الشارع الإيراني ضحية للعقوبات الأميركية

الشارع الإيراني ضحية للعقوبات الأميركية

يملك حيدر فكري (70 عاماً) متجراً صغيراً لبيع التجهيزات الصناعية في بازار طهران منذ ما قبل عام 1979، لكنه اليوم يخشى للمرة الأولى على استمرار تجارته. ويقول: «رفوفي فارغة، مخازني فارغة، وسأضطر إلى الإغلاق قريباً، حياتي كلها هنا. ولكن لن أصمد طويلاً بعد إغلاق متجري».

معاناة الاقتصاد الإيراني ليست جديدة، وسبقت قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أيار (مايو) الماضي الانسحاب من الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى الذي وقع عام 2015، ثم إعادة العمل بالعقوبات. وفاقم إعلان هذه العقوبات «المدمّرة» كما وصفها ترامب، من تدهور العملة الإيرانية التي خسرت 70 في المئة من قيمتها مقابل الدولار خلال سنة، وأجبر الشركات الأجنبية على مغادرة إيران.

أما إعادة العمل بالحظر النفطي أمس، فأغرقت البلاد في الانكماش، وتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي إلى تراجع الاقتصاد 3.6 في المئة العام المقبل. وبسبب القلق من الوضع الاقتصادي، اضطر فكري إلى وقف وارداته منذ أكثر من سنة، بعدما كان يزود زبائنه بمضخات وحفارات صناعية أوروبية منذ 47 عاماً.

ويوضح لـ «فرانس برس: «تراجعت المبيعات 90 في المئة خلال الشهور الـ6 الماضية، البازار برمته يعاني». والواقع أن كل السلع في إيران، من الأدوية إلى قطع غيار الطائرات مروراً بزجاجات البلاستيك، مرتبطة بشبكة الاستيراد العالمية، ما يعني أن انهيار العملة وعودة العزلة يهددان كل فئات المجتمع.

ولمساعدة الإيرانيين في مواجهة التضخم المتزايد، بدأت الحكومة بتوزيع حصص غذائية على نحو نصف المواطنين.

وبالنسبة إلى الطبقة الوسطى، يبدو التأثير النفسي الأكثر إيلاماً، فمع التوصل إلى الاتفاق النووي، تعاظم الأمل لدى أفرادها بإنهاء عزلة إيران على الصعيد الدولي.

ويقول سام كوردييه، الذي يترأس «بي جي تي أدفرتايزينغ» التي تمثل في طهران شركات غربية مثل «بريتيش إرويز» أو «نيسليه»: «لا أحد يعلم تحديداً ماذا يريد الأميركيون، لقد نفذنا كل مطالبهم ولكن ذلك لم يكن كافياً».

وتؤكد واشنطن أن العقوبات تهدف إلى وقف أنشطة إيران «المزعزعة للاستقرار» في الشرق الأوسط. وأجبر كوردييه على صرف 6 من موظفيه الثلاثين وتقليص رواتب الآخرين، فيما كان زبائنه الأجانب يغادرون الواحد تلو الاخر. ويتابع: «كنت أبكي حين أبلغتهم بذلك، هؤلاء هم الذين يدفعون ضريبة العقوبات، وعدد كبير من الشبان المتعلمين يغادرون البلاد، نرى هجرة أدمغة هائلة».

ويحمّل عدد كبير من الإيرانيين حكومتهم المسؤولية ويتهمونها بعدم تأمين حماية كافية لهم. ويقول عرفان يوسفي (30 عاماً) الذي افتتح مقهى جديداً ويواجه بدوره ارتفاع الأسعار وتراجع الزبائن: «نعم، الأميركيون يقومون بأمور سيئة، لكنهم يحمون مصالحهم، ولو حمت دولتنا مصالح إيران لما وصلنا إلى ما نحن عليه». وأضاف: «على القادة الإيرانيين في هذا السياق أن يقيموا توازناً بين أمرين، عدم التراجع أمام الضغط الأميركي، والالتفات إلى الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها الشعب».

وقال الرئيس حسن روحاني أمام البرلمان: «نعلم جميعاً أن الناس يعانون وهم تحت الضغط، ولكن لا نستطيع أن نقول لشعبنا إننا عاجزون عن فعل أي شيء بسبب الضغط الأميركي». واتهم وسائل الإعلام الأجنبية بـ «ملء عقول الناس بدعاية كاذبة» عن التضخم، على رغم أن المصرف المركزي أقرّ بأن أسعار المواد الغذائية زادت 46.5 في المئة منذ سنة…

ويقول عرفان جالساً في مقهاه الجديد: «أنا قلق على المستقبل. إن جيلنا يستفيق كل يوم من دون أن يعلم ماذا سيكون مصيره».

الحياة