لم يبق لرئيس الوزراء العراقي المكلف، عادل عبد المهدي، سوى عشرة أيام لمواجهة البرلمان العراقي بتشكيلة وزارية، تعهد مسبقاً أن تكون من أصحاب الاختصاص ومستقلة. إلا أنه، ومع ضيق الوقت المتبقي وضغوط القوى والأحزاب السياسية في تقديم مرشحيها له، فإن احتمال تقديمه كل وزراء حكومته إلى البرلمان باتت ضئيلة، ومن المرجح أن يقدم نصفها أو أكثر بقليل، بواقع 12 أو 13 وزيراً من مجموع 22 وزيراً مقرراً.
ويشير سياسيون وبرلمانيون إلى أنه قد يضطر أخيراً للعودة إلى “نظام المشاركة”، بمعنى اشتراك كل الأحزاب مع بعضها البعض في إدارة الحكم، مع تعديلات بسيطة، وهذا ما لا تريده جبهة الصدريين القوية، في حين تصرح أحزاب أخرى علناً بأنها ما زالت تؤمن بمبدأ الحصص من المناصب، وضرورة أن يحصل كل حزب على ما يستحق من خلال المقاعد التي وفرتها له الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 12 مايو/ أيار الماضي، وأبرزها زعيم “الحزب الديمقراطي الكردستاني”، مسعود البارزاني، الذي بيَّن ذلك أخيراً بعد لقائه بزعيم “تيار الحكمة” عمار الحكيم ووفد من تحالف “الإعمار والإصلاح”، في مدينة أربيل، لغرض بحث ملف تشكيل الحكومة. واعتبر البارزاني، في بيان أمس الإثنين، أن التمثيل في الحكومة يجب أن يتضمن توازناً وتوافقاً، من دون التطرق إلى ما تؤكد عليه أحزاب بغداد، مثل الترشيح العام لذوي الاختصاص والكفاءات، من أجل تقديم التشكيلة الحكومية إلى البرلمان قبل 25 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.
”
ما يجري حالياً ضمن المشاورات هو طريقة تقاسم الوزارات بين الأحزاب وليس اختيار الوزراء
”
وفي السياق، قال مصدر مقرب من المكتب الخاص لعادل عبد المهدي إن “المباحثات بين عبد المهدي والأحزاب تسير في إطار المشاورات لا أكثر، وحتى الآن لا توجد أية أسماء لشغل وزارات أو قرارات محسومة. وحتى الكيانات السياسية لم تقدم أي أسماء، وما يجري حالياً ضمن المشاورات هو طريقة تقاسم الوزارات بين الأحزاب وليس اختيار الوزراء”. وأشار إلى أنه “لا ضغوط على عبد المهدي من الأحزاب بقدر ما هي من قيادات سياسية معروفة. لكن بالمجمل هناك تحرك من حزب سني باتجاه وزارتي المالية والدفاع، ومن كتلة بدر باتجاه وزارة الداخلية، عبر أي مرشح يراه الرئيس جيداً، المهم أنه من الحزب. ويشعر عبد المهدي حالياً بخيبة أمل بعدما تراجعت بعض الأحزاب عن الاتفاق الذي أبرم قبيل اختياره بأن يتركوه يعمل لوحده دون تأثيرات”.
وأضاف المصدر، لـ”العربي الجديد”، إن “لدى عادل عبد المهدي توجهاً بأن يبدل بعض الأعراف التي انطلقت في العام 2003، مثل تسليم وزارة الداخلية لوزير سني بعدما كانت للشيعة حصراً، ووزارة الدفاع لوزير شيعي بعدما تمسكت بها الأحزاب السنية على مدى الحكومات الماضية”، لافتاً إلى أن “بعض الأسماء عليها فيتو لوزارات مستقبلية، وأبرزهم وزير الداخلية الحالية قاسم الأعرجي، فهو مرفوض من عبد المهدي شخصياً وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر”. ورجح “عدم تقديم كل التشكيلة الوزارية في موعدها المحدد، بل سيقدم جزء من الحكومة للبرلمان من أجل التصويت عليه، ومن ثم يتعهد عبد المهدي بإكمال تسمية كل الوزارات في موعد لا يتعدى شهراً واحداً”. وقال “من المرجح أن تكون هناك جولة جديدة مع الأكراد، مساء الثلاثاء، لأنهم أبرقوا له أكثر من مرة خلال الأيام الماضية، بأن يطبق قانون المناطق المتنازع عليها والإدارة المشتركة فيها (المادة 140)، بالإضافة إلى طلبات تتعلق بامتيازات خاصة، والعودة إلى محافظة كركوك مجدداً، لقاء المشاركة في الحكومة”.
وفي المقابل، يتخوف برلمانيون من أن يؤدي استمرار الضغط على عادل عبد المهدي إلى تقديم اعتذاره عن تشكيل الحكومة، أو الاضطرار لطلب تمديد المهلة الدستورية لتقديم حكومته. وقالت النائبة انتصار الموسوي، في تصريح صحافي، إن “هناك مخاوف من زج عدد من أسماء السياسيين الفاسدين ضمن النافذة الإلكترونية التي طرحها عبد المهدي ووضع الأخير في دائرة الشك”، موضحة أن “مجلس النواب قد يمدد 15 يوماً لعبد المهدي في حال فشل في تأليف الحكومة خلال المدة الدستورية التي نص عليها القانون بشهر واحد”.
