حذر حلف شمال الأطلسي من النشاط المتزايد للغواصات الروسية، والذي قال إنه سجل أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة، وسط تزايد مخاوف دول الناتو من التعبئة العسكرية الروسية، لا سيما تحت سطح البحر، حيث يتوقع أن تستهدف الغواصات الروسية المتطورة كابلات الإنترنت.
لندن – بعد سلسلة من التحذيرات الأميركية والبريطانية بشأن محاولات روسية لضرب شبكة الإنترنت العالمية، يتوقع مراقبون أن تتجه واشنطن ولندن نحو تنفيذ عملية عسكرية لمواجهة تمدد سلاح الغواصات النووية الروسية حول مناطق كابلات الإنترنت الرئيسية التي تمر من خلالها كل معلومات النظام المالي العالمي.
في السابق، كان الموضوع الرئيسي في القمم الكبرى هو التقليل من خطر اندلاع حرب نووية، أما اليوم، فهناك خطر آخر لا يقلّ أهمية، وبل ويأتي في المقام الأوّل، وهو الحرب الرقمية، ضمن أجواء مشابهة للوضع العالمي خلال الحرب الباردة، لكن بمعطيات المرحلة الراهنة.
وفي أواخر أربعينات القرن الماضي، اختبر السوفييت سلاحهم النووي الأول، وكسروا الاحتكار الأميركي في هذا المجال. ورغم أن العالم شهد فترة “هدوء” بين الشرق والغرب بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في سنة 1991، وانكماش روسيا على مشاكلها وهزيمتها، إلا أن نيران الحرب الباردة لم تخمد.
وتعود هذه الحرب، التي تزداد حرارة يوما بعد يوم، لكن لم يعد التهديد النووي هو الخطر الذي يجب تفاديه وردع الروس بسببه، بل الصراع في الفضاء السيبراني الممتدّ من الأرض إلى أعماق البحار.
ومثلما كانت الغواصات السوفييتية والأميركية أحد أسلحة الحرب الباردة التي وصلت إلى ذروتها في أعماق البحار والمحيطات، تعود هذه الأسلحة لتلعب دورا مماثلا في الحرب بين روسيا فلاديمير بوتين من جهة وحلف الناتو، بما يمثله من حلف أميركي أوروبي من جهة أخرى.
وحذر الأدميرال جيمس فوغو، الذي يرأس قيادة حلف الناتو للقوات المشتركة في نابولي، من أن روسيا تعزز قدراتها القتالية تحت الماء في تحدّ مباشر للقوات الأميركية في المحيط الأطلسي والبحر المتوسط. وقال فوغو إن الروس يستثمرون بكثافة في أسطول غواصاتهم.
وفي حين أن قوة الغواصات الروسية لا تزال أصغر من سابقتها السوفييتية، فإن القدرة الصاروخية المضافة قد دفعت البعض إلى القول إن حلف الناتو يحتاج إلى النظر إلى أقصى الشمال، أي إلى ما وراء الفجوة بين غرينلاند وأيسلندا والمملكة المتحدة التي كانت ممرا للغواصات الروسية التي دخلت المحيط الأطلسي أثناء الحرب الباردة.
هجوم كارثي
قال الأدميرال جيمس ستافريديس، من البحرية الأميركية، “لا توجد أقمار صناعية في السماء، بل أنابيب في قاع المحيط تشكل العمود الفقري لاقتصادات العالم. لقد سمحنا لهذه البنية التحتية الحيوية بأن تنمو بشكل يعرضها للخطر، وهذا يجب أن يقلقنا جميعا”.
وكانت بريطانيا من أول دول الناتو التي صعّدت من موقفها تجاه التحرك العسكري الروسي عبر المحيطات، حيث دعت، منذ أكثر من سنة، حلف شمال الأطلسي إلى حماية كابلات تمرّ في عمق البحار، وحذّرت من هجوم كارثي محتمل من البحرية الروسية، قد يتسبب في تعطيل تحويلات مالية تصل قيمتها إلى التريليونات من الدولارات.
