حكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي بعد أن علّقت عليها آمال لتجاوز المحاصصة الحزبية والطائفية في توزيع المناصب، وقعت في ما هو أسوأ من ذلك حيث تحوّلت حقائبها الوزارية لموضع مزاد تخوضه جهات داخلية بأموال وافدة من خارج الحدود، وفق تأكيد مقتدى الصدر أحد شركاء العملية السياسية والمطلعين على خباياها.
بغداد – خرجت عملية شراء المناصب الحكومية والحقائب الوزارية في العراق، إلى العلن بشكل غير مسبوق، مع توجيه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الداعم لتحالف سائرون، الإثنين، لرسالة شديدة الوضوح إلى هادي العامري قائد منظمة بدر وزعيم تحالف الفتح حول هذا الموضوع، في وقت تواتر فيه الحديث عن دخول المال القطري بقوّة إلى “مزاد” شراء المناصب في العراق.
وتعسّر استكمال تشكيل حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي المنقوصة من ثماني وزارات، بسبب التنافس الشديد على من يشغلها، وأهمّها وزارتا الداخلية والدفاع.
وبعد زيارة قام بها وزير الخارجية نائب رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمّد بن عبدالرحمان آل ثاني مؤخّرا إلى بغداد، قفز اسم الرئيس السابق للبرلمان العراقي سليم الجبوري بصفة مفاجئة إلى مقدّمة المرشّحين لمنصب وزير الدفاع في ظلّ حديث مصادر عراقية عن صفقة مالية عقدها الوزير القطري مع قوى سياسية وتكتلات برلمانية لإفساح الطريق أمام القيادي الإخواني لتسلّم حقيبة الدفاع.
وقال الصدر في رسالته الموجّهة للعامري، عبر تويتر، موجّها الخطاب بالاسم إلى هادي العامري “هناك صفقات ضخمة تحاك بين بعض أعضاء الفتح وبعض أفراد البناء (تحالف نيابي يضم كتلا شيعية وأخرى سنيّة) من سياسيي السنة لشراء الوزارات بأموال ضخمة وبدعم خارجي لا مثيل له”.
وأضاف “أخي العزيز اتفقنا سويا أن يدار العراق بطريقة صحيحة وبأسلوب جديد يحفظ استقلاليته وسيادته، وتعاهدنا أن نستمر سوية حبا بالعراق وشعبه”، مستدركا “إما يأخذوا كل مغانمهم وبأي أسلوب يشاءون وتحت أنظار الشعب وإما أن تحاول إصلاح ما يقوم به من هم تحت جناحك”.
وقالت مصادر عراقية إنّ حديث الصدر عن “أموال ضخمة وبدعم خارجي لا مثيل له” يتضمّن إشارة واضحة إلى قطر التي تحرّكت بكثافة صوب العراق في محاولة لاحتواء الحكومة الجديدة برئاسة عادل عبدالمهدي، تمهيدا لضمّ العراق إلى محور في طور التشكّل يضمّ إلى جانب قطر كلاّ من إيران وتركيا وسوريا.
وتجد الدوحة في التحالفات السياسية والنيابية الشيعية والسنية في العراق مدخلا مناسبا للساحة العراقية، ولاستخدام المال لتوجيه المشهد السياسي هناك.
وكانت تلك التحالفات قد دفعت بالسياسي السنّي الشاب محمّد الحلبوسي إلى رئاسة البرلمان، وقد اختار قطر وجهة له مع بداية عهده على رأس مجلس النواب، حيث كانت له لقاءات ومحادثات مع قيادتها التي دعاها إلى توظيف الأموال القطرية في السوق العراقية والمشاركة في إعادة إعمار العراق.
ولم يسلم صعود الحلبوسي نفسه إلى رئاسة البرلمان العراقي من شبهات فساد، حيث تسود قناعة بأنّ المال السياسي هو ما جعله يتفوّق على منافسين له على المنصب أكثر منه خبرة وتجربة.
ورأت عدّة أطراف سياسية عراقية في اندفاع عدد من الكتل صوب قطر، توريطا للعراق في سياسة المحاور، وهو ما نبّه له تحالف سائرون المدعوم من مقتدى الصدر بشكل صريح.
وكانت قطر قد أوفدت وزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني في زيارة رسمية إلى بغداد، وصفها محللون سياسيون بـ“المستعجلة”، في إشارة إلى رغبة الدوحة إلى استباق باقي الدول العربية في استمالة طاقم الحكم الجديد في العراق ضمن مساعيها لفكّ عزلتها الناجمة عن مقاطعة أربع دول عربية لها على خلفية دعمها للإرهاب.
وإثر زيارة وزير الخارجية القطري الأخيرة إلى بغداد قال النائب عن سائرون بدر الصائغ “إنّ الحكومة العراقية الجديدة حريصة على بناء علاقات دبلوماسية قائمة على التعاون، واحترام سيادة البلد والشأن الداخلي، ولن تكون مع طرف ضد الآخر في المشكلات التي تعاني منها المنطقة”، مشدّدا على “ضرورة الابتعاد عن سياسة المحاور، والأقطاب المتحاربة ما سيساعد العراق على توسيع علاقاته مع دول المنطقة وفق تبادل المصالح المشتركة”.
ويحاول طاقم الحكم الجديد في العراق إرساء علاقات متوازنة مع مختلف دول المنطقة، وهو الأمر الذي حاول الرئيس برهم صالح تجسيده في أول جولة إقليمية له اختار أن تشمل الأردن وثلاث بلدان خليجية هي الكويت والإمارات والسعودية، إضافة إلى إيران.
ويرجع متابعون للشأن العراقي تقارب قطر مع قوى شيعية عراقية موالية لطهران وكانت توجّه اتهامات صريحة للدوحة بدعم الإرهاب، إلى “التحالف” القطري مع طهران ضدّ بلدان المنطقة والذي خرج إلى العلن منذ بادرت أربع دول عربية إلى مقاطعة الدوحة بسبب دعمها للإرهاب.
العرب