بدو الانتخابات البرلمانية التركية في السابع من يونيو/حزيران الجاري مختلفة عن كل سابقاتها لدرجة وصفها بالمحورية والتاريخية، أولًا: لعدم إمكانية القطع بنتائجها، وثانيًا: لما سيترتب عليها من نتائج وانعكاسات قد تؤثِّر على مجمل المشهد السياسي التركي وتوجهات البلاد بعدها.
تناقش هذه الورقة أهمية الانتخابات البرلمانية التركية المقبلة، بتحليل خلفيتها التاريخية وسياقاتها الاجتماعية والسياسية، وتستعرض أبرز الأحزاب المتنافسة وبرنامج وحظوظ كل منها، والتطورات المترتبة على نتائج الانتخابات، وفرص حزب العدالة والتنمية في تكرار الفوز والعقبات أمام ذلك، والنتائج المتوقعة وفق سيناريوهات ثلاثة:
الأول: تشكيل العدالة والتنمية للحكومة منفردًا بنسبة مريحة.
الثاني: حكومة ضعيفة أو ائتلاف حكومي بقيادة العدالة والتنمية.
الثالث: ائتلاف حكومي بدون مشاركة العدالة والتنمية.
وترجح الورقة، وفق استطلاعات الرأي الصادرة عن المراكز البحثية وشركات الاستطلاع الموثوقة، نجاح العدالة والتنمية في تشكيل الحكومة منفردًا مرة أخرى مع فرص أقل لصياغة دستور جديد يُقرُّ النظام الرئاسي في البلاد، مع وجود سيناريو أقل حظًّا بتشكيله ائتلافًا حكوميًّا مع حزب الحركة القومية أو حزب الشعوب الديمقراطي، بينما تستبعد الورقة تراجع الحزب الحاكم لدرجة تشكيل ائتلاف حكومي يستثنيه.
أعلنت الهيئة العليا للانتخابات التركية في السابع من إبريل/نيسان المنصرم مشاركة 20 حزبًا و166 مرشحًا مستقلًّا في الانتخابات البرلمانية المزمع تنظيمها في السابع من يونيو/حزيران الجاري(1). وتتقدم هذه القائمة الأحزاب الأربعة الكبرى الممثلة الآن في البرلمان، وهي: حزب العدالة والتنمية الحاكم وأحزاب المعارضة: الشعب الجمهوري والحركة القومية والشعوب الديمقراطي، والتحالف الانتخابي بين حزبي الفضيلة والاتحاد الكبير، إضافة إلى 15 حزبًا صغيرًا آخر.
وتحمل الانتخابات البرلمانية القادمة أهمية خاصة لسبيين رئيسين: الأول: هو صعوبة التكهن بنتائجها كما سابقاتها في ظل حسابات معقدة سببها النظام الانتخابي التركي الذي يشترط على الأحزاب الحصول على نسبة 10% من أصوات الناخبين لدخول البرلمان. والثاني: هو الاستحقاقات المترتبة على نتائج هذه الانتخابات، وفي مقدمتها صياغة دستور جديد للبلاد، وإتمام عملية السلام الداخلية مع الأكراد، وتغيير النظام السياسي في البلاد إلى نظام رئاسي.
ولئن كانت كل استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم العدالة والتنمية على كافة الأحزاب المنافسة، إلا أن السؤال الأهم يتعلق بعدد النواب الذين سيتمكن الحزب من إيصالهم لمجلس الأمة الكبير (البرلمان) بما يمكِّنه من تشكيل الحكومة أولًا، ثم إتمام برنامجه ووعوده ثانيًا، وخصوصًا موضوع الدستور الجديد. والحال كذلك، يبدو أن الانتخابات القادمة ستحدد وجهة ومصير تركيا -وقبلها حزب العدالة والتنمية- في المستقبل القريب، وهو ما ستتناوله هذه الورقة بشيء من التفصيل.
