منذ عاد إلى مكتب رئيس الوزراء في 2009، حقق بنيامين نتنياهو مكانة سياسية وجماهيرية تكاد تكون غير مسبوقة في إسرائيل. ففي السنوات التي انقضت تصدر حملتين عسكريتين في قطاع غزة وبعدهما انتصر في حملتين انتخابيتين، رغم أنه لم يحقق وحده من الشريط المسجل الشهير الذي دعا فيه إلى “اسقاط حكم حماس”. كل الاستطلاعات الاخيرة تتوقع أنه في المرة التالية التي ستوجه فيها إسرائيل إلى صناديق الاقتراع، فإن هذا لن يتغير.
في هذه المرحلة، دارج امتشاق الكليشي الشعبي: لو كان رئيس المعارضة نتنياهو يقف في مواجهة رئيس الوزراء نتنياهو، لكنا شهدنا هجوما حادا ضد ما يعتبر كعجز ووهن في مواجهة الاحتكاك المتصاعد على حدود القطاع. يخيل أن من صدم في 2009 من الغراد الذي ضرب ضواحي عسقلان وسارع إلى أن يشرح بان هناك “عملية واحدة فقط” يمكنها “ان تزيل التهديد”، يبحث عن كل باستثناء ذاك الذي اقترحه هو نفسه قبل عقد من الزمن.
وهكذا، نشأ وضع غريب بل ومتناقض: وزن نتنياهو اصبح الذعر الاهم لمن يؤمن بان حربا اخرى في غزة لن تؤدي إلى أي شيء. في هذه المجموعة يوجد معارضون شديدون لرئيس الوزراء من نواح اخرى لا حصر لها: سياسية، اقتصادية، التحقيقات، الخطاب، اوفيرا السيك، سميها ما تشاء. ولكن ضبط النفس الذي ينتهجه، باسناد من جهاز الأمن، والمساعي لايجاد ابتكار ما يخفف في شيء عن المعضلة الغزية، هو في هذه اللحظة ما يفصل بيننا وبين رقصة موت وخراب أخرى على الجانبين.
تهز هذه الوضعية اللعبة السياسية: الوسط اليسار غير قادر على أن يعرض بديلا لا يتواصل مع اليمين. توجد هناك شعارات جميلة عن الصقر الامني والفاعلية الأمنية، اما عمليا فمن الصعب أن نرى آفي غباي او يائير لبيد يستخلصان كعكة مؤثرة أكثر من هذه البضائع الفاسدة. من الجهة الاخرى للمتراس، فإن معارك الطين بين وزير الأمن ووزير التعليم لا تبدو كنزال لنتنياهو بل كصراع بين طفلين على حق تسلم منصب مساعدة كبيرة لمربية الأطفال في الائتلاف التالي.
من هنا، فإن التهديد الكبير الوحيد على استراتيجية نتنياهو في غزة هو ما يقلقه حقا: الضغط الجماهيري، ولا سيما عندما يأتي من السكان الذين يعانون من حرق الحقول، صافرات الانذار الصادمة واحيانا من الصواريخ التي تعرض الحياة للخطر. ومع تعاظم الاحتجاج، فإن نتنياهو كفيل بان يشخص بان مجال المناورة لديه يتقلص – بمعنى المواد التي تثير الفزع الانتخابي ومعه يأتي التغيير الحاد في السياسة. مثال بارز من الماضي القريب هو التراجع والتفاتة حدوة الحصان في قضية الاتفاق مع مفوضية الأمم المتحدة في موضوع طالبي اللجوء.
وبالتالي فإن على نتنياهو ان يستغل هذه اللحظة، وهو شعبي جدا، لان يقول بصراحة ما الذي يريده حقا في غزة. في خطابه في بداية الدورة الشتوية للكنيست اقصي التوتر في الجنوب في صالح قصص الكنس التي زارها، اناشيد التمجيد للاقتصاد والعلاقات الخارجية، وبالطبع الهجمة التقليدية على اليسار والاعلام. ولكن بالذات في الموضوع الذي يحظى فيه بالاسناد والثناء على الجهود لمنع الحرب والتركيز على التهديدات من الشمال، فإن نتنياهو لا يشرح ما يقف خلف كلمات مثل التسوية والتهدئة، ولماذا نجدها أفضل من توسيع دائرة الثكل. لسبب ما نجده لا يستغل الحظوة الهائلة التي لديه كي يقول للإسرائيليين الحقيقة: في العقد الأخير من السنين خرجنا إلى ثلاث معارك في غزة، وبعد كل واحدة منها عدنا بالضبط إلى النقطة ذاتها، باستثناء أن عائلة كاملة هدمت. لعله يمكن خلاف ذلك.
إذا حصل هذا، لعله هو نفسه سيتفاجأ من شدة التصفيق.
الغد