قال فيليب جيرالدي ضابط المخابرات السابق والمدير التنفيذي لمجلس ناشونال إنترست حاليا إن إسرائيل هي التي خرجت ظافرة من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي التي أعلنت نتائجها قبل أيام قليلة.
وأكد في مقال بموقع “أونز ريفيو” للتحليلات السياسية أن وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة قطعت بأن إسرائيل لم تكن قضية ذات شأن في تلك الانتخابات، إلا أنه يرى أنها احتلت مكانة بارزة في أحاديث المترشحين عندما كانوا يتوددون للناخبين اليهود والإنجليكانيين.
ومن الأمثلة التي أوردها عضو الكونغرس عن ولاية فلوريدا رون دي سانتيس الذي انتقد أندرو غيلام عمدة تلهاسي عاصمة فلوريدا خصمه في انتخابات اختيار حاكم الولاية بسبب تلقيه دعما من الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل (بي دي إس).
ويزعم دي سانتيس أن إسرائيل ليست هي المشكلة في الشرق الأوسط بل الحل للعديد من المشاكل التي تعيق المنطقة، وهو من كان وراء الاقتراح الذي يطالب الولايات المتحدة بالاعتراف بمرتفعات الجولان السورية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من دولة إسرائيل.
ويرى جيرالدي في مقاله أن رون دي سانتيس وأمثاله من السياسيين “الطموحين” ينطلقون في دفاعهم عن إسرائيل من مصالح سياسية شخصية ليس من بينها ما يفيد ولاية فلوريدا أو الولايات المتحدة.
جماهير مغيبة
غير أنه يؤكد أن الجماهير غير المطلعة على دقائق الأمور تنطلي عليها مثل تلك الحجج، لأنها مغيبة تماما بفضل انحياز وسائل الإعلام الصارخ لصالح إسرائيل “مما يتيح استمرار الدعم غير المشروط للدولة اليهودية دون رقابة وبلا منازع”.
وما كان للأميركيين قط أي خيار للتصويت بشأن “العلاقة الخاصة” التي تحظى بها إسرائيل مع الولايات المتحدة، ذلك أنه ما كان لعضو في الكونغرس أن يجرؤ على إبداء معارضته لها حتى لا تتعرض صورته للتشويه في وسائل الإعلام ويجد نفسه أمام خصم تغدق عليه أموال التبرعات على نحو غير معهود من مصادر خارج ولايته.
ومن المفارقة -برأي كاتب المقال- أنه بينما كانت حملات التجديد النصفي الانتخابية تشارف على الانتهاء “بدأت بعض تقارير الصحافة الاستقصائية الجادة تكشف إلى أي مدى تفسد إسرائيل والمجموعات اليهودية العملية السياسية في الولايات المتحدة بتقديمها “دعما غير محدود لكل ما يسعى إلى تحقيقه (رئيس الوزراء الإسرائيلي) بنيامين نتنياهووعصابته من مجرمي الحرب المثيرين للاشمئزاز”.
ولعل أفضل تجليات عملية الإفساد تلك التي تتمثل في سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية تجاه قطاع غزة، حيث تستخدم قناصة الجيش في قتل المحتجين الفلسطينيين العزل.
ولا تجرؤ واشنطن على الاحتجاج على جريمة الحرب الاستفزازية فحسب، بل تدعمها وتحض سفيرها لدى إسرائيلديفد فريدمان على تبريرها بذريعة أنها كانت ردا “محسوبا ومناسبا”، حسب وصف جيرالدي.
نووي إسرائيل
ثمة مسألة أخرى ارتأت واشنطن أن تغض الطرف عنها ألا وهي ترسانة إسرائيل النووية التي يعتقد أنها تضم نحو مئتي رأس حربي، هذا بينما ينص القانون الأميركي على أن أي دولة تحوز ترسانة أسلحة نووية غير معلنة لن تحصل على أسلحة أميركية الصنع أو أي نوع من أنواع المساعدة.
ويمضي جيرالدي -الذي كان يعمل ضابطا عسكريا كبيرا في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي)- إلى القول إن الكونغرس والبيت الأبيض يتظاهران بعدم وجود ترسانة إسرائيلية نووية على الرغم من أن الإسرائيليين أنفسهم أقروا ضمنا أكثر من مرة بامتلاكها.
وبدلا من أن تقطع الولايات المتحدة عنها المساعدات زادتها لتصل حاليا إلى 3.8 مليارات دولار في العام مع ضمان استمرارها طوال السنوات العشر المقبلة مع وجود أموال إضافية متاحة لها إن هي احتاجت لها.
وتطرق الكاتب بشيء من التفصيل إلى التحقيقين الاستقصائيين اللذين أجرتهما شبكة الجزيرة الإخبارية قبل بضع سنوات، وتناول التحقيق الأول نشاطات اللوبي (جماعات الضغط) الإسرائيلي في بريطانيا، في حين ركز الثاني على اللوبي في الولايات المتحدة.
تأييد مطلق لإسرائيل
وقد كانت إسرائيل ضالعة بالتدخل في نشاط سياسي مشروع وفي تلفيق أخبار زائفة في وسائل الإعلام الاجتماعية عامي 2016 و2018، وهي نفس التهم التي وجهت ضد روسيا إلا أن المحقق الخاص روبرت مولر لا يعير لها اهتماما على ما يبدو.
وهناك من الأدلة ما يثبت أن إسرائيل سعت لجني مكاسب من إدارة دونالد ترامب في 2016 وليس روسيا، فمن يفسد الآخر حقا؟ يتساءل كاتب المقال.
وورد في المقال كذلك أن هناك جماعات موالية لإسرائيل أكثر علانية مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (آيباك) التي تبلغ ميزانيتها السنوية مئة مليون دولار ويعمل فيها مئتا موظف.
هذا إلى جانب تدابير أخرى خاصة وضعت استرضاء لإسرائيل واليهود الأميركيين المتنفذين ممن أخذوا على عاتقهم استخدام الحكومة الأميركية وسيلة لحماية إسرائيل ورعايتها.
وخلص الكاتب إلى أن إسرائيل رغم عدم خوضها انتخابات التجديد النصفي الأخيرة للكونغرس الأميركي فإنها كانت غارقة فيها حتى النخاع.
وعلى الرغم من أن اثنين من منتقدي إسرائيل من النواب الديمقراطيين فازا بمقعدين بمجلس النواب فإن حزبهما يتباهى بقدرته على إعادة تأهيلهما فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، مؤكدا أن وجودهما داخل الكونغرس لن يحدث فرقا.
وشدد الحزب الديمقراطي على أنه سيبقى على موقفه القوي المؤيد لإسرائيل بوجود مزيد من أعضاء الكونغرس اليهود أكثر من أي وقت مضى.
وعلى الجانب الآخر، فإن كل أعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس -على حد تعبير فيليب جيرالدي- “في جيب إسرائيل”، ومن الموالين لها في البيت الأبيض وزير الخارجية مايك بومبيدو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفد فريدمان الذي أعلن عن ولائه المزدوج في حديثه الأخير الذي قال فيه إن الولايات المتحدة هي “الدولة التي أحمل جنسيتها” أما إسرائيل فهي البلد “الذي أحبه كثيرا”.