العلامات على تصدّع معسكر الانقلاب في اليمن تأخذ مظهرين مختلفين؛ مظهر الخلافات الحادّة داخل جماعة الحوثي والتي وصلت حدّ المواجهة العسكرية بين اثنين من فصائلها المسلّحة، ومظهر انعدام الثقة بين الجماعة وشركائها من أعضاء حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذين لم يبق ما يشدّ أغلبهم إلى مناطق سيطرة الحوثي ويمنعهم من الانشقاق، سوى السبب الأمني والخوف من ردّة فعل الميليشيا في حال فشلوا في المغادرة.
صنعاء – تفتح التصدعات والشروخ الداخلية في معسكر الانقلاب باليمن، باب الرهان على تفكّك ذلك المعسكر مع تواتر الأنباء عن صراعات حادّة تهزّه من الداخل، سواء بين قيادات وفروع جماعة الحوثي، أو بين الجماعة وما بقي من قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام داخل العاصمة صنعاء الذين تشير التسريبات إلى رغبة غالبيتهم العظمى في فكّ الارتباط بالجماعة وإنهاء مشاركتهم في سلطة الأمر الواقع التي يقيمونها من خلال ما يعرف بحكومة “الإنقاذ الوطني” برئاسة عبدالعزيز بن حبتور الذي لم تستبعد بعض المصادر رغبته، هو بدوره، في القفز من مركب الحوثيين، خصوصا وأنّه في حكم المغيّب منذ فترة عن أي نشاط تنفيذي فعلي يبيّن امتلاكه لسلطة القرار في “الحكومة” التي يرأسها.
وفي تعبير عن جدّية الرهان على تفكّك معسكر الانقلاب، عبّرت قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، عن استعدادها لتأمين خروج المنشقين عن جماعة الحوثي من مناطق سيطرة الجماعة.
ودعا تركي المالكي الناطق باسم التحالف، خلال مؤتمر صحافي عقده في وقت سابق بالعاصمة السعودية الرياض أعضاء وقيادات حزب المؤتمر الشعبي العام، وكذلك قادة وأفراد قوات الحرس الجمهوري سابقا، إلى التواصل مع القوات اليمنية لتأمين خروجهم من مناطق سيطرة الحوثيين.
ومن جهتها تؤكّد مصادر أن كلام المالكي جاء تأسيسا على تحرّكات وإجراءات فعلية ساهم فيها التحالف بالتعاون من القوات الموالية للشرعية، ومع شيوخ قبائل ضمن مناطق سيطرة الحوثيين، لتمهيد الطريق أمام الراغبين في الانشقاق عن معسكر الانقلاب، وتأمين وصولهم إلى مناطق مؤمّنة من التحالف والقوات التي يدعمها.
وقال مصدر قبلي من شمال محافظة مأرب إنّ عدد من أجروا اتصالات عبر وسطاء محلّيين بقوات الشرعية والتحالف، سجّل خلال الفترة القريبة الماضية قفزة نوعية، وهو ما يفسّر صدور تصريحات تركي المالكي في هذا التوقيت بالذات.
ومن جهتها تؤكد مصادر محلية من داخل صنعاء أن عدد القادة السياسيين والعسكريين من أتباع الرئيس السابق علي عبدالله صالح الراغبين في مغادرة العاصمة كبير، مستدركة بالقول إنّهم يؤثرون التريّث وعدم المجازفة، كون أي محاولة غير موفّقة قد تكلّف صاحبها حياته، خصوصا في ظلّ حالة الاستنفار والتحفّز التي أصبح عليها الحوثيون، بسبب توسّع حالة الرفض الشعبي لهم، ومخاوفهم من اندلاع انتفاضة ضدّهم في العاصمة.
وكانت صنعاء قد شهدت خلال الفترة القريبة الماضية عدّة تحرّكات احتجاجية على سوء الأوضاع المعيشية وسلوكات قيادات ميليشيا الحوثي، قابلتها الميليشيا باستخدام القوّة واعتقال قادة الاحتجاجات من طلبة جامعات وغيرهم، بمن فيهم فتيات ونساء.
وتشير ذات المصادر إلى أنّ بين الراغبين في المغادرة، من يسعى فعليّا للانضمام إلى معسكر الشرعية المدعوم من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، لكنّ آخرين يهدفون من وراء سعيهم لمغادرة صنعاء إلى مجرّد فكّ الارتباط بجماعة الحوثي بعد الوقوف على توجهّها الطائفي ومحدودية أفقها الوطني وتبعيتها الكاملة لإيران، دون أن يكونوا مقتنعين بالشرعية التي يمثّلها الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي.
وبعد إقدام جماعة الحوثي على قتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح في صنعاء خلال شهر ديسمبر الماضي، انخفض منسوب الثقة بين أتباع صالح والحوثيين إلى حدّه الأدنى.
وتؤكّد مصادر سياسية يمنية أنّ الحوثيين بدأوا بالفعل بتقليص مشاركة أعضاء حزب صالح في حكومة صنعاء الموازية، وأنّهم يستعدّون لإقالة عدد من الوزراء المنتمين إلى حزب المؤتمر، وتعويضهم بآخرين من جماعة الحوثي نفسها.
ولا يقتصر الشقاق داخل معسكر الانقلاب في اليمن على توتّر علاقة حزب علي عبدالله صالح مع الحوثيين، ولكن امتدّ إلى داخل جماعة الحوثي نفسها، متجاوزا التلاسن والتراشق بالتهم إلى المواجهة العسكرية، حيث شهدت محافظة صعدة قبل أسابيع مواجهات مسلّحة بين عناصر الميليشيا التابعة لزعيم “أنصار الله” عبدالملك الحوثي، وآخرين يأتمرون بإمرة ابن عمه عبدالعظيم الحوثي مخلّفة قتلى وجرحى في صفوف الطرفين.
وبالنسبة لعدد من القادة العسكريين اليمنيين المنتمين إلى معسكر الانقلاب الحوثي، فإنّ انشقاق العميد طارق علي عبدالله صالح، ابن أخ الرئيس السابق بعد مقتل عمّه على أيدي الحوثيين، يمثّل قصّة نجاح يطمح كثيرون منهم إلى تكرارها، حيث لم ينجح طارق فقط في الفكاك من سيطرة الحوثيين والقتال إلى جانبهم
خدمة لأهداف لم يؤمن بها أبدا، ولكّنه نجح أيضا في أن يصبح طرفا فاعلا في المعسكر المقابل الأقرب إلى قناعاته، وذلك من خلال قيادته لقوات “حرّاس الجمهورية” التي تشارك بفاعلية في تحرير مناطق الساحل الغربي من سيطرة الحوثيين الموالين لإيران.
العرب