”
مجلس النواب قد يمدد 15 يوماً لعبد المهدي في حال فشل في تأليف الحكومة خلال المدة الدستورية
”
من جهته، أشار عضو تحالف “الفتح”، حنين قدو، إلى أن “سائرون والفتح ما زالا على موقفهما بإعطاء المجال والحرية لعادل عبد المهدي في موضوع اختيار الشخصيات وفق معاييره الخاصة، كوزراء وقيادات جديدة. وفي حال احتاج عبد المهدي إلى بعض الشخصيات لشغل مناصب وزراية، فالأحزاب ستساعده على تقديم أسماء من خارج مجلس النواب”. وأوضح قدو، لـ”العربي الجديد”، أن “الأحزاب الكردية، وأبرزها الحزب الديمقراطي، ما زالت تتمسك بالطريقة السابقة في تشكيل الحكومات العراقية، وهي المحاصصة وأخذ الاستحقاقات الانتخابية، دون الاكتراث إلى من سيتسلم الوزارات، سواء كان كفوء أم لا”.
واعتبر عضو تيار “الحكمة”، حبيب الطرفي، أن “عدم مشاركة الأحزاب في الحكومة الجديدة يمثل عملية ذبح للعملية السياسية، فالتحزب ليس إهانة، كما أن المستقل ليس الشريف الوحيد في العراق”. وأضاف أن “العراقيين جربوا خلال العامين الماضيين خمسة وزراء عرفوا بأنهم أصحاب اختصاص وتكنوقراط، لكنهم وزراء فاشلون، فالناس أصابتهم خيبتان، الأولى من الأحزاب والثانية من المختصين المستقلين”. وأشار، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “عادل عبد المهدي يمتلك رؤية واضحة لبناء دولة جيدة، وسيترك بصمة مهمة في وضع العراق، لأنه الأجدر بين كل الذين حكموا العراق بمعرفة كيفية بناء دولة المؤسسات، وسيعمل على خلق التوازن في بناء الحكومة وفقاً لآليات سيتبعها، والتوصل إلى توافق سياسي لإدارة الدولة، وهو لا يعني المحاصصة، إنما المشاركة عبر الأحزاب والمكونات”.
”
ترجيح لعدم تقديم عبد المهدي كل التشكيلة الوزارية في موعدها المحدد
”
إلى ذلك، أوضح سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، النائب رائد فهمي، أن “مشاورات عبد المهدي مع الأحزاب ما زالت واسعة جداً، ولقاءاته مستمرة بالقياديين والمسؤولين، وهو يعمل على تشكيل حكومة تضمن القدرة على إنجاز الإصلاحات، وإبعاد الضغوط الخارجية”. وقال لـ”العربي الجديد”، إنه “لا يمكن لأي وزارة أو حكومة أن تتشكل إلا بدعم وتأييد من مجلس النواب، بالإضافة إلى تأييد القوى السياسية، وأهمها طبعاً الأغلبية البرلمانية وهي الكتلة الكبرى، وفي مقدمتها الفتح وسائرون”. وتابع أن “الحكومة المقبلة ستكون متنوعة، أي أنها ستتضمن وزراء مستقلين ومتحزبين، لكن حتى الآن لا أحد يعرف الأسماء الموجودة لدى عادل عبد المهدي، وكل من يدعي أنه يعرف فهو مخطئ”. وعن عدد الوزارات الجديدة، اعتبر فهمي أنه “لا يوجد عدد مثالي للوزارات المقبلة، لكن يبدو أن عبد المهدي يمضي في طريق تجنب التضخم الوزاري وتعدد الوزارات، وقد يعمل على دمج بعض الوزارات مع بعضها البعض بعد تشكيل الحكومة تجنباً للمشاكل السياسية التي قد تحدث إذا طرح الفكرة الآن. وهناك حديث عن تأسيس 22 وزارة فقط”.
بدوره، قال المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي، لـ”العربي الجديد”، إن “مرحلة الإملاءات على أي رئيس جديد للوزراء قد انتهت، ولكن هذا لا يعني زوال التأثيرات عليه، وما زال تيار الحكمة الأبرز من حيث التأثير على عادل عبد المهدي، بالإضافة إلى سائرون، لأنهما الطرفان اللذان تسببا في وصوله إلى السلطة ودعماه على حساب حيدر العبادي. وبهذا فهما يعتقدان أنهما الأحق من غيرهما بالحصول على مكتسبات ومناصب”، مستدركاً أن “التأثير الخارجي والإقليمي له دور كبير في هذا المرحلة، ويؤثر على سقوف مطالب الكيانات السياسية، والتأثير الدولي أكثر وقعاً على عبد المهدي، وسيحسم الكثير من الملفات، منها الوزارات السيادية، خصوصاً الأمنية والعسكرية”.