تواصلت ارتدادات فرض أميركا الحزمة الثانية من العقوبات على إيران، وسط استقرار أسواق النفط العالمية بسبب الإعفاءات التي منحت للعديد من الدول. وفي الوقت الذي استفادت فيه دول من الإعفاءات مثل تركيا التي ارتفع سعر عملتها على إثر منحها استثناء لاستيراد النفط من طهران، يتخوف فيه العراق من آثار سلبية ستطاول الأسواق التي تعتمد على إيران بشكل كبير.
وأدت الاستثناءات واسعة النطاق من العقوبات لانحسار المخاوف من نقص الإمدادات النفطية بالأسواق، مما خفف الضغط على الشركات والحكومات والاقتصادات حول العالم التي عانت جراء ارتفاع أسعار الوقود.
وبعد يوم من بدء تطبيق عقوبات واشنطن على النفط الإيراني، قال وزير النفط الكويتي بخيت الرشيدي، أمس الثلاثاء، إن أسواق النفط العالمية مستقرة حاليا، مضيفا أنه يتوقع استمرار الاستقرار حتى نهاية العام الحالي. وأبلغ الرشيدي الصحافيين في الكويت أن اجتماع أوبك الشهر القادم سينظر إن كانت السوق بحاجة إلى مزيد من النفط الخام، وما إذا كانت هناك زيادة في المخزونات. وتراوحت أسعار النفط في جلسة أمس، بين 72.4 و73 دولاراً لبرميل برنت.
إعفاء الصين
وتواصلت الأنباء الإيجابية لأسواق النفط في ظل الإعفاءات الأميركية لعدة دول من العقوبات التي فرضتها على إيران. وحسب مصادر لرويترز أمس، سمحت واشنطن للصين بشراء 360 ألف برميل يوميا من النفط من طهران لمدة 180 يوما.
يتضمن الإعفاء من العقوبات شروطا مثل ضرورة الكشف عن الأطراف المقابلة ووسائل التسوية. واشترت بكين في المتوسط 655 ألف برميل يوميا من طهران في الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى سبتمبر/ أيلول وفقا لبيانات الجمارك الصينية.
وكانت العقوبات الأميركية على النفط الإيراني التي بدأ تطبيقها أول من أمس، تستهدف خفض صادرات إيران إلى أقصى حد ممكن، ولكن الإعفاءات الممنوحة لأكبر عملاء إيران ستتيح لهم مواصلة شراء بعض النفط الإيراني لمدة 180 يوما على الأقل.
وتظهر بيانات تجارية أن الدول الثماني المستثناة من العقوبات، الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان وإيطاليا واليونان وتايوان وتركيا، تشتري ما يصل إلى 75 % من صادرات النفط الإيرانية المنقولة بحرا.
وقال المدير الإقليمي للشرق الأوسط وأفريقيا في وحدة ايكونوميست انتليجنس، بات ثيكر، أمس، إن “قرار الولايات المتحدة (منح استثناءات) يمثل تحولا، في الوقت الحالي، عن الهدف المعلن وهو خفض صادرات إيران إلى صفر”.
صادرات إيران
وسجلت صادرات النفط الإيرانية هبوطا حادا منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منتصف العام أنه سيعيد فرض عقوبات على طهران، ولكن في ظل الاستثناءات التي أعلنتها واشنطن يتوقع أن تعزز إيران صادراتها من كبار عملاء طهران طلبيات الشراء في الشهر المقبل.
وحسب إس آند بي جلوبال بلاتس اناليتيكس “من المتوقع أن تخفض العقوبات الأميركية صادرات الخام الإيراني إلى 1.1 مليون برميل يوميا في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل”.
وذكرت مصادر في قطاع تجارة النفط أن عددا من المستوردين في آسيا يدرسون بالفعل زيادة طلبيات الشراء من إيران قريبا.
وقال ترامب، أول من أمس، إنه يريد فرض العقوبات على النفط الإيراني تدريجيا، مشيرا لمخاوف من حدوث صدمة في السوق تقود لقفزة في الأسعار.
وفي لهجة تحد لأميركا، قال نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانجيري، أمس، إن إيران تستطيع بيع النفط قدر حاجتها رغم الضغوط الأميركية.
ونقلت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية عن جهانجيري قوله: “قال الأميركيون مرارا إنهم سيقلصون مبيعات إيران من النفط إلى الصفر، لكني أقول إننا حتى الآن، قادرون على بيع الكميات التي نحتاج لبيعها من الخام”.