وقال رئيس الأركان العامة البريطانية والرئيس المستقبلي للجنة العسكرية للناتو، ستيوارت بيتش، إنه يمكن لروسيا أن تهدد سلامة الكابلات في أعماق البحار التي تربط بين الولايات المتحدة وأوروبا، والتي تعد أيضا ضرورية لضمان سلامة شبكة الإنترنت وإجراء التجارة الدولية في أعماق البحار التي تربط بين الولايات المتحدة وأوروبا.
ويبدو أن الناتو قرر التعاطي بجدية أكثر مع هذه التهديدات، التي ردّ عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقوله إن الغرب أصيب بـ“هوس تجسّسي”. وستكون التدريبات العسكرية القادمة التي سيقوم بها الناتو في النرويج والتي ستكون أكبر تدريبات حدثت منذ الحرب الباردة، الأمر الذي يؤكّد جدّية الحرب ضد روسيا. وقال فوغو إن هذه التدريبات تساعد الجنود على ردع “أي خصم يتعدى حدود أي عضو من أعضاء الناتو“.
ونقلت مجلة بنزنس انسايدر عن مصادر في حلف شمال الأطلسي أن أساطيل الناتو قامت بتكثيف تكتيكات الحرب المضادة للغواصات، خاصة بعد أن أظهر الروس القدرة على الوصول إلى جميع عواصم أوروبا إلى حد كبير من أي جهة من المياه تحيط بالقارة الأوروبية.
وحسب تقرير مخابرات أميركي، تجهز روسيا أسطول غواصاتها الجديد. ويشير التقرير إلى أن غواصات من طراز بوري 2 ستكون قادرة على إطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات مسلحة بأسلحة تفوق سرعة الصوت.
ويمكن لكل غواصة أن تطلق ما يصل إلى 200 سلاح أسرع من الصوت، مما يشكل تهديدا كبيرا للغرب إذا ما اندلعت حرب عالمية أخرى. ويمكن أن تفوق سرعة السلاح سرعة الصوت وأن يسافر حوالي ميل واحد في الثانية، مما يجعله أسرع بخمس مرات على الأقل من سرعة الصوت.
وتعتبر الغواصات الروسية من طراز بوري2 النموذج الأول من الغواصات التي طورتها روسيا منذ الحرب الباردة. وخفض الرئيس الروسي من تمويل مشاريع عسكرية أخرى لتمويل هذا البرنامج الطموح.
حذّر مسؤولو البحرية في الناتو من الغواصات الروسية، التي أصبحت أكثر تطورا ونشاطا وتعمل الآن بشكل أكبر من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة. وقال فوغو إن غواصات الولايات المتحدة مازالت تحتفظ بقدراتها، لكن الغواصات التي تستطيع روسيا نشرها الآن “ربما تكون من أكثر الغواصات الصامتة والفتاكة في العالم“.
وأشار إلى أن 6 غواصات هجينة من طراز كيلو، “تعمل حاليا بفاعلية وكفاءة عاليتين في البحر الأسود وشرق البحر المتوسط”، مضيفا أن هذه الغواصات مزودة بصواريخ من نوع كاليبر طويلة المدى وقادرة على الوصول إلى أي عاصمة أوروبية.
وصواريخ كاليبر تشمل مضادات السفن ومهاجمة اليابسة ومضادات الغواصات، وموجودة منذ التسعينات. ووفقا لمشروع الدفاع الصاروخي الأميركي يمكن إطلاق صاروخ الهجوم البري من كل من الغواصات وأسطح السفن. ويمكن لهذا الصاروخ أن يحمل رأسا حربيا يبلغ وزنه 1000 رطل موجها للأهداف بين 930 ميلا و1200 ميل. ويقدر ارتفاع طيرانه بنحو 65 قدما فوق البحر و164 إلى 492 قدما فوق الأرض.
وردا على سؤال حول أفضل مثال على تطور الغواصات الروسية، أشار فوغو إلى صواريخها وقدرتها الكبيرة على شن هجمات صاروخية. وقال إن سفن وغواصات البحرية الروسية أطلقت 100 صاروخ مجنح من طراز كاليبر على مواقع الإرهابيين في سوريا.
