بيروت – شكل إعلان رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري عن عزمه عدم قبول إعادة تكليفه في حال اعتذر عن تشكيل الحكومة صدمة لدى الطبقة السياسية في لبنان.
واعتبر مراقبون أن هذا الموقف يعتبر إنذارا لكل التيارات السياسية بأن المراوحة في تشكيل الحكومة ستفتح الباب على أزمة أكبر في حال تخلى الحريري عن المهمة.
وكان الحريري قد فاجأ الصحافيين، الثلاثاء، بالإعلان أنه “في حال اعتذرتُ عن التشكيل فإنني لن أطلب من أحد أن يكلفني، والظروف التي سادت في حكومتي الأولى عام 2009 مختلفة عن الظرف اليوم”.
ويقول مقربون من تيار المستقبل إن الحريري لا يهدد ولا يهوّل كما أنه لا يمارس ابتزازا في هذا الشأن، بل هو يعبر عن حالة “قرف” أصيب بها على الرغم من سعيه الدائم إلى رفع منسوب التفاؤل وإعطاء جرعات من الإيجابية تطمئن اللبنانيين والأطراف الدولية المهتمة بالشأن اللبناني.
وقالت مصادر برلمانية إن تصريحات الحريري أتت كرد بشكل مباشر على “المنحى التعطيلي والتشاؤمي” الذي اتخذه المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، والذي اعتبر محبطا للآمال التي أطلقها الحريري الأسبوع الماضي بتشكيل الحكومة خلال أسبوع أو عشرة أيام.
وأضافت المصادر أن تصريحات الحريري استندت على دينامية حيوية يعتمدها هذه الأيام للتوصل إلى الصيغة الحكومية وليس على يأس من إمكانية الأمر، بما في ذلك تشكيل الحكومة ضمن المهلة التي أعلن عنها.
ويقول القيادي في تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش إن تفاؤل الحريري استند على مباحثاته الأخيرة مع رئيس الجمهورية ميشال عون الذي وعد الحريري بالعمل على تسهيل عملية تشكيل ضمن هذه المهلة، والإعلان عن تشكيلها بعد عودة عون من أرمينيا الذي غادر إليها، الأربعاء، لحضور القمة الفرنكوفونية.
وعلى الرغم من أن خطوات باسيل لا تتناقض عادة مع خطوات عون، فإن المراقبين رأوا في موقف الأول توزيع أدوار مع موقف الثاني على نحو يرسل إشارات متناقضة وضبابية تربك الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد، كما تسبب قلقا لدى الدول المانحة في مؤتمر “سيدر” يفيد بأن المانحين قد لا ينتظرون طويلا وأن وعود المؤتمر قد لا يمكن الوفاء بها مستقبلا.
واهتم المتابعون بالاتصالات التي أجراها الحريري في الساعات الأخيرة، لا سيما من خلال استقباله للوزير وائل أبوفاعور موفدا من الزعيم الدرزي وليد جنبلاط والوزير ملحم رياشي موفدا من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
وقالت بعض المعلومات إن هذه المشاورات لم تكن إيجابية على النحو الذي دفع الحريري لإطلاق مجموعة من المواقف التي تتراوح بين التفاؤل والتحذير من الوضع الاقتصادي وصولا إلى التلويح بالاعتذار وعدم قبول إعادة التكليف.
ورصد المراقبون تصعيدا في لهجة جنبلاط بما يعكس أجواء رفضه لشروط بعبدا وباسيل كما رفضه للاستفراد بالقوات اللبنانية بعد الكلام عن حلحلة طرأت على “العقدة الدرزية”.
وأكد جنبلاط أن الدعوة إلى “التسوية مطلوبة من جميع الفرقاء لكن حذار أن يفسرها البعض أيا كان أنها تنازل عن الثوابت”.
وأضاف في تغريدة على تويتر “على هذا لن نقبل بأحصنة طروادة جديدة في الوزارة المقبلة. يكفي الموجود والمتحكم على حساب الكفاءة والإنتاجية والإصلاح”، خاتما التغريدة بالقول “إن هذا التوضيح ضروري لإسكات أصوات النشاز ونعيق البوم”.
وحذف جنبلاط الجزء الأخير واستبدله بالقول “على أمل أن يكون هذا التوضيح كافيا في هذه اللحظة السياسية”.
ان الدعوة الى التسوية كما سبق وأشرت مطلوبة من جميع الفرقاء لكن لا تعني التنازل عن الثوابت.لذا حذار من الاتيان بأحصنة طروادة جديدة الى التشكيلة الوزارية.يكفي المطروح على حساب الكفاءة والانتاجية والاصلاح .على أمل ان يكون هذا التوضيح كاف في هذه اللحظة السياسية
ولفت مراقبون إلى أن الحريري انتقد في تصريحاته باسيل واعتبر أن كلامه “غير إيجابي”، بما يؤشر إلى انتقال الحريري إلى أسلوب صدامي مع رئيس “الوطني الحر” وربما أخذ مسافة من التفاهم الذي تم إبرامه بين الرجلين برعاية مدير مكتب الحريري السابق نادر الحريري.
وأضاف هؤلاء أن موقف الحريري يأتي على خلفية أجواء رفض القوات اللبنانية للصيغ المقدمة لحل “العقدة المسيحية”.
وكانت أنباء قد تحدثت عن تنازل عون عن منصب نائب رئيس الحكومة الذي كان يطالب به من ضمن حصته داخل الحكومة، غير أن مصادر تحدثت عن أن المسألة لدى القوات تتعلق بنوعية الحقائب المعروضة وليس عددها، وأن منصب نائب رئيس الحكومة ليس ترضية كافية لموافقة القوات على الإخراج الحكومي المتوخى.
وفيما لم يصدر أي موقف واضح من الدوائر القريبة من رئيس مجلس النواب نبيه بري، توقف المراقبون عند ما نقل عنه أمس بضرورة التواضع في المطالب والإسراع في تشكيل الحكومة لأن الوضع الاقتصادي لا يحتمل أي تأجيل، وأنه إن لم تُشكّل حكومة خلال هذا الشهر “سأدعو إلى جلسة تشريعيّة”.
ورأى المراقبون أن ذلك يوحي بأن عراقيل حقيقية ما زالت تقف دون تشكيل الحكومة.
ورغم أن الحريري استمر في الحفاظ على تفاؤله وفي أن الحكومة ستشكل “خلال عشرة أيام” مؤكدا أن كافة الفرقاء قدموا تنازلات من أجل ذلك، تساءل المراقبون عن السر الذي يقف دون تشكيل هذه الحكومة رغم هذه التنازلات التي يتحدث عنها الحريري. ومع ذلك نقل عن بري قوله إن “هناك حركة ناشطة والبعض يتحدث عن أجواء إيجابية واعدة”.
العرب