تشكّل الرزمة الثانية من عقوبات مشددة فرضتها واشنطن على طهران، وبدأ تطبيقها أمس، اختباراً للنظام الإيراني الذي يواجه مشكلات داخلية متفاقمة وضائقة معيشية، وضغوطاً لكبح تدخلاته الإقليمية.
وأعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنها ستواجه إيران «من دون هوادة»، وخيّرتها بين تبديل سلوكها بنسبة 180 درجة، أو مواجهة «انهيار اقتصادي». وتعهّدت فرض مزيد من العقوبات، مجددة في الوقت ذاته دعوتها طهران إلى إبرام اتفاق جديد بدل الاتفاق النووي المُبرم عام 2015، وانسحبت منه الولايات المتحدة في أيار (مايو) الماضي.
وفي مؤشر إلى حجم الصعوبات التي ستواجهها طهران، أعلنت شبكة «سويفت» لخدمة التراسل المالي (مقرّها بروكسيل) تجميد استفادة مصارف إيرانية من خدمتها. ووَرَدَ في بيان أصدرته: «بناءً على مهمتها في دعم صلابة النظام المالي العالمي ونزاهته، بوصفها تسدي خدمات عالمية ومحايدة، تجمّد سويفت وصول مصارف إيرانية إلى شبكتها للتراسل. هذا الإجراء، على رغم أنه مؤسف، اتُخذ من اجل مصلحة النظام المالي العالمي واستقراره ونزاهته». ولفتت إلى أنها «لا تملك رساميل ولا تدير حسابات لزبائن».
لكن الرئيس الإيراني حسن روحاني قارن ترامب بالرئيس العراقي السابق صدّام حسين، واعتبر أن بلاده تواجه «وضع حرب»، متعهداً الالتفاف على العقوبات الأميركية، علماً أن طهران أقرّت بأن آلية مالية أعدّها الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد هي «معقدة وتستغرق وقتاً طويلاً» لاعتمادها. وأكدت ايران أنها «لن ترضخ للضغوط»، مطالبة المجتمع الدولي بـ «ردّ جماعي» على الولايات المتحدة.
وتعهد الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وبريطانيا حماية شركات القارة العاملة في إيران، فيما ندّدت الصين بـ «عقوبات أحادية» وشددت روسيا على مواصلة «التعاون الدولي والاقتصادي والمالي مع ايران وتوسيعه». في المقابل، اعتبرت إسرائيل أن العقوبات الجديدة ستوجّه «ضربة قاسية إلى إيران وتخنق إرهابها»، وترقّبت «تغييراً جوهرياً في الشرق الأوسط».
في واشنطن، اتهم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إيران بـ «زعزعة استقرار الشرق الأوسط»، معتبراً أن العقوبات الجديدة «ستسرّع وتيرة تراجع نشاطها الاقتصادي الدولي». وأضاف: «لدى النظام الإيراني خيار: إما أن ينأى 180 درجة عن مساره الخارج عن القانون ويتصرّف مثل دولة عادية، وإما أن يشهد انهيار اقتصاده». وتعهد مواصلة الضغط على النظام «من دون هوادة»، كي يبدّل سلوكه «المزعزع للاستقرار» في المنطقة. وتابع: «نأمل بالتوصل إلى اتفاق جديد مع إيران (التي) لن تقترب أبداً من امتلاك سلاح نووي» خلال عهد ترامب.
وأعلن بومبيو أن الولايات المتحدة منحت ثماني دول إعفاءً لستة اشهر، يمكّنها من مواصلة استيراد نفط إيراني. والدول هي الصين والهند واليونان وإيطاليا وتايوان واليابان وتركيا وكوريا الجنوبية. ولفت إلى أن أكثر من 20 دولة خفّضت وارداتها من نفط إيران، ما قلّص مشترياتها بأكثر من مليون برميل يومياً، علماً أن براين هوك، الموفد الأميركي الخاص المكلّف ملف إيران، ذكر أنها خسرت إيرادات نفطية بنحو بليونَي دولار، منذ أيار الماضي.
أما وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين فأعلن أن العقوبات تطاول 50 مصرفاً وكيانات تابعة لها وأكثر من 200 شخص وسفينة في قطاع الشحن، كما تستهدف الخطوط الجوية الإيرانية (إيران آر) وأكثر من 65 من طائراتها، إضافة إلى المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية وأفرعها والأفراد المرتبطين بها.
وقال: «فرض ضغوط مالية على إيران يُعتبر سابقة، يجب أن يوضح للنظام الإيراني أنه سيواجه عزلة مالية متزايدة وركوداً اقتصادياً، كي يبدّل جذرياً نشاطاته المزعزعة للاستقرار». وأضاف في إشارة إلى الإيرانيين: «إذا حاولوا الالتفاف على عقوباتنا، سنواصل اتخاذ مزيد من الإجراءات لوقف نشاطهم. الضغط الأقصى الذي تمارسه الولايات المتحدة سيزداد، وعلى الشركات في العالم أن تدرك أننا سنطبّق العقوبات في شكل صارم».
أما مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون فلوّح بـ «فرض عقوبات تتجاوز ذلك»، وزاد: «لن نرضى بالعقوبات التي كانت موجودة في عهد (الرئيس السابق باراك) أوباما عام 2015». وكان ترامب اعتبر أن سياسة «أقصى الضغوط» على إيران تؤتي ثمارها، وتابع: «إيران بلد مختلف كثيراً عمّا كان عليه عندما توليت منصبي. كان (الإيرانيون) يريدون السيطرة على الشرق الأوسط، والآن يريدون فقط البقاء».
في المقابل، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول إيراني بارز قوله: «نحن معتادون على العقوبات الأميركية. لسنا قلقين ولن نرضخ للضغوط».
ووجّه المندوب الإيراني لدى الأمم المتحدة غلام علي خوشرو رسالة إلى أمينها العام أنطونيو غوتيريش، ورد فيها أن «التصرّف الأميركي غير المسؤول يتطلّب رداً جماعياً من المجتمع الدولي، لرفع شأن سيادة القانون ومنع تقويض الديبلوماسية وحماية التعددية».
وكان روحاني رأى أن ايران «في وضع حرب اقتصادية»، وخاطب الأميركيين قائلاً: «أُعلِن أننا سنلتف بفخر على عقوباتكم غير المشروعة والظالمة، لأنها تخالف القوانين الدولية. سنواصل بيع نفطنا ونخرق العقوبات».
ولفت إلى أن قادة «أربع دول كبرى» عرضوا عليه، خلال زيارته نيويورك في أيلول (سبتمبر) الماضي، للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التوسط كي يلتقي ترامب. وأعلن أنه رفض، وزاد مخاطباً الأميركيين: «لا حاجة لوساطة ولهذه الرسائل. التزموا تعهداتكم وسنجلس ونتحاور».
ورأى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن «البلطجة الأميركية تأتي بنتائج عكسية»، معتبراً أن «العالم لن يسمح لترامب وشركائه بتدمير النظام الدولي».