أدى خسران الأرض وشبكات الدعاية إلى الحد بشكل كبير من فعالية الحملات العسكرية لتنظيم “داعش”. لكن المذابح الأخيرة التي يرتكبها في سورية، وتاريخ المجموعة مع قدرة البقاء على قيد الحياة خلال الحرب العراقية، تشير إلى استمرارها في شكل جديد باستخدام هجمات الكمائن المفاجئة.
* * *
بيروت، لبنان – بعد أن هُزموا تقريباً في ميادين معارك ما كان خلافته ذات مرة، عاد تنظيم “داعش” إلى ما كان عليه قبل غزواته واحتلالاته المذهلة في العام 2014، كما يقول المحللون -شكبة تمرد شبحية تستهدف السكان المدنيين بهجمات من نوع حرب العصابات، وتستغل نقاط ضعف الحكومة لإثارة الفتنة والصراعات الطائفية.
في العراق وسورية، بالكاد يمر أسبوع تقريباً من دون أن تشن المجموعة هجوماً على بلدة أو قرية، مبقية خصومها على رؤوس أصابعهم، بينما تقاتل ضد القوات المدعومة من أميركا التي تتقدم نحو الجزء الأخير المتبقي من الأراضي التي ما تزال المجموعة تسيطر عليها بالقرب من الحدود المشتركة للبلدين.
يقول هشام الشامي، الخبير في شؤون “داعش”، والذي يقدم المشورة للحكومة العراقية، إن المجموعة تعمل الآن كما كانت تفعل في العام 2010، قبل انبعاثها في العراق، والذي بلغ ذروته بعد أربع سنوات لاحقا باستيلاء المتشددين على واحدة من أكبر المدن العراقية؛ الموصل، وكذلك على مدينة الرقة في سورية، وإعلان إقامة خلافة إسلامية في مناطق واسعة من كلا البلدين.
وقال الهاشمي إن المجموعة المتمردة الأكبر خطراً في العالم كله تحاول إثبات أنه على الرغم من فقدان حيازاتها من الأرض، فإنها “ما تزال أذرعاً طويلة لتضرب بها”.
بينما تصد الهجمات على جيوبها المتبقية في سورية، يؤشر الصعود الأخير في ادعاءات المجموعة الزائفة المسؤولية عن هجمات، على أن المجموعة تكافح من إجل إبقاء نفسها ذات صلة بعد خسارة شبه الدولة التي كانت لديها، وفقدان هيمنتها على أجندة الأخبار العالمية. وقد قُتل معظم الأشخاص الذي كانوا يقفون وراء الآلة الدعائية للجموعة التي كانت قوية وأنيقة ذات مرة. وقد سقطت مدينة الرقة قبل سنة من هذا الشهر، وفقدت المجموعة كل شيء باستثناء 2 في المائة من المناطق التي كانت تسيطر عليها في العراق وسورية.
ومع ذلك، هناك مخاوف من أنه في حين أن “داعش” ربما لا يتمكن من إعادة تأسيس نوع السيطرة على الأرض التي حققها مرة أخرى على الإطلاق، فإنه يحاول أن يستولي على أراضٍ جديدة مع ذلك.
جاء أكثر هجمات التنظيم فتكاً منذ انهيار خلافته المفترضة في أواخر شهر تموز (يوليو)، عندما اجتاح عشرات من مقاتلي “داعش” المقنّعين مدينة السويداء الجنوبية وقرى مجاورة يقطنها أعضاء من الأقلية الدرزية في سورية، وقتلوا بالرصاص أكثر من 200 شخص واختطفوا نحو 30 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال.
وقد هز ذلك الكمين هذا المجتمع الذي ظل على هوامش الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ سبع سنوات، وأثار المخاوف من أنه بينما يكون المتشددون في حالة تراجع، فإنهم سيحاولون إعادة تجميع أنفسهم في جيوب نائية من الأراضي مثل هذه الزاوية التي كانت ذات مرة هادئة من البلد.
في الشهر الماضي، اجتاح مقاتلو “داعش” قرية الغريب العراقية الشمالية، وقتلوا ثلاثة قرويين وجرحوا تسعة آخرين بعد أن رفض السكان التعاون معهم ومنحهم المؤن، مثل الطعام والذخيرة. وفي الأسبوع الماضي، هاجم “داعش” قرية السعدية، الواقعة إلى الجنوب من مدينة الموصل في شمال العراق، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص واختطاف آخر.
كما تقوم المجموعة بشكل منتظم أيضاً بشن هجمات في القرى الواقعة في محافظات ديالى وصلاح الدين، وكركوك وأماكن أخرى، مستهدفة المسؤولين المحليين أو رجال الشرطة، بذريعة أنهم يعملون لدى الحكومة.
وقال المتحدث باسم الجيش العراقي، العميد يحيى رسول، هذا الأسبوع أن قوات الأمن شرعت في تنفيذ عملية واسعة في محافظة الأنبار الغربية التي تقع على الحدود مع سورية، من أجل استئصال شأفة خلايا “داعش” النائمة.
ويحذر المحللون من أن ذلك قد يكون بداية حركة تمرد جديدة للتنظيم، والتي تشبه تلك التي سبقت صعوده في العام 2010، بعد أن اعتقد الكثيرون بأن سلف التنظيم، “الدولة الإسلامية في العراق”، قد هُزم تماماً خلال زيادة عديد القوات الأميركية هناك في العام 2007.
