انتظر الزعيم الكردي مسعود البارزاني، مغادرة رئيس الجمهورية برهم صالح العراق متجها إلى إيطاليا، كي يحط بطائرته الخاصة في مطار بغداد، في مشهد يعكس عمق الأزمة بين الأطراف السياسية الكردية بسبب معركتها على منصب الرئاسة في البلاد.
وتشير الطريقة التي استقبل بها البارزاني في المطار، إلى ما يمكن وصفه بالترتيبات الجديدة في سياق الاصطفاف السياسي في العراق، إذ وجد الزعيم الكردي في استقباله كلا من رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وزعيم تحالف الفتح هادي العامري.
وتبنى كل من الحلبوسي والعامري دعم مرشح البارزاني فؤاد حسين، في معركة الفوز بمنصب رئيس الجمهورية، الذي ذهب في الأخير إلى برهم صالح الذي تبناه مقتدى الصدر.
وتقول مصادر سياسية مطلعة في بغداد لـ”العرب” إن “أهداف زيارة البارزاني إلى بغداد في هذا الظرف، تتعدى اهتمامه بالحصة الكردية من موازنة العراق المالية والكابينة الحكومية، إلى بناء تحالف جديد يجمع أطرافا قريبة من إيران”.
ويقول قيس الخزعلي، وهو زعيم حركة عصائب أهل الحق المقربة من إيران، إن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني كان حريصا على عدم إغضاب البارزاني في ما يتعلق باختيار رئيس العراق، لكن معسكر الصدر نجح في تمرير مرشحه في النهاية.
وتنظر طهران إلى البارزاني بوصفه شريكا محتملا في أي ترتيبات تسهم في الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة عليها، بسبب نفوذه الكبير في المنطقة الكردية من العراق، التي ترتبط بحدود طويلة مع إيران.
وبحسب المصادر، ربما تحاول إيران احتواء غضب البارزاني بسبب خسارة منصب الرئيس، من خلال إشراكه في تحالف سياسي واسع سيكون جاهزا للانقضاض على حكومة عادل عبدالمهدي، في حال استجابت للضغوط الأميركية بشأن التزام العراق بتنفيذ عقوبات واشنطن على طهران.
وتتعامل الزعامات السياسية في العراق مع حكومة عبدالمهدي، بصفتها “مؤقتة”، فإن لم ينسحب الرجل من المنصب، وهو صاحب سجل حافل بالانسحابات من مناصب كبيرة سابقا، فسيطاح بحكومته برلمانيا، حال نجاحها في احتواء احتجاج الشارع العراقي الغاضب من الفساد وسوء الإدارة ونقص الخدمات.
واختارت الأطراف السياسية الدفع بعبدالمهدي إلى الواجهة في لحظة حرجة شهدت صعود تهديد الشارع الغاضب للعملية السياسية برمتها. ولم يكن للأحزاب الفائزة في الانتخابات، أن تأتي بشخصية اختارت الانعزال سياسيا مثل عبدالمهدي إلى هذا المنصب لولا الخوف من الاحتجاجات.
وبحسب مراقبين، فإن البارزاني ربما يكون طرفا أساسيا في الترتيبات السياسية التي تحضر لمرحلة ما بعد عبدالمهدي، التي تتوقع المصادر السياسية أنها لن تدوم أكثر من عام واحد أو عامين في أعلى التقديرات.
وبعد انتهاء اجتماع قصير داخل المطار، بين البارزاني والحلبوسي والعامري، توجه الزعيم الكردي إلى لقاء عادل عبدالمهدي في مكتبه.
ولم يورد مكتب عبدالمهدي شيئا من تفاصيل المباحثات مع البارزاني، بل اكتفى بالإعلان عن اللقاء ونشر صورة واحدة له فحسب.
ولكن لقاء البارزاني المنتظر في بغداد، هو مع غريمه التقليدي نوري المالكي، الذي اشتبك معه سياسيا طيلة سنوات، وكادا يخوضان نزاعا عسكريا في كركوك العام 2011.
وينظر إلى المالكي بوصفه الشريك المحتمل الأبرز للبارزاني في الترتيبات التي بدأت تحضيرا لمرحلة ما بعد عبدالمهدي.
وإذا كان البارزاني خرج من الصراع على منصب رئيس الجمهورية بحقيبة سيادية في حكومة عبدالمهدي، فإن المالكي خرج من مفاوضات توزيع المناصب خالي الوفاض حتى الآن.
ويعتقد مراقبون أن المالكي ليس مهتما بالحصول على منصب في التشكيلة الحالية، وإن كانت التسريبات تشير إلى عدم ممانعته الحصول على منصب نائب رئيس الجمهورية الذي شغله خلال السنوات الأربع الماضية.
ويقول مراقبون إن تحالفا يجمع بين البارزاني والمالكي ربما يجتذب أطرافا سياسية عديدة، ما يشكل ضغطا هائلا على الصدر من جهة وعلى رئيس الحكومة من جهة ثانية.
وإذا ما كانت الطبقة السياسية قد نجحت في تمرير صفقة عبدالمهدي باعتباره ممثل تهدئة بين الأطراف المتناحرة، فإن ذلك الاتفاق لا يضمن أن الأمور ستستمر هادئة إلى ما لا نهاية.
وقال مراقب سياسي عراقي لـ”العرب”، المطلوب من عبدالمهدي أكبر من قدرته على المناورة، فالرجل يقف بين قوتين ضاغطتين، الأولى تمثلها العقوبات الأميركية التي يضعه التعامل الإيجابي معها في مواجهة القوة الثانية، إيران، التي تطالبه بالتوصل إلى اتفاق مع واشنطن يسمح باستثناء العراق من العقوبات.
ويشير المراقب إلى أنه في ظل موقف عبدالمهدي الرافض لضم كركوك إلى الإقليم الكردي فإنه من المتوقع أن ينضم الزعيم الكردي مسعود البارزاني إلى المعسكر الموالي لإيران الذي بات بحكم الواقع في قبضة هادي العامري الزعيم غير المتوج لميليشيات الحشد الشعبي، ما يعني إحداث تغيرات جوهرية في الخرائط السياسية، ذلك أن الحشد الشعبي هو المنافس التقليدي للميليشيا الكردية “بيشمركة” على كركوك التي تعد السيطرة عليها واحدة من أهم نقاط الخلاف بين أربيل وبغداد.
وتساءل “هل سيضحي التيار الموالي لإيران بكركوك مقابل أن ينضم البارزاني إلى المعسكر المناوئ للعقوبات الأميركية؟”، محذرا من أن التخلي عن كركوك من قبل بعض الأطراف الحزبية يمكن أن يشكل سببا لاندلاع خلافات مع أطراف أخرى لا تزال تتمسك بتبعية تلك المدينة لبغداد وهو ما يمكن أن يشكل عبئا جديدا على حكومة عادل عبدالمهدي.