لجنة تحقيق عراقية تتهم “مندسين” بقتل المتظاهرين

لجنة تحقيق عراقية تتهم “مندسين” بقتل المتظاهرين

بغداد – خلصت لجنة تحقيق حكومية عراقية إلى أنّ “مندسين” ينتمون لأحزاب مختلفة يقفون وراء مقتل وإصابة العشرات من المتظاهرين وأفراد الأمن خلال الاحتجاجات العارمة التي شهدتها الشهر الماضي عدّة مناطق بجنوب العراق، وتركّزت بشكل أساسي في محافظة البصرة التي رغم ثرائها بالنفط إلاّ أنّ سكانها يشكون الفقر والبطالة وشحّ المياه وتلوّث البيئة.

وكانت اللجنة، المؤلفة من محققين من مختلف أجهزة الأمن والاستخبارات في العراق، باشرت عملها في الخامس من سبتمبر الماضي بناء على أوامر من رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي.

إلقاء التهمة على طرف غامض وغير محدّد الهوية مهرب مناسب من الحرج البالغ الذي تسبّبت به موجة الاحتجاجات العارمة التي هزّت جنوب العراق خلال الأشهر الماضية وانزلقت إلى عنف من قبل القوات الأمنية والميليشيات الرديفة لها، وعنف مضاد من قبل المحتجّين الغاضبين من الأحزاب الحاكمة وداعمتها إيران.

وأنيطت باللجنة مهمة التحقيق في أعمال العنف التي شابت التظاهرات مطلع الشهر نفسه واتسع نطاقها وخلّفت قتلى وجرحى وإحراق مؤسسات حكومية ومكاتب أحزاب وفصائل مسلحة مقربة من إيران في البصرة فضلا عن القنصلية الإيرانية في المحافظة.

وشكّك الكثيرون في حيادية اللجنة وقالوا إنّ هدفها المسبق هو تجاوز حرج مزدوج انجرّ عن أعمال العنف تلك: أولا الحرج من استهداف قوات أمنية وعناصر تابعة لميليشيات شيعية للمتظاهرين وإيقاع جرحى وقتلى في صفوفهم، وثانيا الحرج من هجوم المتظاهرين الغاضبين أنفسهم على مقرّات أحزاب شيعية رئيسية مشاركة في الحكم، وعلى مقرّ دبلوماسي تابع لإيران الداعمة لتلك الأحزاب، والتي كانت هي ذاتها موضع غضب المحتجين من خلال الشعارات الموجّهة ضدّها والمندّدة بدورها السلبي في العراق.

وجاء في نتائج التحقيق التي وزعت اللجنة خلاصتها، الثلاثاء، على وسائل الإعلام أنّ “الأجهزة الأمنية لم تستخدم القوة النارية، وأن القتلى (الذين سمّتهم الخلاصة شهداء على سبيل مجاملة ذويهم) والجرحى الذين سقطوا في التظاهرات من المدنيين والأجهزة الأمنية كان نتيجة إطلاق النار من قبل عناصر مندسّة”، مبينة أن تلك العناصر كانت تنتمي لأحزاب مختلفة، دون الكشف عن أسماء تلك الأحزاب.

وقال ناشط في الحراك الاحتجاجي بجنوب العراق، إنّ ورود ذكر “الأحزاب” في خلاصة التحقيق يزيدها ضعفا ويكشف وجود جهات حزبية ضمن لجنة التحقيق، وهي بصدد تصفية الحسابات مع منافسيها.

كما انتقد ذات الناشط الذي طلب عدم التصريح بهويته، النتائج التي توصّل إليها التحقيق وقال إنّها تساهم في تمييع القضية وتنصرف بشكل متعمّد عن تحديد المسؤوليات بدقة، كمرحلة ضرورية لإنصاف الضحايا ومعاقبة المسؤولين.

واعتبر أن خلاصة التحقيق لم تهدف إلى إظهار الحقيقة، بقدر ما هدفت إلى تغييبها، وهي من ثمّ “امتداد للفساد المستشري في البلاد”، مضيفا “الفساد في العراق لا يهدر الأموال فقط وإنما الدماء والأرواح أيضا”.

وبيّنت لجنة التحقيق في خلاصتها أن تسعة متظاهرين قتلوا خلال أعمال العنف فضلا عن وقوع إصابات عديدة في صفوف قوات الأمن.

وانتقدت “عدم قيام شرطة المحافظة بواجبها في حفظ دوائر الدولة وعدم انتشار عناصرها بشكل صحيح، إضافة إلى بطء رد فعل قيادة عمليات البصرة (التابعة للجيش) وعدم معالجتها الأمر والاقتصار على استلام المعلومات؛ مما فاقم حالة عدم الاستقرار في المحافظة”.

كما لفتت إلى “تأثير الانتماءات الحزبية لعدد من أفراد الشرطة المحلية في البصرة في ترك واجباتهم”.

وخلال المظاهرات التي رفع فيها المحتجّون شعارات مناهضة للأحزاب والميليشيات ولإيران الداعمة لها، توجّهت أصابع الاتهام لأتباع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي أصبح كثير الانتقاد للأحزاب الحاكمة في العراق، كما لم يخل خطابه من تلميحات للنفوذ الإيراني في البلد ووجوب الحدّ منه. وقد مثّلت فورة الاحتجاجات صدمة استثنائية للأحزاب الشيعية العراقية كونها تفجّرت في مناطق تعتبرها تلك الأحزاب حاضنتها الشعبية.

وانتقدت اللجنة، أيضا “غياب دور المحافظ (أسعد العيداني) ورئيس وأعضاء مجلس المحافظة وعدم إبدائهم المساعدة في معالجة الأزمة”، مشيرة إلى “ضعف الجانب الاستخباراتي الاستباقي الذي ساهم في بطء الإجراءات الأمنية المتخذة”.

العرب