من جهة أخرى، قال محافظ البنك المركزي الإيراني عبد الناصر همتي أمس الثلاثاء إنه يجب على البنوك الاستفادة من خبرتها السابقة في التعامل مع العقوبات لمساعدة الوضع الاقتصادي للبلاد.
تركيا والإمارات
وكانت تركيا من أبرز المستفيدين بالإعفاءات الأميركية على النفط الإيراني إذ سجلت عملتها 5.33 ليرات مقابل الدولار أمس، مقتربة من أقوى مستوياتها في ثلاثة أشهر ومدعومة بتفاؤل المستثمرين بعد تلقي أنقرة نبأ الاستثناء الأميركي.
وكانت الليرة، المتعافية من انحدار نزل بها إلى مستويات قياسية منخفضة، فقدت 40% من قيمتها منذ بداية العام قبل أن تتحسن خلال الفترة الأخيرة.
ومن جانبه، قال محافظ مصرف الإمارات المركزي مبارك راشد المنصوري، أمس، إن بلاده لا تتوقع أثرا ملموسا على اقتصادها من أحدث العقوبات الأميركية على إيران. وأضاف المحافظ خلال مؤتمر في أبوظبي أن البنكين الإيرانيين العاملين في الإمارات يزاولان أنشطة محدودة تتعلق بالإيرانيين المقيمين في الدولة.
مخاوف العراق
وبالنسبة للعراق فقد أثارت العقوبات المخاوف من أن تكون بغداد أحد أكبر المتضررين في هذا السياق، بسبب اعتمادها بشكل كبير على مشتقات الطاقة كالبنزين والغاز، بالإضافة للمواد الإنشائية والصناعية والغذائية، ولا سيما أن أميركا لم تعلن رسميا إعفاء العراق من العقوبات على إيران حتى الآن، رغم أن مسؤولين عراقيين، رفضوا ذكر اسمهم، قالوا في وقت سابق، إن واشنطن منحت بغداد إعفاءً للطاقة والغذاء.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران خلال العام الماضي قرابة 8 مليارات دولار، بينها 77 مليون دولار فقط هي قيمة صادرات بغداد إلى طهران، وفقًا لمصدر رسمي في وزارة التجارة العراقية.
وتوقعت الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم في حديثها لـ”العربي الجديد”، ارتفاعا لسعر الدولار في العراق في ظل زيادة طلب، إذ تذهب العملة الأميركية لإيران عبر مصارف عراقية.
وفي نفس السياق، ووفقا لنائب في البرلمان العراقي في حديث لـ”العربي الجديد”، فإن “هناك فصائل مسلحة تسعى لمساعدة إيران وتمويلها في أيام العقوبات المقبلة، خاصّة وأنها تتحرك بأوامر إيرانية فضلًا عن وجود سياسيين لا يخفون علاقاتهم القريبة مع طهران”.
ولفت النائب، الذي رفض ذكر اسمه، إلى أن إيران تعتبر العراق ممر طوارئ لها للتخلص من العقوبات الأميركية، والفصائل المسلحة ستمارس ضغوطا وترهيبا على مؤسسات الدولة العراقية، كاشفا عن أن بلاده تسعى للتفاوض حاليا مع الأميركيين لاستثنائها، لكن بنفس الوقت لديها خوف من انهيار الدينار لارتباطه بالدولار الذي بدأ من الآن بالتناقص في السوق العراقية لوجود شبكات تهربه لطهران.
من جهته، قال النائب البرلماني عن تحالف الإصلاح برهان المعموري لـ”العربي الجديد”، إنّ “العقوبات على إيران ستؤثر على العراق باعتبار أنّ هناك الكثير من الأمور الاقتصادية التي تربط البلدين الجارين”.
وأكد النائب عن تحالف البناء عباس الزاملي لـ”العربي الجديد”، “بالنسبة لنا كحكومة عراقية علاقاتنا الدبلوماسية جيدة مع الأميركان والدول العربية، ونحافظ على الاقتصاد العراقي كي لا يتأثر بالعقوبات على إيران أو غيرها”.
وأكد أن “هناك كلاما كثيرا سيتردد حول تهريب العملة، لكن لم يحصل ذلك، وهمنا الأول والأخير هو الحفاظ على الاقتصاد العراقي”.
العربي الجديد