تحولات تنموية كبرى في المغرب بوتيرة توازي سرعة القطار الجديد

تحولات تنموية كبرى في المغرب بوتيرة توازي سرعة القطار الجديد

طنجة (المغرب) – يشهد المغرب تحولات كبرى على الصعيد التنموي والاقتصادي، متطلعا للتحول إلى نقطة الوصل بين قارة أوروبا، التي تتمتع بمعدلات نمو كبيرة وتملك إمكانيات وخبرات بشرية هائلة، وقارة أفريقيا التي تشهد صعود قوى جديدة من بين دولها.

ويستفيد المغرب من موقع جغرافي استراتيجي، كما يعتمد على علاقات قوية مع فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة على وجه الخصوص، ومن بيئة استثمار وانفتاح ليس لهما مثيل في أفريقيا.

ويريد العاهل المغربي الملك محمد السادس بلورة ذلك في شكل استراتيجية تنموية ترسم وجها جديدا للمملكة، قائما على مشاريع كبرى تمثل قاعدة الشراكة مع دول أوروبية ترى في المغرب نموذجا.

ومن بين هذه المشاريع القطار فائق السرعة، الذي من المنتظر أن يكون المشروع الأول من نوعه في القارة، إلى جانب مشروع إطلاق القمر الصناعي “محمد السادس ب” الذي سيوفر للمغرب نقلة تكنولوجية جديدة في الصناعات الفضائية.

ووصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس إلى المغرب ليدشن مع الملك محمد السادس خط القطار فائق السرعة بين طنجة والدار البيضاء سيكون بمثابة مؤشر إلى النمو الاقتصادي في المملكة وسيظهر مهارة الشركات الفرنسية.

المغرب مثال لتعايش الحكومة الإسلامية، الممثلة في حزب العدالة والتنمية الحاكم مع التقاليد العريقة للحكم

وقدمت لزعيمي الدولتين تذكرتان رمزيتان ليستقلا “البراق” في أول رحلة يقوم بها هذا القطار فائق السرعة نحو العاصمة الرباط. ونظم حفل استقبال في محطة طنجة التي جرى تحديثها.

ووصف خط القطارات هذا بأنه الأسرع في القارة الأفريقية وهو يصل إلى الدار البيضاء على مسافة 350 كلم، ليربط بين المدينتين الأكثر حيوية في المغرب خلال ساعتين وعشر دقائق بدل أربع ساعات و45 دقيقة حاليا.

وتطرح أولى التذاكر للبيع بعد افتتاح التدشين الرسمي للخط على أن يفتح أمام عموم المسافرين نهاية نوفمبر، بحسب معلومات استقتها وكالة الصحافة الفرنسية في طنجة.وغادر الرئيس الفرنسي المغرب مساء الخميس في ختام زيارة العمل القصيرة هذه، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء المغربية. وأعلن قصر الإليزيه أنه “مشروع أساسي في العلاقة الثنائية بين فرنسا والمغرب”.

وتراهن فرنسا على خط القطار الفائق السرعة هذا لمحاولة الفوز بعقود أخرى مماثلة في أفريقيا، القارة التي تقدم “العديد من الفرص” في مجال خطوط السكك الحديدية. أما بالنسبة للمغرب، فإن هذا المشروع يعزز جهوده لاجتذاب المستثمرين الأجانب بطرح نفسه بمثابة “مركز أفريقي”.

وجاء في افتتاحية جريدة “ليزيكو” المغربية الخميس أن هذا المشروع “أريد له أن يكون واجهة تدل على تحديث البلاد: إنه إذن رهان يتوجب العمل على رفعه”. وتظل فرنسا الشريك الاقتصادي الأول للمغرب، وإن فقدت هذه المرتبة لحساب إسبانيا في ما يخص المبادلات التجارية.