وشكلت الحرب في سوريا ميدان اختبار رئيسي للأسلحة الروسية المتطورة. وبعد الضربات الأولى في سوريا، قالت وزارة الدفاع الروسية إن صواريخ كاليبر “كانت دقيقة” و”على بعد أمتار قليلة”، وبهذه المقومات لا تختلف كثيرا عن صواريخ توماهوك الأميركية.
وفي أكتوبر 2011، أطلقت السفن الحربية الروسية في بحر قزوين 26 صاروخا من طراز كاليبر على أهداف داعش في سوريا.
وأطلقت الغواصة فيليكي نوفغورود ثلاثة صواريخ من شرق البحر المتوسط على أهداف داعش في شرق سوريا في عملية أخرى في نفس الشهر. وفي ديسمبر أطلقت غواصة روسية أربعة صواريخ بينما كانت في طريق عودتها إلى مينائها على البحر الأسود.
بعد تجربة الصواريخ في سوريا، ذكر مسؤول في صناعة الدفاع الروسية أن بلاده تعتزم وضع صواريخ كاليبر على كل الغواصات النووية وغير النووية والفرقاطات والسفن الكبيرة، وأنه من المرجح أن يتم تحديثها على السفن القديمة أيضا.
وأعرب فوغو عن مخاوفه من أن يتمكن الروس من القيام بذلك فعلا، مشيرا إلى أنه “إذا أطلقت صواريخ كاليبر من أي جهة من منطقة المياه التي تحيط بأوروبا، فإنه يمكن أن تصل إلى أي من العواصم الأوروبية“.
ونقلت مجلة بزنس انسايدر عن المسؤولين الأميركيين قولهم إن الغواصات الروسية تختبئ تحت العديد من المناطق الحيوية تحت سطح البحر؛ في إستراتيجية مماثلة لتلك التي اتبعتها الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة.
وقال ماغنوس نوردنمان مدير المبادرة الأمنية عبر المحيط الأطلسي في المجلس الأطلسي “الغواصات الروسية تعتبر مصدر قلق. فمن ناحية، لأنها يمكن أن تُغرق السفن، ومن الناحية الأخرى لأنه يمكن إطلاق الصواريخ ضد الموانئ والمطارات وغيرها”.
وقال فوغو “نعرف أن الغواصات الروسية موجودة في المحيط الأطلسي، تختبر دفاعاتنا، وتواجه قيادة البحار، وتعد ساحة معركة معقدة للغاية تحت الماء في محاولة لمنحها التفوق في أي صراع مستقبلي. نحن بحاجة إلى ردع هذه القدرة”، من خلال المزيد من التركيز على الحرب المضادة للغواصات، وهي أحد مظاهر القتال البحري الذي ركزت عليه قوات الناتو بعد الحرب الباردة.
وطلبت البحرية الأميركية المزيد من الأموال لشراء سونوبويز، وهي عبارة عن إمدادات تم تقليص العمل بها بعد عملية مضادة للغواصات غير متوقعة وقعت في عام 2017.
كما يعتزم أعضاء الناتو شراء المزيد من طائرات بي 8 آيه بوسايدونز الأميركية الصنع، والتي تعتبر أفضل طائرة مضادة للغواصات في السوق، لكن قدرة صواريخ كاليبر المضادة للسفن تثير أيضا تساؤلات حول ما إذا كانت تكتيكات الحرب المضادة للغواصات نفسها بحاجة إلى التغيير، وفق كريستفور موودي.
حرب عالمية ثالثة؟
في وقت سابق من هذا العام سخر بوتين من حلف شمال الأطلسي من خلال وصفه لترسانة بلاده البحرية الأسرع من الصوت باعتبارها “لا تقهر”. وقال إن تطوير الأسلحة سيجعل أنظمة الناتو الدفاعية “عديمة الفائدة تماما”.
وكان لافتا استعماله، في ذلك الخطاب الذي ألقاه في موسكو، مفردات الحرب الباردة، حيث قال “ليست لدينا خطط للاعتداء. لن نأخذ شيئا من أحد. الجيش الروسي القوي هو ضامن للسلام على كوكبنا، ولكن أي استخدام للأسلحة النووية ضد روسيا أو حلفائها، أي نوع من الهجوم، سيعتبر بمثابة هجوم نووي ضد روسيا، وردا على ذلك، سنتخذ إجراءات فورية، بغض النظر عن العواقب. لا ينبغي لأحد أن يشك في ذلك”.
