وصلت تعزيزات عسكرية للجيش التركي تشمل مدافع ومركبات عسكرية، السبت، مركز ولاية كليس الحدودية مع سوريا. وتهدف تلك التعزيزات، بحسب وسائل إعلام تركية، إلى تعزيز قدرات الوحدات العسكرية المرابطة على الحدود، إلا أن المراقبين يرون أنها تأتي في سياق التصعيد التركي ضد القوات الكردية، المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تعتبر حجر عثرة، ما قد يفضي إلى تصعيد جديد في حدة الخلافات بين أنقرة وواشنطن، بعد التحسن الطفيف في العلاقات على خلفية الإفراج عن القس أندرو برانسون.
على الرغم من أن إطلاق سراح القس برانسون أنقذ العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة من الانزلاق نحو المزيد من التدهور، ونزع فتيل أزمة سياسية خطيرة بين البلدين، إلا أن هذا لم يشفع لأنقرة لدى واشنطن؛ حتى تغير الأخيرة سياستها نحوها، مع تنامي الخلافات بين البلدين بخصوص الشأن السوري.
أصدرت إحدى المحاكم الواقعة في منطقة علي أغا بإزمير، التي تقع بدورها في منطقة إيجة غرب الأناضول، حكما بتاريخ 12 أكتوبر 2018 يقضي بحبس القس التبشيري أندرو برانسون ما يزيد عن ثلاث سنوات. لكن بعد جدل وتوتر أميركي تركي، وصل حد فرض عقوبات، تم إطلاق سراح برانسون وسمحت السلطات التركية بعودته إلى منزله، أو مغادرة تركيا، إن هو أراد ذلك؛ نظرا إلى أن مدة احتجازه أثناء فترة المحاكمة تجاوزت العامين.
لم تمر سوى ساعات قليلة على صدور قرار المحكمة حتى غادر القس تركيا على متن طائرة عسكرية أميركية عائدا إلى بلده. وكان المدعي العام التركي وجه تهما إلى برانسون بتقديم مساعدات إلى الضالعين في محاولة الانقلاب الأخيرة عن طريق كنيسته الصغيرة في إزمير، بالإضافة إلى ارتباطه بعلاقات وثيقة مع المتمردين الأكراد، وتقديمه يد العون لهم، ولكن ما لبث أن تبددت كل هذه الاتهامات في اليوم الأخير للمحاكمة عندما قام شهود العيان بسحب شهادتهم ضد برانسون تمهيدا لصدور هذا الحكم الذي جاء لصالحه.
ذكر المحللون أن قرار المحكمة جاء متوافقا بالدرجة الأولى مع رغبة ملحة لدى الحكومة التركية في إنهاء الأزمة، وإصلاح علاقتها مع الولايات المتحدة؛ فقد صرَّح الباحث في مشروع ديمقراطية الشرق الأوسط المحايدة، والأستاذ المساعد في جامعة سانت لورانس هوارد إيسينستيت قائلا “كانت قضية القس برانسون منذ بدايتها، وحتى صدور الحكم ببراءته قضية دبلوماسية من الطراز الأول”.
وفيما أخذ البعض يردد أخبارا عن تعرض الحكومة التركية لضغوط كبيرة حتى ترضخ لطلب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإطلاق القس، روّج فريق آخر لفكرة احتمال عقد صفقة بين البلدين؛ كانت قضية برانسون إحدى أوراق المساومة فيها.
وفي الوقت الذي نفت فيه إدارة ترامب عقد أي اتفاق مع تركيا لإطلاق سراح برانسون، كان لافتا أن لهجة الحكومة التركية تجاه القضية تغيَّرت تماما وتخلت عن تشددها المعهود حيالها.
وفيما لم تتضح بعد معالم الاتفاق الذي أبرمه الجانبان، تساءل إيسينستيت قائلا “هل قدَّمت الولايات المتحدة شيئا لتركيا مقابل الإفراج عن القس برانسون؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فماذا عساها قدَّمت؟”.
تأمل تركيا في أن تقوم الولايات المتحدة، في المقابل، برفع العقوبات الاقتصادية، التي فرضت عليها بما يُسهم في إنعاش الاقتصاد التركي، الذي يتعرض لهزة عنيفة.