انتخابات برلمانية مصيرية
يتصدر حزب العدالة والتنمية المشهد السياسي في تركيا منذ عام 2002، فاز خلالها في 9 استحقاقات انتخابية متتالية وشكَّل بمفرده أربع حكومات في ثلاث فترات برلمانية، في ظل نظام برلماني وفق دستور عام 1982 الذي صاغه قادة انقلاب عام 1980(2).
* جدول للمنافسات الانتخابية التي خاضها العدالة والتنمية ونسبة التصويت له، من إعداد الباحث.
حقَّق الحزب الحاكم لتركيا خلال هذه الفترة استقرارًا سياسيًّا وتنمية اقتصادية، ونفَّذ العديد من الإصلاحات الديمقراطية، وحافظ على استقرار واقتصاد تركيا رغم الأزمات الاقتصادية العالمية والاضطرابات السياسية في دول الجوار، مستفيدًا من تشكيله حكومات متجانسة، وهو ما شجَّعه على طرح مشروعه “تركيا الجديدة”، الذي سينفذه عام 2023، أي: في الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية(3).
في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2007 وافق الناخبون الأتراك بنسبة 68.95% على حزمة من التعديلات الدستورية تضمَّنت انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع المباشر من الشعب، بعد أن كان يُنتخب من قِبل البرلمان. وبناء على ذلك فقد كان رجب طيب أردوغان أول رئيس تركي منتخب بالاقتراع الشعبي المباشر في العاشر من أغسطس/آب 2014؛ وهو ما أدى إلى أن يصبح النظام السياسي التركي نظامًا هجينًا، فرغم أنه -نظريًّا- نظام برلماني يقود رئيس الوزراء فيه السلطة التنفيذية، إلا أن الدستور يعطي رئيس الجمهورية بعض الصلاحيات التي تتداخل مع صلاحياته.
زاد هذا من أهمية صياغة دستور جديد للبلاد يعيد تشكيل النظام السياسي للبلاد لإزالة هذا التعارض، الذي لم يؤدِّ حتى الآن إلى إشكالات كبيرة باعتبار أن الرئيس ورئيس الوزراء ينتميان لنفس الحزب والاتجاه، لكنه يحمل بين طياته بذور أزمة كبرى في حال شكَّل الحكومة حزب آخر أو ائتلاف حكومي، وهو ما دفع الحزب الحاكم لطرح فكرة تغيير النظام السياسي في البلاد إلى رئاسي.
من ناحية أخرى، تدير الدولة التركية عبر جهاز الاستخبارات عملية سياسية مع حزب العمال الكردستاني الذي يخوض معها منذ عام 1984 صراعًا مسلحًا لانتزاع حقوق الأكراد في تركيا. وقد أعلنت الحكومة التركية في مؤتمر صحافي مشترك مع حزب الشعوب الديمقراطي -الذي يُنظر إليه على أنه الذراع السياسية للعمال الكردستاني- عن خارطة طريق لإنهاء “المشكلة الكردية” في تركيا بالطرق السلمية(4). من هنا تبرز أهمية الانتخابات القادمة ومدى قدرة العدالة والتنمية على الفوز فيها، أولًا: باعتباره صاحب فكرة الحل السياسي مع حزب العمال الكردستاني رغم انتقادات المعارضة، وثانيًا: لأن الإصلاحات المقصودة تعتمد على صياغة دستور جديد.
أهم الأحزاب المتنافسة وفرصها
أعلنت الهيئة العليا للانتخابات في تركيا مشاركة 20 حزبًا في الانتخابات المقبلة، لكننا سنتناول في هذه الورقة الأحزاب الكبيرة والمؤثرة فقط(5).
حزب العدالة والتنمية
أُسِّس حزب العدالة والتنمية في 14 أغسطس/آب 2001، بتجمع التيار الإصلاحي الذي خرج من حزب الفضيلة بقيادة أردوغان، إضافة لبعض الرموز الليبرالية والقومية واليسارية. وقد فاز الحزب في الانتخابات البرلمانية لثلاث مرات متتالية في 2002، و2007، و2011، ويقوده منذ أغسطس/آب 2014 أحمد داود أوغلو بعد انتخاب رئيسه السابق ومؤسسه أردوغان رئيسًا للجمهورية، وقد حصل في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (2011) على نسبة 49.9%.