في مقالة نُشرت حديثاً، كتب حسن حسن، زميل البحث الرفيع في برنامج جامعة جورج واشنطن لدراسة التطرف، أن “داعش” كان قادراً على إجراء انتقال منظم من الخلافة إلى حركة تمرد من دون أن يتحطم.
في الشهر الماضي، بدأ المقاتلون السوريون من قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة حملة أخيرة لاستعادة هجين، آخر جيب ما يزال تحت سيطرة “داعش” على الضفاف الشرقية لنهر الفرات بالقرب من الحدود العراقية. وترتب عليهم أن يتقدموا ببطء بينما اعتمد المتطرفون على الألغام، ونيران القناصة، والمهاجمين الانتحاريين للدفاع عن مواقعهم.
كما أسفرت الاشتباكات التي جرت هذا الأسبوع في قرية سوسة السورية الجنوبية عن مقتل أكثر من عشرين مقاتلاً من الجانبين، بينما استفاد مقاتلو “داعش” من عاصفة رملية وضعف الرؤية الذي صاحبها لمهاجمة مواقع قوات سورية الديمقراطية.
ليس من الواضح الآن كم هو عدد المقاتلين المتشددين الذين ما يزالون يقاتلون مع “داعش”. وقال تقرير للأمم المتحدة صدر في آب (أغسطس) الماضي إن لدى “داعش” ما يصل إلى 30.000 عضو، موزعين بالتساوي تقريباً بين سورية والعراق، وقال التقرير إن الشبكة العالمية للتنظيم تشكل المزيد من التهديد باطراد.
وقال تقرير الأمم المتحدة أيضاً إنه على الرغم من تعرض “داعش” للهزيمة في العراق وفي معظم أنحاء سورية، فإن من المرجح أن تنجو “نسخة سرية” من “نواة” المجموعة المتشددة في كلا البلدين، مع عدد كبير من الأنصار والمنظمات التابعة في كل من أفغانستان، وليبيا، وجنوب آسيا، وغرب أفريقيا.
وقال وزير الدفاع الأميركي، جيم ماتيس، في باريس في وقت سابق من هذا الشهر: “لا تخطئوا بهذا الشأن، بينما انهار (داعش) إلى الداخل، فإنه تمكن بطريقته الخاصة من تكوين مركز جديد بعد أن تم إجباره على التراجع إلى نحو 2 في المائة من أراضيه الأصلية”.
الكثيرون يعربون عن القلق من أنه بينما استطاعت الولايات المتحدة، بالعمل مع حلفاء محليين، تدمير الخلافة المادية بسرعة كبيرة نسبياً، فإنها لم تقم بإصلاح مشاكل الحكم التي أدت في الأصل إلى خلق الفرصة لظهور “داعش”، بما في ذلك مشاعر السخط السائدة بين السكان السُنة في كلا البلدين.
ويقول تقرير حديث صدر عن معهد دراسات الحرب: “يشن (داعش) حملة فعالة لإعادة تأسيس مناطق دعم مستدامة، بينما يجمع الأموال ويعيد بناء القيادة والسيطرة لقواته المتبقية. ويمكن أن يستعيد التنظيم ما يكفي من القوة لشن تمرد متجدد، والذي سيهدد مرة أخرى بالتغلب على قوات الأمن المحلية في كل من العراق وسورية”.
في آب (أغسطس)، وفي أعقاب أشهر من التقارير المتناقضة عما إذا كان ما يزال على قيد الحياة، أطلق “داعش” رسالة صوتية جديدة، زُعم أنها من زعيمه الغامض، أبو بكر البغدادي، في أول تسجيل من هذا النوع يظهر في بحر عام تقريباً. وحث المتحدث الأتباع على “المثابرة” ومواصلة القتال ضد أعداء التنظيم.
كما حث الأتباع والأنصار في الغرب أيضاً على شن المزيد من الهجمات، مضيفاً أن كل “عملية في أرضكم تعادل ألفاً” في الشرق الأوسط.
الآن، تبدو المجموعة متحمسة بشدة إلى ادعاء المسؤولية عن هجمات تشن في الغرب، وتدعي لنفسها المسؤولية بشكل متكرر عبر وكالتها الإخبارية، أعماق، عن هجمات تشن في سورية والعراق وأفغانستان ومصر وبلدان بعيدة مثل نيجريا وفرنسا.
في آب (أغسطس)، بعد فترة وجيزة من ظهور الأخبار عن إقدام رجل على قتل رجلين في فرنسا، ادعى “داعش” المسؤولية عن الهجوم. ثم أصبح واضحاً في وقت لاحق أن الرجل كان يعاني من اضطرابات عقلية وخلافات عائلية.
وفي الشهر الماضي، ادعى “داعش” المسؤولية عن هجوم شُن في منطقة الأهواز الإيرانية، لكنه أعلن في البداية مزاعم غير صحيحة عن الوقائع المتصلة بالهجوم. وفي وقت لاحق، نشر “داعش” لقطات لعدد من الرجال الذين تعرفت عليهم إيران على الفور بأنهم المهاجمون، ولو أن الرجال في الصور غير معروفين بولائهم للمجموعة المتطرفة.