ويرى المحلل في صحيفة “إكسبرس” البريطانية، توم بافريرتي، أن الولايات المتحدة لا تملك في الوقت الحالي القدرة على الدفاع عن نفسها ضد أسلحة روسيا الأسرع من الصوت. وفي مارس، حذر القائد العسكري الأعلى للجيش الأميركي من أن روسيا “تعمل على تطوير قدرات وأسلحة تفوق سرعة الصوت”.
وأضاف قائد سلاح الجو الأميركي، جون هيتن “ليست لدينا أي أنظمة دفاعية يمكنها صد استخدام مثل هذا السلاح ضدنا. سيكون ردنا فقط عن طريق قوة الردع التي نمتلكها، وهي الثالوث النووي والقدرات النووية الأخرى التي يتعين علينا اللجوء إليها استجابة لمثل هذا التهديد”، ما يعني أن حربا عالمية ثالثة على الأبواب.
غواصات روسية تتعقب السفن البريطانية
لندن – تأتي تقارير نشرتها وسائل إعلام بريطانية عن شأن اختراق روسي للمياه البريطانية، وأن موسكو تقوم برسم خرائط لشبكات الاتصالات والطاقة والإنترنت تحت الماء، لتضاف إلى لائحة طويلة من شكاوى حكومات غربية من قيام أجهزة استخبارات روسية بتدبير حملات قرصنة إلكترونية عالية المستوى ضدها.
وذكرت التقارير أن الغواصات النووية الروسية تتتبّع سرا السفن البريطانية بعد دخولها لمياه المملكة المتحدة دون اكتشافها.
وتستطيع الغواصات أن تسافر بسرعة هادئة بفضل هياكلها المائية الفعالة وأنظمة التسيير النفاثة المضادة للصوت مما يسمح لها بالهروب من أنظمة الدفاع تحت الماء بما في ذلك السونار. وقالت مؤسسة هنري جاكسون، وهي مؤسسة أبحاث في الشؤون الخارجية، إنه تم اكتشاف عدد متزايد من السفن البحرية الروسية في المياه البريطانية، بما في ذلك بالقرب من قاعدة فاسلين، في يوليو من العام الماضي.
ونقلت صحيفة “ميل اون صنداي” عن مصدر دفاعي بريطاني أن السلطات البريطانية تعتقد أن غواصة روسية تركز اهتمامها على شبكة أنابيب تحت البحر في بحر المناش وتتبع السفن التي تغادر قاعدة فاسلين البحرية البريطانية في غرب اسكتلندا.
12 عملية بحرية روسية تم الإبلاغ عنها في بحار المملكة المتحدة بين عامي 2013 و2016
وأضاف المصدر أن “أنظمة الدفع في هذه الغواصة الجديدة أكثر تعقيدا وتطورا بكثير. نتيجة لذلك، فإن الغواصة تسير بشكل أكثر هدوءا بكثير من سابقاتها. فحتى وقت قريب، كانت الغواصات الروسية تسير محدثة ضوضاء بشكل مزعج”.
وذكر أن السفينة، التي يعتقد أنها غواصة نووية دخلت سرا إلى المياه البريطانية. وكانت هناك 12 عملية بحرية روسية تم الإبلاغ عنها في بحار المملكة المتحدة بين عامي 2013 و2016، حيث ردت البحرية الملكية على السفن الحربية الروسية التي تقترب من المياه البريطانية 33 مرة في عام 2017.
ووصف العميد البحري جيري كيد، القائد الأعلى للقوات البحرية الملكية، نشاط الغواصات الروسية بأنه “مخيف”، مضيفا أن روسيا أظهرت “نية واضحة” بزيادة نشاطها البحري في السنوات الأخيرة. وقال الأدميرال جيمس فوغو، الذي يرأس قيادة حلف الناتو للقوات المشتركة في نابولي، “يرى الروس أن هناك مجالا يقبل التحدي، ووجدوا أن هذا المجال هو سلاح البحرية”.
العرب