تضمن برنامج الحزب الانتخابي ستة عناوين رئيسة، هي:
الإصلاحات الديمقراطية والنظام الدستوري الجديد.
التنمية الإنسانية والمجتمع النوعي.
اقتصاد مستقر وقوي.
العلم والتكنولوجيا والإنتاج المبتكر.
مدن صالحة للعيش، وبيئة مستدامة.
دولة رائدة ذات رؤية.
وتتضمن هذه العناوين الرئيسة أهم مواد البرنامج التفصيلية، وهي:
أولًا: الدستور الجديد: حيث لا يزال دستور 1982 ساريًا حتى الآن رغم تعديل بعض مواده عدة مرات، وتُجمع الأحزاب التركية المختلفة على ضرورة صياغة دستور مدني جديد للبلاد، لكنها أخفقت في الاتفاق على المواد التفصيلية.
ثانيًا: النظام الرئاسي: يقرر البرنامج أن النظام الرئاسي -الذي ينادي به الحزب منذ سنوات- يمكنه حلُّ إشكالية تضارب الصلاحيات الحاصل حاليًا، وتداخل السلطات المتضمن في الدستور الحالي، وإعطاء زخم وسرعة تحتاجهما تركيا في الفترة المقبلة.
ثالثًا: التنمية والاستقرار الاقتصادي: عبر تحقيق الأمن والاستقرار، والبناء على المنجزات السياسية السابقة.
رابعًا: سياسة خارجية فاعلة: تسهم في التنمية العالمية وتنسج تعاونات إقليمية ودولية.
خامسًا: 100 مشروع: مثل مشاريع مطار إسطنبول الثالث والجسر الثالث ونفق مرمراي وقناة إسطنبول، وتصنيع أول طائرة وسيارة وطائرة عمودية ودبابة محلية الصنع، والمفاعلات النووية، والأقمار الصناعية، وغيرها(6).
حزب الشعب الجمهوري
هو أول الأحزاب تأسيسًا في تركيا؛ حيث أسسه مصطفى كمال أتاتورك عام 1923 على ستة مبادئ رئيسة، أهمها: العلمانية والقومية التركية(7). وقد حكم تركيا بمفرده حتى عام 1950، بعد أن أُقرَّت التعددية الحزبية في تركيا عام 1945، ثم شارك بعد ذلك في عدة حكومات ائتلافية. ويقود الحزب المعارضة التركية في مواجهة العدالة والتنمية منذ عام 2002، ويرأسه كمال كليجدار أوغلو، وقد حصل في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (2011) على 25.9%.
وقد عرض الحزب برنامجه الانتخابي تحت شعار “تركيا صالحة للعيش”، وفيه العناوين الرئيسة التالية:
الحريات، دولة القانون والديمقراطية.
اقتصاد شامل يخفض البطالة.
التكافل والعدالة الاجتماعية.
خدمة حكومية متميزة للمواطن.
الطبيعة وحق المدينة.
سياسة خارجية أساسها المواطن والقيم.
نحو مجتمع المعلومات(8).
وقد ابتعد الحزب في حملته الحالية عن الخطاب الأيديولوجي، مركِّزًا على الملف الاقتصادي الذي يلمس حياة المواطن اليومية، ومقدِّمًا وعودًا تتعلق بالحد الأدنى للأجور ورواتب المتقاعدين ونسبة البطالة، وغيرها من المؤشرات الاقتصادية، إضافة إلى مناقضة سياسة الحزب الحاكم الخارجية، واعدًا بتحقيق سلام مع سوريا وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
حزب الحركة القومية
هو حزب يميني، يتبنى القومية التركية بمرجعية إسلامية التوجه، أسَّسه ألب أرسلان توركش عام 1969، وشارك من يومها في عدة ائتلافات حكومية، وهو ثاني أحزاب المعارضة في البرلمان الحالي بنسبة 12.9%، ويرأسه دولت بهجلي.