وصرّحت مديرة الدراسات التركية بمعهد الشرق الأوسط، الذي يتخذ من واشنطن مركزا له، غونول تول، قائلة “أظهر إطلاق سراح القس برانسون نجاح استخدام سياسة استخدام الشدة مع أردوغان”.
وذكرت “ساعد هذا القرار في تهدئة أجواء التوتر بين أردوغان وترامب؛ الأمر الذي يهيّئ المناخ من أجل التفاوض بشأن موضوعات أخرى”. وكانت سياسة الولايات المتحدة المتشددة ضد أردوغان كانت بمثابة رسالة تحذيرية حادة اللهجة حول مسلك تركيا في قضايا أخرى في منطقة الشرق الأوسط.
وتأتي المسألة السورية على رأس هذه الموضوعات، التي من المحتمل أن تتصاعد حدة الخلافات بين الجانبين مجددا بشأنها؛ فتركيا تشعر بغضب كبير من الدعم الأميركي المتزايد لوحدات حماية الشعب الكردية بسوريا، التي تعتبرها واشنطن حليفا لها في محاربة تنظيم الدولة.
وأتاح الدعم الأميركي للأكراد السوريين فرصة إقامة منطقة حكم ذاتي خاصة بهم بالقرب من الحدود التركية، في الوقت الذي تؤكد فيه تركيا أن وحدات حماية الشعب ترتبط بعلاقات وثيقة بحزب العمال الكردستاني، الذي تخوض ضده حربا منذ عام 1984، والمصنف كجماعة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة على حدّ سواء.
من هنا كان التباين في المواقف بين الجانبين بشأن وحدات حماية الشعب بمثابة الشوكة التي وقفت منذ فترة عقبة كأداء أمام تنامي العلاقة بين البلدين.
وحتى إن أعرب الكثير من الدبلوماسيين الأتراك عن أملهم في أن تمر العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة بأيام رخاء بعد إطلاق سراح القس برانسون، فسيظل الشأن السوري موضع شد وجذب بين الجانبين.
وصرَّح أردوغان عشية صدور قرار المحكمة بإطلاق سراح برانسون بأنه لم يكترث كثيرا بالاتفاق التركي-الأميركي، الذي يقضي بانسحاب مقاتلي وحدات حماية الشعب من مدينة منبج السورية.
وتحدث في اجتماع جماهيري له في جنوب شرق تركيا قائلا “إنهم يتمركزون الآن في منبج، فماذا يعني هذا؟ إنهم يقولون لنا لقد جهَّزنا لكم قبوركم، تعالوا سندفنكم هناك!”.
وأردف قائلا “قالوا إنهم سيتركون المكان خلال 90 يوما، ولكن هذا لم يحدث. سنفعل ما نراه ضروريا حيال هذا الأمر”.
وراح الرئيس التركي يكرر تحذيراته بأن تركيا سترسل جنودا أتراكا إلى الداخل السوري لإخراج وحدات حماية الشعب من المنطقة الواقعة إلى الشرق من نهر الفرات، على الرغم من أن الولايات المتحدة تحظر على الأتراك الدخول إلى هذه المنطقة؛ لأن لها قوات عسكرية هناك لا يقل عددها عن ألفي جندي.
ولم تتوقف مزاعم أردوغان بشأن بدء الجيش التركي في الإعداد لتحركات جديدة باتجاه الشمال السوري في عملية قال إنها موجهة للقضاء على “أوكار الإرهاب في شرق الفرات”. وتواردت الأنباء عن بدء انتشار القوات التركية في جرابلس وعفرين وإدلب.
وراحت وسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية تبث أنباء عن استمرار الاستعدادات لبدء عملية طرد مقاتلي قوات حماية الشعب المتمركزين في مدن كوباني وتل أبيض ورأس العين وقامشلي بعيدا عن الحدود التركية.
ومن بين هذه الأخبار، ما روَّجته إحدى الصحف الموالية لأردوغان بقولها “ستقوم القوات التركية بإقامة منطقة آمنة” على الحدود التركية؛ تمتد من شرق الفرات حتى الحدود العراقية بمسافة 50-60 كم في عمق الأراضي السورية.
العرب