في الساعة الثامنة صباحا بالتوقيت المحلي للأردن وسوريا، بدا المشهد بمعبر نصيب جابر الحدودي مختلفا، بعد أن دبت فيه الحياة وعادت إليه حركة المسافرين والبضائع إثر توقفها لنحو ثلاث سنوات.
“أشكر كل الجهود الأمنية التي استطاعت فتح المعبر وكسر الحدود حتى لا تبقى أي عوائق بيننا”، هكذا تحدّث أول شخص دخل المعبر، متطلعا للمزيد من الدفء في العلاقات بين البلدين الجارين.
ولا يبدو أن هذه التطلعات خارجة عن السياق، فمع إعادة افتتاح المعبر الرئيسي بين البلدين، يرجح خبراء بدء “إذابة الجليد” بين دمشق وعمّان خاصة بعد أن رحّب رئيس مجلس الأعيان الأردني فيصل الفايز في تصريحات له قبل أيام بعودة السفير السوري وتبادل السفراء، معتبرا أن سوريا بلد جار، وأن المملكة تسعى إلى إعادة العلاقات.
ومنذ أبريل/نيسان 2015 أغلق معبر نصيب جابر الحدودي بعد إغلاق معبر الجمرك القديم الرمثا درعا، الذي سيطر عليه مقاتلو المعارضة في أكتوبر/تشرين الأول 2014.
إغلاق وتراجع
ومع هذا الإغلاق تراجعت قيمة التبادل التجاري بين البلدين، وشكّل الأمر ضربة موجعة لاقتصاد المملكة التي كان المعبر قبل الحرب شريانا مهما لاقتصادها، إذ كانت تصدر عبرها بضائع أردنية إلى تركيا ولبنان وأوروبا، وتستورد عبرها بضائع سورية ومن تلك الدول، فضلا عن التبادل السياحي بين البلدين.
ويبدو أن ما يجري في سوريا عمليا ليس في مصلحة الأردن، خاصة من الناحية الاقتصادية، فبحسب المحلل السياسي فايز الفايز فإنه و”مع اقتراب نهاية الصراع في الجارة الشمالية سوريا بعد ثماني سنوات، بات واضحا جداً التبعات الثقيلة على الأردن اقتصاديا”.
تغيير السياسة
ومن وجهة نظر المحلل ذاته، فإن “هذا ما دفع بمسؤولين أردنيين إلى التفكير في تغيير في سياسة القطيعة مع الجانب السوري، الذي تمكّن من البقاء بدعم روسيا وإيران، لتأمين حركة الاقتصاد وتسهيل مهمة عودة اللاجئين بصورة آمنة”.
وغير بعيد عن مقولة الاقتصاد محرك التاريخ، فقد بات “الانفتاح الأردني على سوريا الرسمية يقترب من بدايته على ما يبدو، اعتمادا على الأسس السياسية في العلاقات الدولية”، وفقا لتصريحات المحلل ذاته.
لكن الأمر ليس بهذه السهولة لتعود العلاقات كما هي عليه عام 2010، فبالنسية للأردن يبدو التعامل مع النظام السوري مشوبا بالحذر، ورغم مصلحته العليا في إذابة جليد العلاقات، لا يبدو أن المهمة سهلة أو سريعة، وفقا لوجهة نظر الفايز.
دفء العلاقات
ومن الواضح أن الحديث عن إعادة دفء العلاقات ليس وليد اللحظة، فقد دعا برلمانيون وسياسيون سابقا إلى ذلك.
ولعّل الأبرز هو تصريح رئيس مجلس الأعيان الأردني فيصل الفايز بأن الأردن لا يمانع في وجود سفير سوري في المملكة. فقد قال في مقابلة مع موقع “روسيا اليوم” إن السوريين لم يعينوا سفيرا لهم في الأردن بعد بهجت سليمان الذي تم إبعاده من الأردن.
وتابع “سوريا جارة لنا، ويجب أن يكون هناك تواصل بين الحكومتين على المستوى السياسي، ونتمنى أن تتطور هذه العلاقة لما فيه خير البلدين”.
ويعكس هذا التصريح في جانب منه الموقف الرسمي خاصة وأن مجلس الأعيان يُسمى من قبل الملك مباشرة، ويضطلع -بحسب الدستور- بوظيفتين أساسيتين هما الوظيفة التشريعية والوظيفة الرقابية.
أما عضو مجلس النواب الأردني (الغرفة الأولى للبرلمان) طارق خوري فشدد على “حتمية” عودة العلاقات، معززا فرضيته بعلاقات الشعبين الأردني والسوري، وبأنه لا يمكن فصلهما عن بعضهما.
ترجيحات وانعكاسات
ووسط ترجيحات بأن ينعكس فتح المعبر على العلاقات السياسية بين الأردن وسوريا، لا يبدو الوضع على الحدود العراقية السورية بمعزل عما يحدث.
فقبل يوم بحث وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري مع نظيره السوري وليد المعلم في دمشق إعادة فتح المعابر الحدودية بين البلدين.
ولم ينس الوزيران التأكيد على أن هذا الأمر الذي سينعكس إيجابًا على حركة تبادل البضائع وانتقال الأشخاص، يساهم في تعزيز صمود البلدين في مواجهة التحديات القائمة.
وعلى الرغم من أن العراق يُعد من بين بلدان قليلة في المنطقة، الذي احتفظ بعلاقات مع نظام الرئيس بشار الأسد، فإن ترقب فتح المعابر بين البلدين من شأنه أن يساهم في فكّ عزلة البلاد، والسماح لمن هجروا جراء الحرب بالعودة إلى موطنهم.
عزلة يبدو أنها في طريقها إلى الانتهاء مع إعادة فتح معبر القنيطرة في الجولان السوري المحتل قبل ساعات.
الجزيرة