وقد تضمن برنامج الحزب الانتخابي الذي حمل شعار “إصلاح مجتمعي ومستقبل سعيد” عناوين اقتصادية بالمجمل، إضافة إلى معارضته الشديدة والواضحة لعملية التسوية السلمية مع الأكراد(9).
حزب الشعوب الديمقراطي
في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2012، حوَّلت مجموعات “مجلس الشعوب الديمقراطي” نفسها إلى حزب الشعوب الديمقراطي، ثم انضمت إليه، في مايو/أيار 2014، مجموعة النواب الأكراد في البرلمان. يعتبر الحزب الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني، وهو حزب يساري التوجه كردي القومية، يؤمن بالرئاسة المشتركة بين الجنسين في كل المناصب ويرفع شعار نصرة “كل الشعوب” المظلومة والمهمَّشة.
يخوض الأكراد الانتخابات لأول مرة بقائمة حزبية بعد أن كانوا يترشحون كمستقلين، ثم يشكِّلون كتلة برلمانية لاحقًا، وقد شجعهم على ذلك تقدم عملية السلام مع الحكومة، وحصول مرشحهم للانتخابات الرئاسية صلاح الدين دميرتاش على نسبة 9.8%.
يتركز برنامج الحزب الانتخابي على أهمية تعزيز الديمقراطية، وإحلال السلام في البلاد عبر عملية الحل السياسي، ويدعو كل من يرغب في إضعاف سلطة العدالة والتنمية إلى انتخابه، باعتبار أن تخطيه الحاجز الانتخابي سيُضعف من قدرة الحزب الحاكم على صياغة الدستور وتغيير النظام السياسي(10).
حزب السعادة وحزب الاتحاد الكبير
حزب السعادة هو آخر أحزاب تيار الفكر الوطني أو “ميللي غوروش”، أي: تيار الإسلام السياسي الذي أسَّسه وقاده الراحل نجم الدين أربكان بعد حلِّ حزب الفضيلة، بينما حزب الاتحاد الكبير هو حزب إسلامي-قومي تأسس عام 1993 بالانشقاق عن الحركة القومية. وقد أعلن الحزبان في الأول من إبريل/نيسان الماضي عن تحالفهما في الانتخابات القادمة، وركَّز برنامجهما الانتخابي على الملف الاقتصادي أيضًا.
التوقعات واستطلاعات الرأي
لا يمكن الجزم بدقة شركات استطلاع الرأي والتزامها بالحياد والموضوعية في بلد حديث التجربة الديمقراطية كتركيا، وخصوصًا في ظل الاستقطاب السياسي الحاد وتعقيدات الحسابات وانعكاساتها في هذه الانتخابات. لكن باعتبار أن لكل انتخابات (رئاسية وبرلمانية ومحلية) فلسفتها وآلياتها الخاصة، فقد اخترنا استقراء مصداقية أهم شركات الاستطلاع من خلال توقعاتها للانتخابات البرلمانية في 2007 و2011، ثم تحليل ما تقدمه من توقعات للانتخابات المقبلة.
* هذا الجدول من إعداد الباحث.
** رغم صعوبة الوصول لنتائج (ANDY-AR) في 2007، إلا أننا ارتأينا إضافتها باعتبارها أفضل من توقع نتائج 2011.
*** استُخدم في الجدول الاختصارات التالية:
AKP: حزب العدالة والتنمية.
CHP: حزب الشعب الجمهوري.
MHP: حزب الحركة القومية.
أمَّا توقعات هذه الشركات وآخر استطلاعاتها للرأي الخاصة بالانتخابات القادمة فهي كالتالي(11):
* هذا الجدول من إعداد الباحث.
