كنتُ عبدة جنس عند “داعش”

كنتُ عبدة جنس عند “داعش”

تقول نادية مراد: “كان قرار أن أكون صادقة واحدا من أصعب القرارات التي اتخذتها على الإطلاق، وأكثرها أهمية.اختُطفت نادية مراد مع نساء أيزيديات أخريات في آب (أغسطس) 2014، عندما هاجم تنظيم “داعش” قريتهن، كوجو، في إقليم سنجار شمال العراق. وقد أُسرت نادية مع شقيقاتها، وفقدت ستة إخوة بالإضافة إلى والدتها. وفي هذا العام، 2018، مُنحت جائزة نوبل للسلام، بالاشتراك مع طبيب النسائية الكنغولي دينيس موكويغي. وفيما يلي مقتطفات من كتاب سيرتها الذاتية “الفتاة الأخيرة: قصتي مع الأسر وكفاحي ضد الدولة الإسلامية”، الصادر عن دار فيراغو، والذي تصف فيه نادية مراد رحلتها غير العادية من المعاناة على أيدي “الدولة الإسلامية” إلى ناشطة في مجال حقوق الإنسان.
*   *   *
فُتح سوق النخاسة في الليل. واستطعنا سماع الضجة في الطابق السفلي، حيث كان المتشددون يسجلون وينظمون، وعندما دخل أول رجل الغرفة، شرعت كل الفتيات في الصراخ. كان المشهد مثل موقع انفجار. انتحبنا كما لو أننا جريحات ونحن نتلوى ونتقيأ على الأرض، لكن أياً من هذا لم يوقف المتشددين. ساروا في أرجاءالغرفة وهم يحدقون فينا، بينما نصرخ ونتوسل. وانجذبوا نحو أجمل الفتيات أولا، وهم يسألون: “كم عمرك”؟ ويتفحصون شعرهن وأفواههن. “إنهن عذارى. أليس كذلك”؟ سألوا حارسا، والذي هز رأسه موافقا وقال: “طبعاً”! تماماً مثل صاحب محل يتفاخر بمنتجه. والآن، لمسَنا المتشددون في أي مكان يشاؤون، ومرروا أيديهم على صدورنا وسيقاننا، كما لو أننا حيوانات.
“اهدأن”، واصل المتشددون الصراخ بنا. “اصمتن”! لكن أوامرهم جعلتنا نصرخ أعلى فحسب. إذا كان من المحتَّم أن يأخذني متشدد، فإنني لن أجعل ذلك سهلاً عليه. ولذلك عويتُ وصرخت، وحاولت أن أدفع عني الأيدي التي امتدت لتلمسني. وكانت الفتيات الأخريات يفعلن الشيء نفسه، ويكورن أجسادهن في كرات على الأرض أو يلقين بأنفسهن على أخواتهن وصديقاتهن في محاولة لحمايتهن.
بينما كنتُ أرقد هناك، وقف متشدد آخر أمامنا. كان متشدداً رفيع الدرجة يدعى سلوان، والذي جاء بفتاة أخرى، يزيدية شابة أخرى من حردان، وخطط لإيداعها في المنزل بينما يتسوَّق أخرى بديلة. “قفي”، قال. وعندما لم أفعل، ركلني. أنتِ! البنت صاحبة السترة الزهرية! قلتُ قفي”!
كانت عيناه غائصتين عميقاً في لحم وجهه العريض، الذي بدا مغطى كله تقريباً بالشعر. لم يكن يبدو مثل رجل –بدا مثل وحش.
لم تكن مهاجمة سنجار (في شمال العراق) وأخذ الفتيات لاستخدامهن كعبدات جنس قراراً تلقائياً اتخذه في ميدان المعركة جندي جشِع. لقد خطط “داعش” للأمر كله: كيف سيأتون ويدخلون بيوتنا، وما الذي يجعل فتاة أكثر أو أقل قيمة، وإي متشددين هم الذين يستحقون أن يحصلوا على “سبية” كحافز وأيهم يجب أن يدفع. بل إنهم ناقشوا قضية السبايا في مجلتهم الدعائية اللامعة، دابق، في محاولة لاجتذاب مجندين جدد. لكن “داعش” ليس أصيلا في ذلك بالقدر الذي يظنه أعضاؤه. كان الاغتصاب يُستخدم عبر التاريخ كله كسلاح من أسلحة الحرب. ولم أكن لأفكر أبداً بأنه سيكون لدي شيء مشترك مع النساء في رواندا –قبل كل هذا، لم أكن أعرف حتى أن بلداً يدعى رواندا يوجد في هذا العالم- والآن، أصبحت مرتبطة بهن بأسوأ طريقة ممكنة، كضحية لجريمة حرب يصعب التحديث عنها ولم تتم محاكمة أي شخص على ارتكابها حتى 16 عاماً فقط قبل وصول “داعش” إلى سنجار.
في الطابق السفلي، كان أحد المتشددين يسجل المعاملات والقيود في دفتر، يكتب أسماءنا وأسماء المتشددين الذين أخذونا. فكرت في احتمال أن يأخذني سلوان؛ بكم بدا قويا وبكم من السهولة يمكن أن يسحقني بيديه العاريتين. وبغض النظر عما يفعل، ومهما قاومت، فإنني لن أتمكن أبداً من إبعاده. كانت تفوح منه رائحة البيض المتعفن والكولونيا.
