أكد المبعوث الخاص إلى سوريا جيمس جيفري أن المرحلة المقبلة في سوريا ستشهد هزيمة داعش، وتفعيل العملية السياسية، مشددا على أن تحقيق السلام الدائم في سوريا يبقى رهين خروج القوات الإيرانية.
واعتبر جيفري أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تأمل في أن ينتهي القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في آخر معاقله بشمال شرق سوريا خلال أشهر، مضيفا أن القوات الأميركية ستبقى لضمان “هزيمة دائمة” للتنظيم المتشدد.
وأضاف أن القوات الأميركية ستظل موجودة بعد انتصار قوات التحالف على وحدات تنظيم الدولة الإسلامية لضمان ألا “يجدد نفسه”.
وتخوض قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة معارك ضد آخر جيب لتنظيم داعش في منطقة هجين بمحافظة دير الزور الحدودية مع العراق.
وقال جيفري إن المعركة البرية النهائية تدور على امتداد نهر الفرات وتقودها قوات سوريا الديمقراطية بمساعدة أفراد من الجيش الأميركي.
وتثير العملية العسكرية التي انطلقت منذ سبتمبر الماضي جدلا كبيرا في ظل اتهامات للتحالف الدولي والولايات المتحدة بارتكاب انتهاكات في صفوف المدنيين، وآخر الانتقادات تلك التي صدرت الخميس عن روسيا التي اتهمت واشنطن باستخدام القنابل الفسفورية.
وأضاف المبعوث الأميركي “القتال مستمر ونأمل أن ينتهي خلال شهور وستكون هذه آخر الأراضي التي يسيطر عليها داعش بصورة شبه تقليدية”، واعتبر أن “الهزيمة الدائمة لا تعني مجرد سحق آخر وحدات داعش العسكرية التقليدية التي تسيطر على أراض لكن ضمان ألا يعاود داعش الظهور فورا من خلال خلايا نائمة في صورة حركة متمردة”.
ويرى مراقبون أن تصريحات المبعوث جيمس جيفري المشددة على استمرار بقاء القوات الأميركية في سوريا حتى بعد القضاء على التنظيم المتطرف، تعود أساسا إلى قناعة الولايات المتحدة الأميركية بأن انسحابها بمجرد الانتهاء من داعش، يعني إخلاء الساحة لباقي القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع وفي مقدمتها إيران وروسيا.
والوجود الروسي في سوريا ليس بجديد بل يعود إلى عقود، حيث تملك موسكو هناك قاعدة عسكرية في محافظة اللاذقية على البحر الأبيض المتوسط بيد أن انخراطها المباشر في سوريا منذ العام 2015 مكنها من توسيع دائرة نفوذها حتى أنها تحولت إلى المتحكم رقم واحد في المشهد هناك، وتدرك واشنطن أنه من الصعب تغيير هذا الواقع، وأن عليها مجاراته. أما بخصوص الوجود العسكري الإيراني فهو حديث، بدأ منذ تحول الأزمة إلى صراع مسلح، وتعتبره واشنطن خطرا وتهديدا كبيرا لمصالحها وأيضا لحلفائها في المنطقة وعلى رأسهم إسرائيل.
وأشار جيفري إلى أن واشنطن تريد انسحاب القوات العسكرية الإيرانية من سوريا بمجرد حل أسباب الصراع، مشيرا إلى أن استمرار الوجود العسكري الإيراني سيمثل تهديدا لشركاء الولايات المتحدة بالمنطقة.
وأضاف أن خروج القوات الإيرانية من سوريا، حيث تساند حكم الرئيس بشار الأسد، ليس هدفا عسكريا أميركيا لكن يجب أن يكون نتيجة لعملية إنهاء الحرب الأهلية وأنه السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم.
وهناك مفاوضات تدور في الغرف المغلقة بين روسيا والولايات المتحدة بخصوص هذا الجانب، وسبق وأن طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقد حوار بين واشنطن ودمشق وطهران، وأن بلاده مستعدة للمساهمة في ذلك.
ويعكس تصريح المبعوث الأميركي بخصوص أن بلاده لا ترى في العمل العسكري خيارا لطرد إيران من سوريا، أن الوضع يستوجب اعتماد أساليب اخرى أقل خطورة كالعمل الدبلوماسي والضغط عن طريق العقوبات.