** إضافة إلى اختصارات الجدول السابق، استُخدم اختصار HDP للدلالة على حزب الشعوب الديمقراطي.
*** لم يتضمن الجدول شركة (A & G) لعدم إعلانها عن نتائجها حتى كتابة الورقة.
بتحليل الجدول، وغيره من الاستطلاعات التي اطَّلع عليها الباحث، يمكننا رصد التالي:
ثمة فوارق غير بسيطة بين نتائج الشركات المختلفة.
معظم استطلاعات الرأي تتوقع لحزب الشعوب الديمقراطي نسبة أدنى أو أعلى قليلًا من 10%، وهو ما يعني أن قدر الحزب ونتائج الانتخابات ككل لن يُحسَم بنسبة مقبولة من التأكيد قبل انتهاء عمليات فرز الأصوات.
يشير كل استطلاعات الرأي إلى تراجع العدالة والتنمية، وتقدم الشعب الجمهوري والحركة القومية، بالمقارنة مع نتائج 2011.
وفي بحث أسباب هذا التراجع للحزب الحاكم يمكننا ملاحظة ما يلي:
أولًا: خوضه الانتخابات لأول مرة بدون مؤسِّسه ورئيسه السابق أردوغان، صاحب المساهمة الأبرز في شعبيته.
ثانيًا: تجديد معظم قيادات الصف الأول في الحزب؛ حيث حُرِم 70 من نوابه ووزرائه الحاليين المعروفين للمواطن من الترشح بسبب مادة في نظامه الأساسي تحظر الترشح لأكثر من ثلاث مرات متتالية.
ثالثًا: ضعف الحماسة للانتخابات مقارنة بسابقاتها، لعدة أسباب، منها: استمرار الحزب في الحكم لـ 13 عامًا، وخفوت الشعور بالتهديد لدى أنصاره، إضافة إلى غضب بعض المصوِّتين له من بعض مواقفه، وبقاء نسبة مهمة من ناخبيه دون حسم قرارها بعد، وهو ما أشار له أكثر من كاتب محسوب على الحزب مؤخرًا(12).
رابعًا: قضايا الفساد التي اتُّهم بها أربعة من وزرائه السابقين، والتي رغم أنها لم تثبت عليهم إلا أن المعارضة استثمرتها بشكل جيد في حملاتها الانتخابية.
خامسًا: الخلافات التي نشبت بين بعض قيادات الحزب، وخاصة بين نائب الرئيس بولند أرينتش ورئيس بلدية أنقرة مليح غوكتشاك، والتي اعتُبرت نوعًا من الحرب بالوكالة بين أردوغان وداود أوغلو(13).
سادسًا: تحالف كل أحزاب المعارضة ووسائل إعلامها ضد الحزب الحاكم وتجنُّبها انتقاد بعضها البعض، وتركيزها على ضرورة دخول الشعوب الديمقراطي للبرلمان، وهو ما اعتبره داود أوغلو تعاونًا بينها وبين الكيان الموازي ضد حزبه(14).
سابعًا: أثار إصرار أردوغان وحزب العدالة والتنمية على النظام الرئاسي مخاوف الكثيرين من سيطرته الكاملة على الحياة السياسية التركية، ففضَّل بعضهم التصويت للأحزاب الأخرى لإضعاف قدرته على ذلك.
السيناريوهات المتوقعة
وفق الدستور، يحتاج تغيير الدستور البرلمان إلى موافقة ثلثي أعضائه (367 من 550) أو إلى موافقة 60% منهم (330 نائبًا) على طرحه في استفتاء شعبي تكفي لإقراره الأغلبية المطلقة (50%+1)، بينما يكفي 276 نائبًا (نصف عدد النواب زائد واحد) لتشكيل الحكومة(15).