كنتُ أنظر إلى الأرض، إلى أقدام وكواحل المتشددين والفتيات الذين يمرون بي. وفي الحشد، رأيت صندلاً رجالياً وكاحلين بديا نحيلين، نسائيين تقريباً، وقبل أن أتمكن من التفكر بما أفعل، ألقيت بنفسي على هذه الأقدام. وشرعت في التوسُّل. قلت: “أرجوك، خذني معك، إفعل ما تريد، أنا لا أستطيع أن أذهب مع ذلك العملاق”. ولا أعرف لماذا وافق الرجل النحيل، لكنه بعد أن ألقى نظرة واحدة علي، استدار إلى سلوان وقال: “إنها لي”. ولم يجادل سلوان. كان الرجل النحيل قاضياً في الموصل، ولم يكن أحد يعصي له أمراً. وتبعتُ الرجل النحيل إلى المكتب. سألني: “ما اسمك”؟ تحدث بصوت ناعم، وإنما غير لطيف. قلت: “نادية”، استدار إلى الكاتب. بدا أن الرجل تعرف إلى المتشدد على الفور وشرع في تدوين معلوماتنا، وقال أسماءنا بينما يدونها في السجل: “نادية، الحجي سلمان” –وعندما نطق باسم آسري، اعتقدت أنني سمعت صوته يرتجف قليلاً، كما لو أن الاسم كان مقدساً، وتساءلت عما إذا كنتُ قد ارتكبتُ خطأ فادحاً.
(في نهاية المطاف، هربت ناديا مراد من آسريها في “داعش”. وتم تهريبها إلى خارج العراق في أوائل العام 2015 وذهبت كلاجئة إلى ألمانيا. وفي وقت لاحق من ذلك العالم، بدأت حملة لزيادة الوعي بالاتجار بالبشر).
في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، بعد ثلاثة أشهر ونصف من قدوم “داعش” إلى بلدتي، كوجو، غادرت ألمانيا إلى سويسرا للتحدث أمام منتدى الأمم المتحدة عن قضايا الأقليات. كانت تلك أول مرة أحكي فيها قصتي أمام جمهور كبير. وقد أردتُ أن أتحدث عن كل شيء –عن الأولاد الذين ماتوا بسبب الجفاف وهم يفرون من “داعش”؛ والعائلات التي ما تزال عالقة فوق الجبل؛ وآلاف النساء والأطفال الذين ما يزالون في الأسر، وما الذي رآه إخوتي في موقع المذبحة. كنتُ واحدة فقط من مئات الآلاف من الضحايا الأيزيديين. لقد تمزيق مجتمعي وتفريقه، ليعيش أفراده كلاجئين في داخل العراق وخارجه، وكانت كوجو ما تزال تحت احتلال “داعش”. كان هناك الكثير جداً مما يحتاج العالم إلى سماعه عما يحدث للأيزيديين.
أردتُ أن أخبرهم بأن هناك الكثير مما ينبغي عمله. كنا بحاجة إلى إقامة منطقة آمنة للأقليات الدينية في العراق؛ وإلى محاكمة “داعش” –من القادة نزولا إلى المواطنين الذين دعموا فظاعاتهم- عن الإبادة الجماعية والجرائم التي ارتكبوها ضد الإنسانية؛ وإلى تحرير كل سنجار. كنت أود أن أخبرهم عن الحجي سلمان وعدد المرات التي اغتصبني فيها وكل الإساءات التي شهدتها. وكان اتخاذ القرار بأن أكون صادقة واحداً من أصعب القرارات التي اتخذتها في حياتي، وأكثرها أهمية أيضاً.
كنتُ أرتجف بينما أقرأ خطابي. وبالقدر الذي استطعته من الهدوء، تحدثت عن كيف تم الاستيلاء على كوجو، وكيف أُخذت الفتيات مثلي كسبايا. أخبرتهم عن كيف تم اغتصابي وضربي بشكل متكرر وكيف تمكنت من الهرب في نهاية المطاف. أخبرتهم عن إخوتي الذين قتلوا. لن يصبح من الأسهل مطلقاً أن تقص قصتك. في كل مرة تحكيها، فإنك تعيشها من جديد. وعندما أخبر أحداً عن نقطة التفتيش حيث اغتصبني الرجال، أو الشعور بسوط الحجي سلمان عبر البطانية بينما أرقد تحتها، أو سماء الموصل المعتمة بينما كنتُ أفتش في الحي عن أي علامة على المساعدة، فإنني أنتقل عائدة إلى تلك اللحظات وكل ما فيها من أهوال. كما يعود الأيزيديون إلى هذه الذكريات بدورهم أيضا.
قصتي، التي أرويها بصدق وبكل الحقيقة، هي أفضل سلاح أملكه ضد الإرهاب، وأنا أخطط لاستخدامها حتى يُقدَّم هؤلاء الإرهابيون إلى المحاكمة. ما يزال هناك الكثير الذي ينبغي عمله. ويجب أن يقف قادة العالم، خاصة القادة الدينيين المسلمين، ويوفروا الحماية للمضطهدين.
ألقيت خطابي القصير. وعندما أنتهيت من قص حكايتي، واصلت الحديث. قلت لهم أنها لم تتم تنشئتي لإلقاء الخطب. قلت لهم أن كل أيزيدي يريد أن يحاكم “داعش” عن الإبادة الجماعية، وأن في وسعهم أن يساعدوا في حماية الناس الضعفاء والمكشوفين في كل أنحاء العالم. قلت لهم أنني أريد أن أنظر إلى الرجال الذين اغتصبوني في العين وأراهم وهم يُجلبون إلى العدالة. وأكثر من أي شيء أخر، قلت، أريد أن أكون آخر فتاة في العالم، لها قصة مثل قصتي.

الغد