وقال جيفري إن العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها على إيران مؤخرا ستشجع طهران على تقليص وجودها في سوريا.
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت في 4 نوفمبر الجاري جملة من العقوبات القاسية على إيران استهدفت قطاع النفط الذي يشكل ركيزة أساسية للاقصاد الإيراني.
ويرى مراقبون أن إيران أمام حجم ضغط العقوبات قد تجد نفسها مضطرة في النهاية إلى الإصغاء للمطالب الأميركية، وقد أبدت فعلا مرونة مؤخرا عندما أكد قيادي في الحرس الثوري أن بلاده لا تملك خططا للبقاء على الأمد الطويل في سوريا.
ويقول متابعون إن الوجود الإيراني كما الوجود التركي والأميركي هو في واقع الأمر رهين التوصل إلى تسوية سياسية، وهذا ما يبدو الجميع على قناعة به.
وقال جيفري إن الولايات المتحدة، سعيا لتحقيق هذا الهدف، تتمنى تشكيل لجنة قبل نهاية العام لوضع دستور جديد لسوريا تنفيذا للاتفاق الذي توصل إليه زعماء روسيا وألمانيا وفرنسا وتركيا خلال اجتماعهم في إسطنبول في أكتوبر الماضي، الذي لم تشارك فيه بلاده بيد أنها كانت مطلعة على كواليسه.
وأكد المبعوث الأميركي أن تشكيل لجنة تحت رعاية الأمم المتحدة لبدء العمل على وضع دستور جديد لسوريا “خطوة حاسمة” لدفع العملية السياسية قدما”، وأضاف أن الولايات المتحدة ستحمّل روسيا مسؤولية استخدام نفوذها لتأتي بحليفها الرئيس بشار الأسد إلى طاولة التفاوض.
وشدد “هدفنا، وأكرر الذي أيدته روسيا وفرنسا وألمانيا وتركيا وتم الاتفاق عليه في 27 أكتوبر في إعلان إسطنبول، هو تشكيل هذه اللجنة الدستورية بحلول نهاية العام”.
ويضع النظام السوري مجموعة من العراقيل للحيلولة دون إنشاء اللجنة، من ضمنها إصراره على أن تكون له الغلبة العددية داخل هذه اللجنة المؤلفة من 150 شخصا، فضلا عن كونه يصر على إجراء تعديل على الدستور القائم، وليس كتابة دستور جديد.
ويرى مراقبون أن روسيا سيكون عليها الاستماع إلى مطالب القوى المقابلة في حال أرادت فعلا إسدال الستار على هذا الصراع، فرغم أنها المتحكم الفعلي في المشهد بيد أن ذلك لا يمنحها القدرة العملية على إنهاء الأزمة، وقبل ذلك ستجد نفسها مضطرة
إلى التعاطي مع اتفاق إدلب الذي لا يزال متعثرا، ويعد نجاحه المدخل الأساسي لإنهاء الصراع.
وقالت وزرة الخارجية الروسية الخميس إن عملية فصل المتشددين عن جماعات المعارضة المعتدلة في المنطقة منزوعة السلاح في إدلب السورية لم تتحقق بعد.
وأوضحت المتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا أن العملية التي بدأت في إطار اتفاق بين تركيا وروسيا في سبتمبر لم تنجح رغم الجهود التي بذلتها أنقرة.
وكانت تركيا وروسيا قد توصلتا في 17 سبتمبر الماضي إلى اتفاق يقضي بفرض منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب التي تعد آخر أبرز معقل للمعارضة في سوريا، بيد أن القوى المتشددة التي تحكم المنطقة المعنية، وهي هيئة تحرير الشام، ترفض إلى حد الساعة مغادرتها، الأمر الذي قد يضطر روسيا وتركيا إلى التعامل مع الأمر عسكريا.
وحذر مساعد المبعوث الأممي الخاص للشؤون الإنسانية حول سوريا، يان إيغلاند، من أن مؤشرات كثيرة توحي بأن “معارك ستقع في محافظة إدلب في حال فشلت المفاوضات الدائرة مع المجموعات المسلحة الكثيرة”.