ولذلك، فنجاح العدالة والتنمية في تشكيل الحكومة وتنفيذ برنامجه مرتبط بمدى قدرة حزب الشعوب الديمقراطي على تخطي الحاجز الانتخابي (10%)؛ أولًا: لأن قانون الانتخابات التركي ينص على توزيع أصوات الأحزاب التي لم تتخطَّ هذا الحاجز على الأحزاب الفائزة في نفس الدائرة الانتخابية، وثانيًا: لأن العدالة والتنمية هو الحزب الثاني -وربما الوحيد- بعد الشعوب الديمقراطي في جنوب شرقي البلاد ذي الأغلبية الكردية. وهكذا، فإن فشل الأخير سيعني ذهاب معظم أصواته للحزب الحاكم، بينما فوزه سيعني حرمان الأخير منها.
في ظل كل هذه المعطيات، تبدو تركيا ما بعد السابع من يونيو/حزيران الجاري أمام أحد 3 سيناريوهات:
الأول: فشل حزب الشعوب الديمقراطي في تخطي الحاجز الانتخابي، واستفادة العدالة والتنمية من أصواته وبالتالي قدرته على تشكيل الحكومة منفردًا وعلى طرح الدستور الجديد على استفتاء شعبي من خلال الحصول على 330 مقعدًا. وهذا هو السيناريو المرجَّح حتى الآن، والذي سيمكِّن الحزب الحاكم من تحقيق هدفي الدستور الجديد والنظام الرئاسي.
الثاني: تخطي الشعوب الديمقراطي الحاجز الانتخابي، وهو ما سيعني فشل العدالة والتنمية في الفوز بالأغلبية المطلقة، لكن تقدمه على باقي الأحزاب سيوفر له إمكانية تشكيل حكومة ضعيفة بمفرده أو ائتلافية بقيادته. وهو احتمال قائم لكنه أقلُّ حظًا، سيُضطر العدالة والتنمية إلى محاولة التوافق مع المعارضة على الدستور الجديد عبر تأجيل ملف النظام الرئاسي الخلافي.
الثالث: تخطي الحزب الكردي الحاجز الانتخابي وتقدم حزبي المعارضة الآخرَيْن في مقابل تراجع العدالة والتنمية، وهو ما سيؤدي إلى ائتلاف ثلاثي بين أحزاب المعارضة كافة حتى تتخطى الحزب الحاكم عدديًّا، وهو ائتلاف يحمل أسباب فشله بين جنباته، في ظل التنافر الكبير بين مكوناته، خاصة بين القوميين والأكراد، وهو ما قد يدفع البلاد نحو انتخابات مبكرة غير مضمونة النتائج أو العواقب.
خلاصة
في الخلاصة تبدو المنافسة الانتخابية القادمة مصيرية جدًّا ومحدِّدة لوجهة تركيا وشكل النظام السياسي فيها في المستقبل القريب، بالنظر لما ينتظرها من استحقاقات ستعتمد إمكانية تحقيقها على نتائج الانتخابات بشكل مباشر.
وبينما يزيد التضارب في نتائج استطلاعات الرأي من سخونة الحملات الانتخابية، فإنه يلقي بظلال كبيرة من الشك ويطرح العديد من علامات الاستفهام حول مدى قدرة تركيا على الاستمرار في تجربتها المعاصرة، التي بُنيت على مفردتي الاستقرار والتنمية الاقتصادية، في ظل الاستقطاب العميق في ساحتها السياسية حاليًا؛ حيث يبدو العدالة والتنمية لأول مرة غير متأكد من قدرته على الفوز بفارق يمكِّنه من تحقيق أهدافه، وتسود الساحة السياسية لأول مرة منذ 2002 بعضُ التوقعات بائتلافات حكومية سيئة السمعة كالتي عانت منها تركيا قبل 2002، وهو ما قد يفتح الباب على سلسلة من عدم الاستقرار والانتخابات المبكرة وتوقف عجلة النمو. ويبقى السؤال الأهم والأكثر حساسية في هذه الانتخابات هو نسبة أضعف أحزاب المعارضة وليس نسبة الحزب الفائز فيها، ويبقى قرار الحسم حتى اللحظة الأخيرة في يد الفئة التي لم تحسم قرارها بعد.
