تمكّن موقع “ميديابارت” الاستقصائي الفرنسي من الحصول على جميع الشهادات التي أرسلها سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي إلى القضاة، والتي كشف فيها عن تفاصيل التمويل الليبي للرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، مقابل إعادة محاكمة عبد الله السنوسي في قضية تورطه بالهجوم على طائرة فرنسية عام 1989.
وضمن ملف تحت عنوان “الأموال الليبية لساركوزي”، خصصه الموقع للكشف عن خفايا العلاقة الليبية الفرنسية إبان عهد القذافي وساركوزي من خلال وثائق وشهادات، أكد سيف الإسلام عبر شهادة مكتوبة وجهها للقضاة الفرنسيين يوم 11 يوليو/تموز الماضي خلال وجوده ضيف شرف بفندق فرنسي تسلم كلود غيان (أصبح لاحقا وزيرا للداخلية في عهد ساركوزي) مبلغ 2.5 مليون يورو نقدا من البشير صالح المدير السابق لمكتب القذافي لدعم الحملة الانتخابية لساركوزي عام 2007.
وكان سيف الإسلام قد طالب يوم 16 مارس/آذار 2011، قبيل التدخل العسكري الغربي في ليبيا أمام كاميرا تلفزيون يورونيوز، بأن “يعيد ساركوزي الأموال التي قبل بها من ليبيا لتمويل حملته الانتخابية”.
وفي تصريحات حديثة يقول “كنت أول من ذكر تمويل حملة ساركوزي أمام وسائل الإعلام بعد أحداث فبراير/شباط. لم أطلب إذن أحد بذلك، لأن ساركوزي أظهر أنه لم يكن حليفا مخلصا ولعب دورا حاسما في الصراع المتفاقم في ليبيا”.
وبعد سبع سنوات، يواجه الرئيس الفرنسي تهما بالتغاضي عن الفساد، وتمويل الحملة الانتخابية بشكل غير قانوني، وإخفاء اختلاس الأموال العامة الليبية.
وثيقة وخفايا
ونشر الموقع الاستقصائي أهم ما جاء في الوثيقة التي صاغها سيف الإسلام والتي تظهر علاقة النظام الليبي بفريق ساركوزي، وجاء فيها:
يؤكد سيف الإسلام القذافي الدور الأساسي لرجل الأعمال الفرنسي اللبناني زياد تقي الدين، وعلى تلقي غيان للأموال، وعلى وعود بالعفو عن السنوسي، وعلى دور تييري هيرتسوغ محامي ساركوزي في هذه القضية.
وقال: محمد عبد الله السنوسي نجل عبد الله السنوسي -مدير المخابرات العسكرية وصهر معمر القذافي حينها- التقى تقي الدين الذي قدّم نفسه بوصفه صديقا لساركوزي، واقترح تنظيم زيارة للرئيس الفرنسي الأسبق إلى العاصمة طرابلس، وتولى سنوسي تنظيم الزيارة واللقاء.
وأضاف سيف الإسلام: تقي الدين تحدث إلى السنوسي الذي بدوره خاطب القذافي وناقشه بخصوص ترشح ساركوزي لرئاسيات (2007)، ووعد (القذافي) بالنظر في الأمر.
بعد ذلك، قام تقي الدين بالتنسيق مع عبد الله السنوسي وابنه محمد بتنظيم زيارة وزير الداخلية حينها نيكولا ساركوزي، وحذّرَنا من مجيئه.
وذكر أن ساركوزي التقى القذافي يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 2005، وناقش كلاهما طلبه للحصول على الدعم للانخراط كمرشح في حملة الانتخابات الرئاسية.
كان ساركوزي ينافس المرشح دومينيك دو فيلبان، وقد كانت فرص نجاح الأخير ضئيلة، التي تأكدت من خلال تقارير أعدت خصيصا لهذا الغرض، مما شجع الدولة الليبية على الاهتمام بمسألة دعم ساركوزي، التي تلقاها فعلا على شكل مبلغ نقدي قيمته 2.5 مليار يورو.
ويقول سيف الإسلام: ثم أرسل ساركوزي كلود غيان ممثلا له لتلقي الأموال، وعلمت من البشير صالح أنه تلقى المبالغ النقدية في مكتبه. أخبرني البشير صالح أن الحقيبة التي كانت مع غيان لم تكن لتستوعب المبالغ بسهولة، مما دفع غيان للصعود فوقها والضغط عليها بقدميه لإغلاقها، قبل أن يعود بها إلى فرنسا.
وتابع قائلا: كان تقي الدين على علم بكل هذه التفاصيل التي تابعها ونسقها. وفي وقت لاحق، أبلغني عبد الله السنوسي أن زياد تقي الدين أبلغه أن ساركوزي سيكون مستعدا للتدخل في الجهود الرامية إلى إثبات براءته في قضية “يو تي آي” (التي اتهم فيها بتورطه في تفجير طائرة تابعة لشركة “يوتا” الفرنسية في الأجواء النيجرية، وقد قتل نحو 170 من ركابها عام 1989 من بينهم 54 مسافرا فرنسيا)، بسبب ضعف الأدلة ضده.
وبحسب ما ورد، قال ساركوزي إنه سيستخدم محاميا يدعى تييري هيرزوغ للقيام بهذه المهمة.
تدخّل ومقابل
وذكر القذافي الابن أن السنوسي طلب تدخله لأن ساركوزي طلب زيادة قدرها مليونا يورو، وقد ناقش بدوره الأمر مع رئيس الوزراء الليبي حينها البغدادي المحمودي بما أن ليبيا كانت مستهدفة من خلال اتهام السنوسي.
وقال: أبلغني البغدادي أن الموضوع ستتم دراسته، وأن المشاورات ستجري مع القيادة العليا لتخصيص المبالغ ودعم انتخاب ساركوزي من الأموال المخصصة للسياسة أو أتعاب المحاماة في الشؤون الدولية المعروفة. وقد تم بالفعل زيادة الدعم المقدم إلى ساركوزي، إلا أنني لست على علم بكيفية القيام بذلك وشروط الدفع.
وتابع: فاز ساركوزي في الانتخابات الرئاسية وانطلق في أول زيارة له إلى ليبيا إلى فندق المهاري، إليكم هذه الحقيقة التي ميّزت الزيارة: كان السنوسي سيلتقي بساركوزي في فندقه، لكن البروتوكول الفرنسي دعا إلى إلغاء الاجتماع وزيارة الفندق خوفا من الصحفيين، وكي لا يحرج الرئيس ساركوزي بلقائه متهما بتفجير الطائرة الفرنسية. فقام الرجلان بإجراء مكالمة هاتفية، شكر ساركوزي خلالها السنوسي على الدعم الليبي له. وقد ناقشا إغلاق قضية السنوسي، وأكد ساركوزي قرب إغلاق الملف وتصنيف القضية دون تحديد المسؤولين عنها.
ويختم بالقول: تم تسجيل المكالمة، وأنا شخصيا استمعت إليها لاحقا. توجد نسختان من هذا التسجيل، واحدة في أرشيف الاستخبارات الليبية، والثانية في مكان ما مع السنوسي.
المصدر : ميديابارت