، وكان يعتقد أن كميات النفط فيه متواضعة ، غير أن الحفر بين أن حجمه يزيد عن التقديرات الأولية ، وله امتدادات شمالية في محافظة صلاح الدين ، وجنوبية في محافظة واسط ، ويتجاوز إنتاجه العشرين ألف برميل يوميا ، بينما يقدر إنتاجه الكلي إذا تم تطويره بحدود (120) ألف برميل يوميا.
يوجد في بغداد أكبر ثلاثة مصارف مالية في العراق (المركزي- الرافدين- الرشيد) وأكبر ثلاث شركات للتأمين.
وتحوي بغداد كباقي المحافظات (بابل وكربلاء والقادسية) وسط وجنوب العراق ، على معادن كالألمنيوم والسيراميك والنيكل والمنغنيز والكروم ، لا يعرف حجمها حتى الآن كونها اكتشفت مؤخرا من قبل كوادر عراقية محلية تنقصها خبرة وآليات تحديد حجم تلك الاستكشافات.
وهي بالإضافة إلى ما سبق من أهم المزارات السياحية ، يقصده أكثر من مليون سائحٍ سنويّاً، أمّا من الناحية الزراعية فتنتشر في المدينة بساتين النخيل ، لا سيّما على ضفاف نهر دجلة ، وان كثيرا من توابعها يعتمد على زراعة كثير من الغلات.
أبرز معالم مدينة بغداد:
• المدرسة المستنصريّة: أسّستْ في (1233م) في زمن العباسيّين ، على يد الخليفة المستنصر بالله ، وتحتلُّ مكانة علميّة وثقافيّة مهمّة ، ويوجد فيها نافورة كبيرة ، بالإضافة إلى ساعة عجيبة ، وهي ساعة تعدُّ شاهداً على تقدّم العلم عند العرب في تلك الفترة.
• جامع الخلفاء: بُنيَ على يد الخليفة عليّ المكتفي بالله ، وكان يطلق عليه اسم جامع القصر ، ثمّ سمّيَ باسم جامع الخليفة ، وهو أحد المعالم التاريخيّة في بغداد ، وفي سنة (1327م) ذكره ابن بطوطة عند زيارته لبغداد ، ويحتوي على مآذنَ تاريخيّة ومميزة ، ويعتبر الأثر الوحيد المتبقّي من دار الخلافة العباسيّة ومساجدها.
• الحضرة الكاظميّة: عبارة عن ضريح الإمام موسى الكاظم ، وحفيده الإمام محمد الجواد ، وتمّ بنائها في قبرهما في منطقة الكاظميّة في بغداد.
• جامع الإمام الأعظم: يقع في الجهة الشماليّة من بغداد ، وفي سنة (2003م) دُمّرتْ أجزاءٌ كثيرة منه إثْرَ الحرب.
العراق بجميع محافظاته ، من اكثر دول العالم رصانة في الاقتصاد ، كونه يمتلك خزينا هائلا من الثروات الطبيعية ، ولكن رغم هذا الكم الهائل من الموارد البشرية المعطلة بسبب سوء التخطيط وعدم وجود رؤية اقتصادية واضحة للتنمية الاقتصادية وصل إلى ما وصل إليه الآن.
متى تعود حضارة العراق وأمجاده .. وتعود بغداد العلم والثقافة .. بغداد الحضارة والأصالة .. فهي عبق التاريخ ، وبها كل الشواهد الحضارية على تاريخ الدول الإسلامية ، وهي لا تزال تنبض بكل المعاني السامية في قلوب أهلها ، بغداد .. رائعة العرب .. العاصمة الرائعة للدولة العظيمة العراق ، تجف الأقلام حينما نتحدث عن بغداد وما بها من روائع.
بغداد في خافق الشاعر محمد مهدي الجواهري:
يا أم بغدادَ من ظرف ٍ ومن غنَج
مشى التبغدُدُ حتى في الدهـاقينِ
يا أمَّ تلك التي من ألفِ ليلتـــــها
للانَ يعبق عِطرٌ في التلاحيـــنِ
يا مستجمٌ (النواسيَّ) الذي لبِستْ
به الحضارة ُ ثوباً وشيَ, هارونِ
الغاســــل ِ الهَّم في ثغرٍ وفي حَببُ
والمُلبـــس ِ العقلَ أزياءَ المجانينِ
والسـاحبِ الـــزقٌ يأباه ويكرهـــهُ
والمُنفق ِ اليـــومَ يُفدي بالثلاثـين
والراهنِ السابريَّ الخزَّ في قــدح
والملهم الفنَ ممن لهو ٍ أفــــانين
والمُسْمع ِ الدهرَ والدنيا وساكنها
قْرعَ النواقيس في عيدِ الشعانينِ
يا دجلة الخير: والدنيا مُفارقـــــة
وأيُّ شرٍّ بخيـــــــر ٍ غيرُ مقرونِ
وأي خيرٍ بلا شرَّ يُلقٌحَــــــــــــــه
طهرُ الملائك منْ رجس الشياطين
شذى خليل *
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية