“مواقع صواريخ” حزب الله.. ودعاية إسرائيل الموجهة بدقة

“مواقع صواريخ” حزب الله.. ودعاية إسرائيل الموجهة بدقة

البلد الذي يضم ترسانة نووية عملاقة غير معلنة، والمنخرط على مدى عقود في كل أشكال الوحشية التقليدية، ليس في وضع يؤهله ليحاضر ويعظ لبنان.
*   *   *
في أداء مسرحي هزلي نموذجي في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 27 أيلول (سبتمبر)، انتهز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الفرصة لتزويد العالم بتحديث حول الأنشطة المزعومة لعدوه المفضل عبر الحدود: حزب الله اللبناني.
حسب وسيلة المساعدة البصرية التي استعان بها نتنياهو -رسم بياني معلّم بشكل واضح- فإن حزب الله يدير الآن ثلاثة مواقع سرية قرب مطار بيروت الدولي؛ حيث يتم، بموجب أوامر من طهران، تحويل صواريخ قديمة تقليدية إلى صواريخ موجهة بدقة. وبعبارات أخرى، فإن المطار، وأي أناس قد يجدون أنفسهم في تلك المنطقة المكتظة، يشكلون هدفاً عادلاً في أي صراعٍ وشيك.
في الرد على هذه المزاعم، رافق وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، مجموعة من الدبلوماسيين والصحفيين الأجانب في جولة على مواقع الصواريخ المزعومة، مؤكداً وجهة نظره بأن إسرائيل تسعى ببساطة إلى “تبرير عدوان آخر” ضد لبنان -وهو تقييم صحيح، بالنظر إلى سجل إسرائيل السابق في غزو وقصف واحتلال جارها الشمالي.
التطهير العرقي
جرت هذه الجولة في الأول من تشرين الأول (أكتوبر)، وكما هو متوقع، لم يتم العثور على أي دليل على عملية تحويل الصواريخ.
وفي اليوم نفسه، أرسل الجيش الإسرائيلي تغريدة تعرض رأيه الخاص بأن “#لدى حزب الله تاريخ طويل من التغطية على الحقائق المزعجة ثم جلب المسؤولين الأجانب للتجول حولها” -وهو إدعاء غريب من بلد قضى العقود السبعة الماضية في التغطية على حقيقة أنه تأسس على التطهير العرقي والمجازر.
أما بالنسبة لمسألة التجول بالمسؤولين الأجانب، فإن كل مسألة ترسانات إسرائيل النووية -التي ليست سراً كبيراً- تأتي إلى الذهن -وهي الترسانات التي تشكل، كما أظن، تهديداً أكثر ترويعاً بعض الشيء من صواريخ حزب الله، سواء كانت هذه الصواريخ موجهة بدقة أم غير ذلك.
يبدأ فيديو مدته 46 ثانية، والذي رافق تغريدة الجيش الإسرائيلي المذكورة، بتذكيرنا بأنه “قبل ثلاثة أيام، كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي عن وجود مرافق (حزب الله) بالقرب من مطار بيروت الدولي”.
ثم يشرع الفيديو في عرض بعض الأمثلة على الأشياء التي يمكن القيام بها في ثلاثة أيام، مثل الطيران حول العالم، وتسلق جبل ميرو في تنزانيا، “والانغماس في مشاهدة 60 حلقة على محطة نيتفلكس”، وطلب واستلام حزمة من أمازون، وقراءة كتاب، والسفر من برلين إلى براغ سيراً على الأقدام، وهلم جراً.
والنتيجة التي يريد الفيلم إيصالها، بطبيعة الحال، هي أن ثلاثة أيام توفر وقتاً أكثر من كافٍ لإزالة مصنع دقيق لتطوير الصواريخ في بيروت، “قم بدعوة السفراء الأجانب، وائمَل في أن يشرب العالم الخدعة”.
موجات من الدعاية
بالنسبة لما تستطيع دولة إسرائيل إنجازه في غضون ثلاثة أيام، إلى جانب إغراق الإنترنت بالدعاية، فيمكننا أن نتذكر مجزرة معينة نُفذت على مدى ثلاثة أيام، والتي دبرتها وهندستها إسرائيل ضد آلاف عدة من المدنيين في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت في العام 1982 -وهو العام نفسه الذي أسفر فيه الغزو الإسرائيلي الدموي للبنان عن مقتل حوالي 20 ألف شخص، معظمهم من المدنيين.
والأهم من كل شيء: لم يكن سوى ذلك الغزو ذاته هو الذي دفع إلى تشكيل حزب الله، الذي أصبح يترتب على إسرائيل الآن أن “تدافع عن نفسها” ضده من خلال استمرار معاداتها القاتلة للبنان.
في حين أن العالم بأسره قد لا “يشرب الخدعة”، فإن لازمة “الدفاع عن النفس” الإسرائيلية المملة هي واحدة تشربها وتبتلعها وتجترها الولايات المتحدة -الحليف الموثوق الذي يمكن الاعتماد عليه أيضاً، من بين أمور أخرى، في إرسال الشحنات السريعة من القنابل إلى الجيش الإسرائيلي بينما يعكف على تدمير الأراضي اللبنانية في تموز (يوليو) وآب (أغسطس) من العام 2006.
في ذلك العام، حصد الهجوم الذي استمر 34 يوماً في ذلك العام أرواح ما يقدر بنحو 1.200 شخص في لبنان، بينما راوح اختيار إسرائيل للأهداف بين أطفال في صندوق شاحنة صغيرة، والطرق الوطنية السريعة، والجسور ومطار بيروت. وبالتالي، ليس واضحاً تماماً لماذا شعر المسؤولون الإسرائيليون، منذ العام 2006، بالحاجة إلى تكرار ادعاء أنهم لن يميزوا بين لبنان وحزب الله في أي مواجهة مستقبلية.
وهكذا، يفترض أن يساعد تركيز نتنياهو على مسألة موقع صواريخ في المطار فقط في تأكيد الغياب المفترض للتمييز.
“مجمع شقرا للقتال”
من المؤكد أن هذه ليست المرة الأولى التي يعرض فيها الإسرائيليون رسوماً بيانية لتسليط الضوء على السمات الإرهابية المزعومة للمشهد اللبناني. فوراء في العام 2016، قدم السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة، داني دانون، إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خريطة مبسطة لقرية شقرا اللبنانية الجنوبية -عفواً، “مجمع شقرا للقتال”، كما قال الوصف الذي يشرح الخريطة.
في ذلك المخطط، رُسمت علامات متعددة الألوان بين المدارس والمساجد والمقابر، والتي زُعِم أنها تشير إلى عدد كبير من مستودعات الأسلحة، وقاذفات الصواريخ، والمواقع المضادة للدبابات، وغيرها من المعالم البارزة في شقرا -والتي لم أتمكن أنا نفسي من التعثر بأي منها أبداً، على الرغم من عديد الزيارات التي قمتُ بها إلى القرية الصغيرة، مع أنني لاحظت الكثير من تلاميذ المدارس، وصالونات تسريح الشعر، والمزارع، والمخابز، ومؤسسة لـ”البوتوكس”، وكيان يدعى “الأرض السحرية”، ولوحة لتشي غيفارا.
كما نعرف من سلوك إسرائيل في قطاع غزة؛ حيث تم ذبح آلاف المدنيين الفلسطينيين خلال العقد الماضي وحده، فإن العرب لا يُمنحون سوى خيارين للهوية: إرهابي؛ أو درع بشري. وبذلك، يكون موت أي درع بشري على يد إسرائيل تلقائياً خطأ الإرهابيين.
انسوا مسألة تلاميذ المدارس و”الأرض السحرية” في شقرا؛ فنهج “معسكر شقرا للقتال” يخلي المنطقة، رمزياً، من أي شخص يدَّعي لنفسه وصف “مدني”، وبالتالي يخلي طرف إسرائيل بشكل استباقي من أي مسؤولية عن ارتكاب جرائم حرب محتملة.
الهدف من تناول قضية التحريض الإسرائيلي الأخير ضد حزب الله لا تتعلق بوضوح بما إذا كان حزب الله لا يمتلك أسلحة؛ إنه يمتلكها بالفعل، ولأسباب وجيهة، كما قد يقول الكثيرون، بالنظر إلى طريقة عمل جاره المفترس.
مبني على العنف
في الشهر الماضي، تفاخر حسن نصر الله، زعيم حزب الله، بحيازة صواريخ دقيقة الإصابة -والتي تبدو، مرة أخرى، رادعاً منطقياً ضد العدوانية الإسرائيلية الراسخة.
لكن النقطة الأهم هي أن الدولة التي تحتفظ بترسانة نووية عملاقة وغير معلنة، والتي ظلت منخرطة على مدى السبعين سنة الماضية في كل أنواع الوحشية والعنف التقليديين، ليست في وضع يسمح لها بأن تعظ أي أحد عن أي شيء -برسوم بيانية أو بلا رسوم بيانية.
في تغريدته المرفقة بفيلم الفيديو عن مواقع إنتاج الصواريخ المزعومة، طرح الجيش الإسرائيلي السؤال المختصر: “ربما يجب التساؤل هذه المرة لماذا يقع موقع ورشة الصواريخ قريباً جداً من المطار الدولي في قلب بيروت”، متبوعاً بالهاشتاغ الماكر جداً: “#ربما الحقيقة هذه المرة”.
يمكن، بطبيعة الحال، طرح العديد من الأسئلة المثيرة للتفكير أيضاً، مثل: لماذا استخدمت إسرائيل الفسفور الأبيض الذي يحرق اللحم ضد المدنيين، وذبحت المتظاهرين الفلسطينيين والمسعفين العُزّل، واغتنمت كل فرصة لتمهيد الطريق أمام المزيد من إراقة الدماء؟
الجواب المختصر في جميع الحالات هو أن المؤسسة الإسرائيلية نفسها أنشئت على العنف -هذه هي الحقيقة الدائمة.

الغد