حفظا لماء الوجه.. السعودية والإمارات توقفان معارك الحديدة

حفظا لماء الوجه.. السعودية والإمارات توقفان معارك الحديدة

مجددا يظهر التحالف السعودي الإماراتي في اليمن في موقف المتخبط، ويخضع للضغوط الغربية التي أصبحت تحاصره من كل اتجاه وأجبرته على إعطاء تعليمات لقواته على الأرض والجيش اليمني بوقف القتال داخل مدينة الحديدة غربي البلاد، بحسب ما نقلته وكالة رويترز، وهو الأمر الذي ذهبت الحكومة اليمنية لنفيه على لسان ناطقها الرسمي والتأكيد على عدم وجود أي هدنة إنسانية.

وتؤكد تطورات جديدة متناقضة حقيقة الشرخ الحاصل فعلا في تسيير التحالف للحرب، وتعمده في استخدام الحكومة اليمنية كغطاء شرعي لممارساته العبثية والتخفي وراءها أمام الضغوط الدولية المتزايدة، بحسب محللين سياسيين تحدثوا للجزيرة نت.

ومؤخرا صعّدت كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية من مطالباتها لإيقاف العمليات بالحديدة، وإيقاف الحرب باليمن وهو ما تسبب في انقسام واسع في أوساط اليمنيين.

والبعض منهم قال إن التحالف لا يكترث بالحال الذي يعيشه اليمنيون اليوم، ومعاناتهم من المجاعة والتشرد وانتشار الأوبئة، في ظل إبقاء البلاد في وضع اللاحرب واللاسلم.

صراع عبثي
منذ أكثر من عامين، اختزلت مدينة الحديدة الأزمة اليمنية التي تصفها الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في التاريخ، وتحول أمر تحرير المدينة -وفقا لمراقبين- إلى صراع عض أصابع بين التحالف السعودي الإماراتي وبين منظمات الأمم المتحدة التي تحذر من كارثة فعلية قد تطال السكان في حال تعطل ميناء المدينة، آخر منافذ اليمنيين القاطنين في مناطق سيطرة الحوثيين الذي تصلهم عبره الأغذية.

وبينما وصلت قوات التحالف والجيش اليمني هذه المرة إلى مشارف المدينة، وكانت على مسافة كيلومترات من الميناء، جاء قرار التحالف بوقف العمليات وأعلن محافظ الحديدة عن وجود مشاورات تقودها الأمم المتحدة لتسليم المدينة ومينائها سلميا، معتبرا قرار إيقاف الحرب مسألة مؤقتة لدواع إنسانية من شأنها تسهيل أعمال المنظمات الإنسانية.

وتنظر السعودية والإمارات إلى معركة الحديدة باعتبارها الوسيلة الرابحة للضغط على جماعة الحوثي في الدخول بمشاورات سياسية، وتعدها معركة الفصل الأخير الذي سيجبر الحوثيون على الركوع وقطع الإمداد المالي والاقتصادي، بينما يعتبر الحوثيون الحديدة الرئة التي يتنفسون منها اقتصاديا وحتى عسكريا وماليا، وفقا لحديث رئيس منظمة “سام” للحقوق والحريات توفيق الحميدي للجزيرة نت.

وبين كل هذا يقدم المجتمع الدولي مبرراته، ويرى في المدينة خط الشريان الأساسي -وربما الوحيد- لإنقاذ الوضع الإنساني في اليمن ومنعه من التدهور نحو وضع أكثر سوءا، وهكذا يحاول كل طرف التشبث بمعركة الحديدة والسعي إلى كسبها كما يرى الحميدي.

وعن الانتهاكات التي ارتكبت بحق المواطنين طوال فترة القتال بالحديدة، يشير الحميدي إلى أن التحالف ومعه الحوثيون ارتكبوا مخالفات جسيمة ترتقي إلى جرائم حرب بموجب القانون الدولي واتفاقية جنيف وميثاق روما، بدء من استهداف المناطق السكنية بالقذائف والغارات الجوية ومرورا بتفخيخ البيوت واقتحامها وتحويلها إلى ثكنات عسكرية، وزراعة الألغام العشوائية ومنع حركة المدنيين وعدم احترام المنشآت العامة وفي مقدمتها المشافي.

وفي الوقت الذي تصنف فيه الحديدة من أكثر المحافظات اليمنية تأثرا بمرض الكوليرا، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية باليمن مؤخرا نزوح أكثر ثمانين ألف أسرة من المدينة منذ يونيو/حزيران الماضي، فيما تشير أرقام الأمم المتحدة إلى نزوح أكثر من أربعمئة ألف مواطن من المدينة بشكل عام خلال العامين الماضيين.

وتواجه تلك الأسر كارثة حقيقة في ظل عدم وجود خطط إنسانية واضحة أو مخيمات للهروب إليها، كما تحدثت الأمم المتحدة عن مقتل 34 قتيلا وإصابة 58 مدنيا خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري.

حادثة خاشقجي
وكان لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول الدور الأبرز في التحركات والضغوط الدولية الداعية لوقف الحرب في الحديدة وعموم اليمن خلال الفترات الأخيرة، بحسب حديث الصحفي اليمني علي الفقيه للجزيرة نت.

وتحركت جميع الأطراف الدولية للضغط على السعودية بعد الحادثة، ولكن في المقابل شكل ذلك عملية إنقاذ مجانية لجماعة الحوثي -وفقا للصحفي الفقيه- خصوصا أن الأطراف الدولية تريد الحفاظ على بقاء الجماعات الطائفية المدعومة إيرانيا لغرض استخدامها فزاعة لابتزاز الخليجيين، وتدرك تلك الدول جيدا أن سوق السلاح -من دون استمرار بؤر التوتر والعنف بالقرب من حقول النفط الخليجي- سيصيبها الكساد.

وعندما خاض التحالف العربي الحرب عسكريا في الحديدة واليمن، لم يكن يدرك طبيعة المعركة التي سيخوضها بحسب المحلل السياسي اليمني ميزر الجنيد، إضافة إلى أن الشرعية لم تكن لديها خطة مع تواصل الحرب وتداخل عوامل كثيرة فيها كان أهمها القضية الجنوبية ومستقبل البلد بشكل عام.

ويرسم التحالف لنفسه إستراتيجية تأمين مستقبلية -كما يفيد الجنيد للجزيرة نت- عبر زرع وإنشاء مليشيا خارج سلطة الشرعية الغائبة، وهو ما يحدث حاليا في الحديدة التي يراد تسليمها لمليشيا جديدة تتمثل في حراس الجمهورية الذين يقودهم طارق صالح المدعوم من الإمارات.

يتابع الجنيد: في الواقع تعتبر الحديدة حاليا تحت الحصار ومن الصعب على الحوثيين استعادتها، قد يستخدمونها فقط للتفاوض لتحقيق مكاسب معينة، ولا أظن أن مشاورات السلام القادمة ستأتي والحديدة تحت سيطرة الحوثيين.

ويؤكد مراقبون أن تباطؤ التحالف في حسم المعركة واختلاف أهداف أطرافه هو ما ساهم في إطالة أمد الحرب، وأفقدهم مصداقيتهم أمام العالم الذي أصبح ينظر إلى الوضع الإنساني باهتمام كبير على حساب الوضع العسكري.

المصدر : الجزيرة