ويقوم ماكرون بزيارته برفقة رؤساء الشركات الفرنسية التي ساهمت في المشروع وهي “ألستوم” والكونسورسيوم “أنسالدو إينيو” و”سيجيليك” والكونسورسيوم “كولا راي إيجيس راي”. وتتولى الشركة الوطنية الفرنسية للسكك الحديدية مواكبة المشروع لدى “المكتب الوطني المغربي للسكك الحديدية”.

وسمحت بيئة الاستثمار الجديدة، التي سعى الملك محمد السادس إلى خلقها منذ توليه العرش عام 2003، بكسب ثقة المستثمرين الكبار في الغرب، في دول تتمتع بالاستقرار السياسي والتعددية، ونسب الأمن فيها مرتفعة للغاية.

ومع الوقت بدأت الشركات الكبرى، مثل عملاق صناعة الطائرات الأوروبية إيرباص، إلى جانب شركة هوليوود لصناعة السينما الأميركية وغيرها، في بناء قواعد أساسية لها في المغرب، ونقل جزء كبير من عملياتها إلى الأراضي المغربية.

ويقول محللون إن المغرب في الغرب هو مثال لتعايش الحكومة الإسلامية، الممثلة في حزب العدالة والتنمية الحاكم، مع التقاليد العريقة للحكم في المملكة، دون اصطدام أو الدخول في صراع.

كما ينظر إلى مشروع القطار، التي أشرف عليه العاهل المغربي مع 3 رؤساء فرنسيين، على أنه دعاية كبرى لفرنسا وقدرتها تحت حكم ماكرون على الحفاظ على نفوذها في أهم القوى الصاعدة اقتصاديا في أفريقيا.

وتحمل زيارة ماكرون بالنسبة للمغرب أهمية رمزية كبرى، في وقت تعود آخر زيارة قام بها رئيس دولة للمملكة إلى يونيو حين زارها الرئيس النيجيري. وسيكون الملك محمد السادس في استقبال ماكرون في طنجة بعد أربعة أيام على مشاركته في مراسم الذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى في باريس.

وواصل المئات من العمال حتى اللحظة الأخيرة العمل لإنجاز الورشة التي أطلقها الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي في سبتمبر 2011 وتفقدها خلفه فرنسوا هولاند في سبتمبر 2015.

ويتوقع المكتب الوطني للسكك الحديدية أن يستقل خط القطار هذا 6 ملايين راكب بعد ثلاث سنوات في الخدمة. وبلغت كلفة المشروع الذي مولته فرنسا بنسبة 50 بالمئة من خلال قروض مختلفة، حوالي 23 مليار درهم (ملياري يورو) ما يزيد بحوالي 15 بالمئة عن التقديرات الأساسية، لكنه أدنى بكثير من متوسط التكاليف الأوروبية، بحسب وزارة النقل المغربية.

وأثار المشروع عند البدء به احتجاجات ولا سيما من قبل مجموعة عرفت باسم “ستوب تي جي في” باعتبار أنه ليس من “الأولويات” في المملكة. وأثير الجدل من جديد في منتصف أكتوبر عند خروج قطار عن سكته متسببا بحادث أوقع سبعة قتلى و125 جريحا في القنيطرة (غرب) أثناء رحلة بين طنجة والدار البيضاء.

وسيرافق ماكرون وزيرا الخارجية جان إيف لودريان والداخلية كريستوف كاستانير، للمشاركة في المحادثات التي ستتناول أيضا موجة الهجرة.

وبات المغرب في الأشهر الأخيرة أحد أهم طرق الهجرة إلى إسبانيا وأوروبا وأفادت السلطات المغربية عن اعتراض 68 ألف مهاجر غير قانوني وتفكيك 122 “شبكة إجرامية ناشطة” بين يناير ونهاية سبتمبر.

في مواجهة “الضغط” دعا المغرب شركاءه الأوروبيين “للانضمام إلى جهوده لمكافحة شبكات تهريب” المهاجرين في البحر المتوسط.

العرب