_____________________________
د. سعيد الحاج: باحث متخصص في الشأن التركي
الهوامش والمصادر
1. 20 حزبًا سياسيًّا تخوض الانتخابات البرلمانية في تركيا، ترك برس، 8 إبريل/نيسان 2015، (تاريخ الدخول 30 مايو/أيار 2015): http://turkpress.co/node/7310
2. الحكومة الرابعة هي الحكومة التي شكَّلها أحمد داود أوغلو في 29 أغسطس/آب 2014، بعد استقالة أردوغان لانتخابه رئيسًا، بإجرائه بعض التعديلات على الحكومة السابقة.
3. الموقع الرسمي لحزب العدالة والتنمية، ميثاق تركيا الجديدة، (تاريخ الدخول 31 مايو/أيار 2015): https://www.akparti.org.tr/arabic
4. HDP And AKP Government issue Joint Statement, ANF News, 28 February 2015, (Date of Entrance: 30 May 2015): http://goo.gl/pqrhzn
5. القائمة الكاملة للأحزاب المشاركة في الانتخابات البرلمانية هي:
حزب العدالة والتنمية، وحزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطي، وحزب السعادة، وحزب الاتحاد الكبير، وحزب الطريق القويم، وحزب الأناضول، وحزب الحق والحريات، والحزب الشيوعي، وحزب الشعب، وحزب الحق والعدالة، وحزب المركز، وحزب التكافل المجتمعي والإصلاح والتنمية، وحزب استقلال الشعب، والحزب الليبرالي الديمقراطي، وحزب اليسار الديمقراطي، وحزب البلاد، والحزب الديمقراطي، وحزب الوطن، وحزب تركيا المستقلة.
6. AKP resmi sitesi, 2015 seçim beyannamesi, (Son Giri?: 31 May?s 2015): http://goo.gl/0E1Fh1
7. للمزيد حول المبادئ الستة للجمهورية التركية وحزب الشعب الجمهوري، انظر مثلًا:
Dumont P., The Origin of The Kemalist ?deology, in Ji Landau (ed.), Atatürk And The Modernization of Turkey, ( Westview Press, Colorado, 1984), p25-44.
8. CHP resmi sitesi, 2015 seçim bildirgesi, , (son giri?: 31 May?s 2015)
http://goo.gl/SZFnuH
9. MHP resmi sitesi, Milliyetçi Hareket Partisi Genel Ba?kan? Say?n Devlet BAHÇEL?’nin “Seçim Beyannamesinin aç?klanmas? münasebetiyle” yapm?? olduklar? konu?ma, 3 May?s 2015, (son giri?: 31 May?s 2015): https://goo.gl/L2nZVp
10. CHP resmi sitesi, 2015 seçim bildirgesi, (son giri?: 31 May?s 2015): http://goo.gl/ojtr3N
11. هذا الجدول من إعداد الباحث باستخدام عدة مصادر، هي:
http://goo.gl/vLJA9L
http://goo.gl/77umfg
http://goo.gl/aNKKlf
http://goo.gl/lMzH5W
http://goo.gl/I6xTQ5
12. AK partili ‘karars?z seçmen’ karars?zl?kta karar k?larsa 8 Haziran’da koalisyona uyanaca??z, Karar, 22 May 2015 (Giri? Tarihi: 31 May?s 2015): http://goo.gl/Lfmg5z
13. Turkey’s AK party faces crisis amid internal sniping and government probe, The Guardian, 24 March 2015, (Date of Entrance: 31 May 2015): http://goo.gl/av3tqz
14. داود أوغلو: تحالف المعارضة والكيان الموازي يهدف لوقف مسيرة العدالة والتنمية، الموقع الرسمي لحزب العدالة والتنمية، 8 مايو/أيار 2015، (تاريخ الدخول: 31 مايو/أيار 2015): https://goo.gl/4mhcMa
15. موقع مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان)، الانتخابات العامة، نظام الانتخابات، (تاريخ الدخول 30 مايو/أيار 2015):
https://goo.gl/4mhcMa